الأمين العام لإتحاد البورصات العربية:
بورصات الخليج عامل مهم في انتعاش الأسواق العربية

بيروت ـ نزيهة سعيد: تكبدت أسواق المال العربية خسائر قدرت بنحو 600 مليار دولار (227 مليار دينار) جراء أزمة المال العالمية التي كلفت الاقتصاد الدولي خسائر تجاوزت 30 تريليون دولار (348 مليار دينار).
فقد أدت الأزمة المالية إلى تبخر 45% من الثروات العالمية، بحيث انخفضت الرسملة السوقية للأسهم من 62 إلى 32 تريليون دولار (23 إلى 12 تريليون دينار)، بين 2007 و2008، وانخفض مؤشر أسواق المال العربية بنحو 50%، مع تباينات من منطقة إلى أخرى، وسجلت أكبر خسائر في أسواق الخليج ومصر، بينما كانت الخسائر أقل في منطقة شمال أفريقيا، حيث خسرت السوق المغربية 14% العام الماضي.
وتأثرت الأسواق العربية أساساً بانخفاض أسعار النفط، التي تشكّل أهم مصادر الدخل في معظم الدول العربية، التي تنتج 20% من إمدادات النفط وتكتنز 45% من الاحتياط العالمي.
جاء ذلك على لسان الأمين العام لإتحاد البورصات العربية الدكتور فادي خلف في لقاء خص به quot;إيلافquot;، حيث أشار إلى أن آثار الأزمة المالية بدأت منذ عامين، مع انخفاض الأسواق العالمية حسب مؤشرات مورغان ستانلي، والتي شهدت فرقاً بين أعلى مستوى وأدنى مستوى في العامين (2007 و2008) انخفاض قدره 59%، وهو معدل كبير جداً.

وأشار الدكتور خلف إلى أن هذا المعدل من الانخفاض بلغ 60% في أسواق المال الناشئة، فيما بلغ للبلدان العربية 64% وهذا يعني أن البورصات العربية انخفضت بمعدلات الأسواق الناشئة نفسها، لأنها بلدان ناشئة تتأثر بشكل أسرع من البلدان المتوسطة بالانخفاض والارتفاع، كما إن ارتفاع أسعار النفط يؤثر بشكل كبير في الأسواق المالية لكونها تشكل مداخيل مهمة للبلدان العربية ومحرك رئيس للمال العربي.
وتحدث الدكتور خلف عن الأزمة فقال: quot;شهدت الرسملة السوقية العالمية ارتفاعاً من العام 1997 إلى العام 2007، بنسبة 147% في الوقت الذي ارتفع فيه الناتج القومي العالمي بنسبة 81%، وهذا يعني أنه في السنوات العشر التي سبقت الأزمة، ارتفعت أسعار الشركات ضعفي إنتاجيتها، وهو أمر غير صحي، وكان لابد من حركة ارتدادية كالتي حصلتquot;.
quot;ترافقت فترة النمو خلال الربع قرن الماضي مع أزمات بسيطة هنا وهناك، وتم تخطيها والمضي في النمو، إلا أن الجشع وأخذ المخاطر غير المبررة من قبل مديري العديد من الشركات بهدف زيادة الربحية للشركة، وبالتالي زيادة مخصصاتهم ومكافئاتهم، دون النظر إلى ما يترتب من مخاطر على الشركات فتكون عرضة للإخفاق عند أول أزمةquot;.

ثقل الخليج
أسواق الخليج كونها الدول الأكثر اعتماداً في اقتصادياتها على النفط، فإن ثقلها بين الأسواق العربية مهم ومؤثر، وانخفاض أسعار النفط أدى إلى هبوط الأسواق الخليجية وبالتالي العربية، وعودة الأسعار لتتخطى 70 دولاراً (26 دينار) للبرميل أدى إلى عودة السيولة وعودة الاستثمارات، وأثر تأثيراً ايجابياً على البورصات الأخرى العربية، ومنها بورصة بيروت التي ارتفعت من أدنى مستوى وصلت له في مارس الماضي بنسبة 35%.
هذا ما أكده الدكتور فادي خلف قائلا: quot;هناك تأثير كبير لازدهار الأسواق الخليجية على البورصة اللبنانية، فهي تعتبر من المصادر الكبرى للاستثمارات التي تأتي من فائض السيولة في هذه الأسواق إضافة إلى حجم الجالية اللبنانية العاملة في الخليج التي تعيد للبنان مدخراتها وتستثمرها في لبنان، وما يصيب أهل الخليج يصيب اللبنانيين، وأن كان ذلك يحدث بفارق زمني ولكن التأثير عينهquot;.

نظرة مستقبلية
أين نحن اليوم؟ هو السؤال المطروح أمام وضع أسواق المال العربية، والذي أجاب عليه الدكتور خلف: quot;هناك نظريات عدة، الأولى تقول إن أزمة العام 1929 استغرق اجتيازها 38 شهراً، وإذا كانت الأزمة الحالية بحاجة للوقت نفسه، فإن ذلك سينتهي بنهاية العام 2010، أما النظرية الثانية فتقول إن الوصول إلى قاع أي أزمة يعني أنك مررت بثلثي زمنها، وبما أننا مررنا بالقاع فبقي الثلث لنجتازه، النظرية الثالثة تقول إن انخفاض أسواق المال أقل من قيمتها الفعلية يجعل منها جاذبة للاستثمارات، وتكون دافعاً رئيساً لعودة رؤوس الأموال والاستثمارات التي تبحث عن فرص استثمارية جيدة، وهذا يعني إننا في مرحلة الانطلاق من جديدquot;.
ورفض الأمين العام لإتحاد البورصات العربية التكهن بالمستقبل، ولكنه بالنظر إلى واقع الأسواق العربية خلال الأشهر الماضية، quot;كانت الانخفاضات كبيرة من بضعة أشهر، مما خلق فرص ممتازة للاستثمار بأسعار متدنية بالنسبة إلى قيمتها الفعلية مما يحقق الربحيةquot;.
وفي تقرير quot;الشالquot; حول أداء البورصات العربية عن الربع الأول من العام الحالي (2009)، بيّن أن قراءة المؤشر المركب، الذي يحتسبه صندوق النقد العربي لأسواق 15 بلد عربي، سجل نحو 150 نقطة، بانخفاض بلغ نحو 16.2 نقطة، أي ما نسبته 9.7%، مقارنة بما كانت عليه في نهاية الربع الذي سبقه، وبانخفاض كبير بلغ نحو 160.4 نقطة، أي ما نسبته 51.7 %، مقارنة بمستواه الذي كان قد سجله في نهاية الربع الأول من عام 2008.
وتحدث الدكتور خلف عن ما بعد الربع الأول من العام قائلا: quot;شهد مؤشر مورغان ستانلي العربي ارتفاعاً بمقدار 46% منذ مارس (آذار) الماضي (أي خلال شهرين ونصف حتى منتصف يونيو)، من 324.81 نقطة إلى 474 نقطة، فقد تجاوز المؤشر المستويات التي وصل لها منذ انطلاقته في 2009، ورغم أن هذا الأمر يختلف من بورصة عربية إلى أخرى، فبعض الأسواق محت الخسائر وتجاوزتها إلى أرباح، إلا أن الأسواق العربية اليوم في وضع ارتفاع بمقدار 20% على مؤشر ستانليquot;.
وأرجع الدكتور فادي خلف ذلك إلى أسباب عدة، منها بدء الاستقرار على صعيد الأزمة الاقتصادية نتيجة دعم أموال البلدان الكبرى للودائع في المصارف والمؤسسات المالية، كما يعود إلى الفرص الاستثمارية الممتازة التي نجمت من حالات الهلع التي أصيب بها المستثمرون في العالم، وابتعادهم عن الاستثمار، مما خفض الأسعار.
ومن أسباب ارتفاع المؤشرات العربية كما أشار لها الدكتور خلف هو تسييل المحافظ الكبرى بسبب نقص السيولة مما خفض الأسعار بشكل غير مسبوق مما جعلها جاذبة للاستثمارات بالنسبة إلى المستثمرين اللذين يدرسون الفرص السانحة، ومن منهم احتفظ بالسيولة استطاع الاستفادة من ارتفاعات الأسواق في الوقت الحالي.

كي لا نعود للمربع الأول
هل يعني ذلك أن الأسواق العربية عوضت خسائرها؟ أجاب الدكتور فادي خلف: quot;الارتفاعات التي شهدتها الأسواق العربية لا تمحو الخسائر التي منيت بها الأسواق العالمية والعربية، لأن البناء ليس بسهولة وسرعة الهدم وهو بحاجة إلى وقت ليسترد عافيتهquot;، وأضاف: quot;مع الانخفاض في 2008 خسرت البورصات العربية ما كسبته مؤشراتها في 4 سنوات، وإن عودة الارتفاعات هو أمر طبيعي، ولكنها لن تعود بالسرعة نفسها التي هبطت فيهاquot;.
وأشار الدكتور خلف إلى أن بعض الشركات تجاوزت المحنة التي مرت بها، وهو دليل على صلابتها وربحيتها وإثباتها القدرة على تخطي المصاعب يعطيها المزيد من الثقة، كذلك عودة الاستثمارات الأجنبية للمنطقة مما سيرجع الكثير من المستثمرين للأسواق المالية وسيحسن من الأسعار للعودة إلى أسعار الأسهم الفعلية.
وأكد الأمين العام لإتحاد البورصات العربية أن على المستثمرين التعلم من الأزمة السابقة، من خلال عدم شراء الأسهم بما يفوق أسعارها الفعلية لتتشكل فقاعة جديدة، وذلك من خلال العودة إلى أساسيات السوق والإنتاجية الفعلية وليس على الشائعات والربح السريع غير المبني على أسس اقتصادية محاسبية صحيحة.
وشدد الدكتور خلف على دور القطاع العام والخاص لتجنب الأخطاء التي أدت إلى الأزمة، فعلى القطاع العام اعتماد المراقبة والشفافية والإفصاح بشكل يحمي السوق، وذلك من خلال التدقيق المعمق، وتطوير التشريعات لمواكبة تطور الأسواق السريعة بشكل تستطيع من خلاله تغطية الأدوات المالية كافة وطرق استعمالها وحفظ المستثمر من مخاطر سوء استخدامها.
وأعاب الدكتور فادي خلف على هيئات الرقابة المالية وشركات المحاسبة، ومؤسسات التصنيف الائتماني في مختلف دول العالم التي دققت كبرى الصفقات أكثر من مرة ولم توقف ما حدث من تضخم، وتجاوزات لإدارة المخاطر التي جاءت ضمن مقررات بازل.
أما على صعيد القطاع الخاص فأمل خلف أن يتعلم المستثمرون من خسارتهم، وأن يعملوا على انطلاقة جديدة للأسواق المالية على أسس متينة، فالأزمات تأتي لتطهير الأسواق من الشوائب، وأن يوازنوا بين الأمل في الربح والمخاطر.