رام الله: في متجر للبقالة في رام الله، توزع داليا الخطيب منشورات، وتروج لمنتجات فلسطينية في إطار مشروع بعنوان quot;إنتاجناquot; ضمن الحملات العديدة التي تدعو الفلسطينيين إلى أن يتجنبوا المنتجات الإسرائيلية. لكن مجموعة من العمال الفلسطينيين يعودون إلى منازلهم في أنحاء المدينة بعد يوم من العمل في مستوطنة آدم اليهودية القريبة مثلهم في ذلك مثل زهاء 30 ألف فلسطيني آخر يساعدون في بناء مستوطنات في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل.

ويوضح هذا التناقض المعضلة التي يواجهها الفلسطينيون. فبعد 40 عاماً من الاحتلال، أصبح اقتصادهم مرتبطاً بالاقتصاد الإسرائيلي، وتتصادم محاولات تقليص هذا الاعتماد مع الحقيقة الواقعة. ويستخدم الفلسطينيون الشيقل الإسرائيلي في التعاملات، ويستهلكون سلعاً لا حصر لها تأتي من إسرائيل، من السيارات حتى الشامبو.

ولمعظم المواد الغذائية المعبأة والمنتجات المنزلية نظير أجنبي أو فلسطيني، لكن باعة الخضر والفاكهة يقولون إن عملهم يتوقف على إسرائيل، التي تزرع فيها معظم المنتجات. وسخر بائع من حملة المقاطعة قائلاً quot;حتى لو لم يكن إسرائيلياً فربما يتعين شحنه عن طريق إسرائيل. ماذا يفترض بي أن افعل إذنquot;.

وبدأت نداءات المقاطعة عام 2004، ولم تحقق نتائج تذكر. لكن مصطفى البرغوثي عضو المجلس التشريعي الفلسطيني المدافع عن المقاطعة يقول إن الأمر تغير في أعقاب الهجوم الاإسرائيلي على غزة في يناير الماضي. وأوضح البرغوثي أن المقاطعة وسيلة ممتازة لمواجهة السياسات الإسرائيلية بدون عنف، وأنها يمكن أن تقلل اعتماد الفلسطينيين على الاقتصاد الإسرائيلي.

وتلقي وجهة نظره الضوء على أسلوب جديد يستخدم في العديد من الحملات المحلية التي تركز في الوقت الحالي على تنمية الاقتصاد الفلسطيني الضعيف. وتقول داليا الخطيب quot;هذه ليست حملة لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية. هذه حملة لدعم المنتجات الوطنيةquot;. ومن المفارقات أن الاتجاه الجديد للحركات الشعبية الفلسطينية يتفق فيما يبدو مع خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتحقيق quot;سلام اقتصاديquot;، تشمل إجراءات إسرائيلية لتنمية اقتصاد الضفة الغربية.

وبدأ ذلك بتخفيف القيود التي يفرضها الجيش الإسرائيلي على الحركة، وخطط لإحياء مشروعات أجنبية متوقفة. وأقرت الولايات المتحدة وبريطانيا في الآونة الأخيرة بالأثر الإيجابي لإزالة بعض نقاط التفتيش الإسرائيلية على الحياة الاقتصادية في مدن في الضفة الغربية مثل نابلس.

ورغم أن معالم حملة quot;إنتاجناquot; آخذة في الظهور في متاجر أخرى للبقالة في رام الله، فما زالت السلع الإسرائيلية موجودة على الأرفف، لأسباب عديدة، ليس أقلها تخوف العديد من الفلسطينيين من منتجاتهم الوطنية، خاصة منتجات الألبان، حيث يقولون إنهم يخشون المنتجات الفاسدة. وتؤكد داليا الخطيب أن مشروع quot;إنتاجناquot; يفحص السلع بعناية.

وذكر العديد من تجار البقالة أن الحملة أدت إلى زيادة اهتمام الزبائن بالسلع الفلسطينية. لكن رغم ذلك لم يلحظ سوى قليلين منهم تغيراً في عادات الشراء. ولكن معظم الناشطين يتفقون على المقاطعة الكاملة لمنتجات المستوطنات اليهودية المبنية على أراض في الضفة الغربية، يحتاجها الفلسطينيون لإقامة دولة تتمتع بمقومات البقاء، في إطار اتفاق شامل للسلام مع إسرائيل.

ويقول ناشطون فلسطينيون إن المنتجات المزروعة أو المصنوعة في المستوطنات تأتي من استغلال غير مشروع. لكن منتجات المستوطنات قد يصعب كشفها، خاصة الخضر والفاكهة، التي لا تحمل غالباً أي علامات. وعلى سبيل المثال، فالمستوطنات هي المصدر الرئيس للتمر، الذي تستهلكه الأسر الفلسطينية بكثرة، وخاصة في المناسبات.

ويسعى وزير الاقتصاد الفلسطيني باسم خوري إلى منع دخول منتجات المستوطنات، عن طريق تطبيق قواعد، كانت لا تنفذ سابقاً تقضي بكتابة المصدر على كل الواردات. لكن الضفة الغربية لا تستطيع تحقيق الاكتفاء الذاتي على الفور. كما إن الناشطين يعرفون حدودهم. ويقولون إنهم لن يطالبوا العمال بالكف عن العمل في المستوطنات، في وقت يزيد فيه معدل البطالة على 30 %.

ويتراوح أجر العامل في المستوطنات بين 150 و200 شيقل (40 و65 دولاراً) في اليوم. بينما يتراوح الأجر عن العمل نفسه في الشركات الفلسطينية بين 70 و120 شيقل.

ويشك نصر عبد الكريم المحاضر في علم الاقتصاد في جامعة بيرزيت في أن يكون للمقاطعة تأثير يذكر على إسرائيل، مشيراً إلى أن الفلسطينيين لا يمثلون سوى نحو ثلاثة مليارات دولار في تجارة إسرائيل السنوية، التي يبلغ حجمها 100 مليار دولار.

وقال عبد الكريم quot;أنا مع المقاطعة من حيث المبدأ، مثلي في ذلك مثل كل الفلسطينيين. لكن بالنسبة إلى الأثر الاقتصادي الفعلي... نحن الفلسطينيين لا يسعنا أن نزعم إلحاق ضرر بالاقتصاد الإسرائيلي بمقاطعتناquot;.

وأوضح عبد الكريم أنه حتى لو لم يشتر المستهلكون في الضفة الغربية إلا المنتجات الفلسطينية، فسيظلون رغم ذلك يعتمدون على إسرائيل، حيث إن ما بين 60 و70 % من المواد الخام إسرائيلية.