منيرة الفاضل
على الرغم من أن توحيد العملة الخليجية مازال عالقاً، فهل هناك إمكانية لتوحيد القوانين الخليجية؟ منذ بداية هذا العام هناك طرح خليجي يتحدث عن توحيد القوانين لتحقيق الطموحات الخليجية أمام العالم، خاصة تلك القوانين المتعلقة بالاقتصاد، ورغم أن الحديث يطول حول القوانين الاقتصادية لدى معظم الدول، فبالتأكيد هناك إيجابيات لتوحيد القوانين الخليجية تربو على سلبياته أو بمعنى أدق تكاد لا تكون هناك سلبيات تذكر. فهو هو الحل الأمثل والمطلب الأساسي الذي يتحقق به متطلبات دول الخليج وأرى أنه لو توحدت قوانيننا ستزداد قوتنا واحترامنا ونفوذنا في العالم. من حيث التطبيق يصعب علينا توحيد القوانين الخليجية دفعة واحدة، لكنه يمكن البدء بالقوانين التي لها علاقة بالقضايا التجارية والاقتصادية. وهذا المسعى لا يأتي إلا بالتنسيق والتكامل والترابط الجدي بين دول الخليج، بحيث تكون المصالح الاقتصادية هي الدافع الأساسي والغاية من وراء توحيد القوانين الاقتصادية للدول من أجل تسهيل التعامل وخاصة في مجال الاستيراد والتصدير. ومن إيجابية توحيد القوانين إغلاق ملف تنازع القوانين، الذي طالما شكل عقبة كبيرة في سبيل تسهيل التعامل وكان مانعاً للمزيد من الترابط الذي ينشده الأفراد والمؤسسات من جهة والقانونيون من جهة أخرى، لأن اختلاف القوانين يجعل من عملية التبادل التجاري والمعاملات المتبادلة عملية صعبة. ولا يكفي مجرد توحيد القوانين المعمول بها في دول الخليج ، لأن الأمر يقتضي أيضاً توحيد المبادئ القانونية الصادرة عن محاكم التمييز في هذه الدول حتى لا نجد أنفسنا في حالة تناقض بين قوانين موحدة ومبادئ قانونية مبنية على غير ذلك. فمن إيجابيات توحيد القوانين الاقتصادية كمرحلة أولية، توحيد تلك المتعلقة بالبورصة، فالأسواق المالية الخليجية تستطيع أن تستوعب السيولة المالية الكبيرة التي يتم تداولها يومياً بدلاً من الهجرة إلى البورصات العالمية، وكمرحلة لاحقة لذلك يمكن توحيد قوانين التحكيم التجاري والملاحة والمرور والأمن، فكلما توحدت قوانيننا توحدنا وازدادت قوتنا ونفوذنا واحترامنا لدى الآخرين أي أنها علاقة طردية. فعلى سبيل المثال نسمع هذه الأيام عن شركة أمريكية عملاقة تتحد مع أخرى ألمانية من ذات الحجم، في مجال التنقيب عن النفط، أو شركة بريطانية تتحد مع شركة إيطالية في إنتاج السيارات. وهذا أمر ينبغي أن يجعلنا نسعى إلى توحيد السياسة التجارية الخارجية لدول المجلس لكي نتعامل مع العالم الخارجي ومنظمة التجارة العالمية والمنظمات الدولية كوحدة اقتصادية واحدة لا تتجزأ. إن توحيد القوانين يؤدي إلى السرعة في تنفيذ الأحكام وتسهيل إجراءات التنفيذ والحفاظ على الحقوق من الضياع، فمن لديه حكم صادر من محاكم البحرين يستطيع تنفيذه بالأمارات من دون اتباع إجراءات تختص بالمنازعة الموضوعية للحكم. كما من شأنه القضاء على ظاهرة ازدواجية الأحكام وتوفير حجية قانونية للأحكام التي تصدر من محاكم دول مجلس التعاون، وبالتالي القضاء على ظاهرة التعقيدات الإدارية والقضائية الحاصلة في وقتنا الحاضر عند تنفيذ حكم دولة خليجية في دولة خليجية أخرى. ويهمنا في هذا الصدد أن نذكر أن توحيد القوانين يؤدي إلى توحيد مصادر التشريع لدى جميع دول مجلس التعاون الخليجي، بالتالي توحيد جميع الأجهزة المختصة في هذا المجال بما فيها البرلمانات الخليجية، كما إنه يؤدي إلى استقرار التعاملات التجارية وتشجيع الصناعة الوطنية بين دول الخليج. هناك مساع واضحة لأصحاب السعادة وزراء العدل بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في إطار تعزيز مسيرة التعاون المشترك بين دول المجلس في المجال العدلي والتشريعي والقضائي، نذكر منها وثيقة أبو ظبي للنظام القانوني الموحد للتوفيق والمصالحة ومشروع النظام القانوني الموحد للتفتيش القضائي، وتخصيص لجنة تتكون من خبراء متخصصين بدراسة الجوانب العدلية للاتحاد الأوروبي وإمكانية الاستفادة من هذه التجربة. وكما هو معلوم فإن الاتحاد الأوروبي الذي يعد اتحاداً سياسياً اقتصادياً مكوناً من 27 دولة تطور كوحدة اقتصادية من خلال تطبيق قوانين موحدة على كل الدول الأعضاء، وتشمل هذه القوانين حرية حركة للناس والبضائع والخدمات ورؤوس الأموال، كما استطاع الاتحاد إصدار العملة الموحدة للاتحاد ''اليورو''، رغم أن دول مجلس التعاون كانت سباقة بالفكرة حيث كان من المقرر صدور العملة الموحدة في سنة .1998 ورغم أن العملة الموحدة لم تصدر بعد إلا أن هناك بوادر إيجابية بدأت بالظهور كشفت عنها وسائل الأعلام مؤخراً بنشرها أخبار تؤكد أن حكومة مملكة البحرين أحالت إلى مجلس النواب مشروع قانون بالتصديق على اتفاقية الاتحاد النقدي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية لإصدار العملة الموحدة. وبذا لا يكون أمام توحيد القوانين أي عائق من خلال تطبيق الغرامات والكفالات كعقوبة لاختلاف أسعار العملات الخليجية. ومن إيجابيات توحيد العملة الخليجية أنها لا تقتصر فقط على اقتصادات دول المجلس بل حتى على الأفراد والقطاعات، نذكر منها: زيادة تدفقات التجارة والاستثمار، زيادة مستويات النمو في دول التكتل مما يؤدي إلى غياب تقلبات العملات وإزالة العوائق التي تحول دون إعادة هيكله الإنتاج والنمو، وتحسين الكفاءة في صناعات دول التكتل، ورفع كفاءة أسواق المال في دول التكتل، ودعم الاستقرار النقدي والمالي حيث إن الالتزام بمعايير التقارب النقدي والمالي سيعزز من الشفافية والانضباط المالي على الصعيد الإقليمي وينعكس إيجاباً على الاستقرار النقدي والمالي. ومن إيجابياتها أيضاً تخفيض تكاليف الإصدار النقدي وزيادة إمكانات التعاون السياسي بين دول التكتل حرصاً على سلامة الأوضاع الاقتصادية والنقدية مما يؤدي إلى ارتفاع مستويات التعاون السياسي للإسراع في خطى التكامل بين دول التكتل. واستطراداً لما سبق، فإن توحيد العملة الخليجية يعزز إمكانية توحيد القوانين الخليجية. أما قول البعض إن توحيد القوانين من شأنه أن يتعارض مع خصوصية كل مجتمع من مجتمعات دول المجلس وطبيعته، باعتبار أن ما يجوز في دولة قد لا يجوز في دولة أخرى، فهو كلام مردود عليه، لأن الذي يجمع بين دول الخليج أكثر من الذي يفرق بينها. فهناك الدين المشترك والتاريخ المشترك والعادات والتقاليد المشتركة ناهيك عن أواصر الدم وصلة القربى. ولا أعتقد بأن هناك أموراً كثيرة قد تكون جائزة في دولة خليجية ولا تكون بالمقابل جائزة بدول خليجية أخرى.
التعليقات