تُشكِّل قضيّة ولاء الموظفين لمؤسساتهم إحدى أهم محاور نجاحات الشركة ، فيما تتخذ الدراسات حول الموارد البشرية طابَعًا علميًّا واحصائيا دقيقا في الدول المتطورة، حيث تسعى إلى تحقيق أفضل الشروط لجعل الموظف يشعر بالانتماء فضلا عن كونها الضمانة المستقبلية له ، حيث تعمد الى مراعاة حاجات موظفيها كافة بما في ذلك الاعباء المادية والضغوط النفسية والحاجات البيولوجية ، كون فلسفة القائمين على العمل تعتمد منطق الشراكة في الانجاز لكل العاملين مهما كانت مسمياتهم الوظيفية او مراكزهم كونهم جزء من مشروع انجاز لا يتحقق الا بتضافر الجهود .


دبي: هذه الصورة تكاد تختلف كليّة وبشكل جذري في دول تعتمد سياسة ادارية هرمية قائمة على التراتبية وفلسفة السيد والعبد مما يحول الشركات والمؤسسات الى حلبة نزاع على السلطة لا ينتهي ، كل يمارس عنفه على من يُعدّ في منزلة وظيفية أقل في دائرة من المشاحنات تكثر فيها الدسائس والمشاعر السلبية، وتحرم الموظف من الأمان الوظيفي ناهيك عن الضغط النفسي والتعب الجسدي، حيث يستنفد الموظف كامل طاقته في المحافظة على تحمل الاعباء المحيطة به بدلا من الانطلاق في تفكير مبدع يسهم في تطور العمل ككل .

وفي دول الخليج وبحكم التركيبة السكانية فإن معظم الشركات بموجب القانون تمنح الأولوية الوظيفية لمواطني الدولة فيما تعتمد بشكلٍ أساسي في تسيير شؤونها على ما يسمّى بquot;الوافدينquot;،كما تُسلم كافة quot;الوظائف الدنياquot; الى ما يُعرف بquot;العمالة الآسيوية quot;، الأمر الذي يجعل من الشركات نطاقًا مفتوحا لثقافات متنوعة من الجنسيات لخلفيات فكرية متعددة وأديانٍ مختلفة؛ وبقدر مَا يُعدّ هذا الامر نطاق ممتازًا لتمازج الثقافات البشرية فإن بعض المراقبين والمحللين يرى ان فكرة الولاء تكاد تنعدم في ظل ادارات لا ترى في الموظف الا رقما يُستبدل بكبسة زر ويُستعاض عنه quot;بأحسن منه quot; في ظل البطالة المستفحلة لا سيما في الدول الفقيرة .

وتشير دراسة اجرتها المؤسسة العالمية للبحوث في الشرق الأوسط إلى أن 62% من شركات الامارات تحاول اعتماد استراتيجيات جديدة في ادارة الموارد البشرية ، تليها المملكة العربية السعودية في المرتبة الثانية بنسبة 25% من الشركات، وهذين الرقمين يشيران الى شعور قادة العمل ورغبتهم في انجاح شركاتهم عبركسب فعالية اكبر لدى الموظفين ، ومن أبرز نتائج الدراسة أن سياسة الباب المفتوح والثقافة التنظيمية هما العاملان الأساسيان اللازمان لبيئة عمل سليمة ، فيما تسعى الدولة الى تحفيز الشركات الخاصة وإلزامها ب quot;توطينquot; الوظائف في كافة القطاعات .

ايلاف اطلعت على بعض اراء الخبراء والموظفين العاملين في بعض الشركات الخاصّة . تشيستر إلتون متخصص في ادارة الموارد البشرية والقيادة قال في عرض لتجربته طيلة عشرة أعوام من العمل مع أكثر من 200 ألف شخص في مختلف القارات التي اثبتت ضرورة اعتماد مبدأ الجزرة في تقدير الموظفين واحترامه مؤكدا ان :quot; ان تلك الطريقة ترفع بصورة كبيرة من ولاء الموظفين بالإضافة إلى أنها تزيد من روح الانتماء لديهم تجاه الشركة ما يسهم بشكل كبير في الاحتفاظ بهؤلاء الموظفين والحفاظ عليهم من الانتقال إلى شركة أخرى يجدون فيها معاملة أفضل. quot; جاء ذلك خلال قمة الشرق الاوسط السنوية السابعة للموارد البشرية المنعقدة حاليًّا في دبي.

من جهة أخرى فقد ركزّ على ضرورة quot;شكر الموظف بالطريقة التي يفضلها الموظف ذاته، إذ أن هناك بعض الموظفين لا يفضلون أن يتم شكرهم على الملأ أو بين الزملاء لخجلهم من ذلك التصرف في ما يفضل البعض الآخر أن يتم تقديره أمام الزملاء.

واشار الى ان هناك3 طرق للشكر منها الايجابي ومنها السلبي :quot; أولها هي الطريقة غير المحببة وهي أن يقوم المدير بشكر الموظف مع قول كلمة لكن في وسط الجملة وتلك الطريقة تحبط الموظف وتشعره بأنه لم يفعل شيئاً . بالإضافة إلى أنها تجعله يتذكر دائماً الجانب المظلم ؛ثانيا : طريقة الشكر العادية التي يشكر فيها المدير الموظف بطريقة عادية بدون ذكر كلمة لكن ،اما الطريقة الثالثة الجيدة التي يقوم من خلالها المدير بتكريم الموظف الذي يعمل معه في الشركة نظراً لما قدمه من مجهود تجاه وظيفة معينة كلفته المؤسسة بها أو قام بها بمفرده بدون تكليف من المدير أو صاحب العمل. quot;

أما محمد علي يعمل في قطاع الموارد البشرية منذ أكثر من 20 عاما في الامارات فقال لايلاف على هامش المؤتمر :quot; هناك قلق كبير لدى الموظف quot;الوافدquot; لان خسارته للوظيفة تعني quot;الغاء لكفالته quot; وبالتالي الغاء اقامته مما يعرضه الى الترحيل الفوري لذلك فإن غالبية الموظفين تستحمل النكد الوظيفي فيما تسعى في الوقت ذاته الى البحث عن فرصة اخرى تمكنه من الانتقال الى عمل جديد دون ان يخسر اقامته في البلد quot; وأضاف اذا تعرض الموظف للظلم فإنه غالبا لا يُفصح لذلك فهو لا يكُنّ بالولاء بقدر ما يكون كالمنتظر للفرج بالانتقال الى وظيفة أخرى تقدّره quot;

وأكدّ على ضرورة التقدير المعنوي مشيرا :quot; انه يسهم في زيادة انتاجية الموظف وتسريع وتيرة الانجاز بالإضافة إلى أنه يشجع الموظفين على المشاركةquot; . قائلا :quot; من خلال تجربتي فإن الكلمة اكثر انتشارا عبر سؤال الموظف عن سبب استقالته او انتقاله الى عمل جديد هي quot; ما حدا مقدّر شغليquot; مؤكدا أن غالبية الموظفين يستقيلون بسبب الإهمال وقلة التقدير من قبل المديرين وليس بسبب الأجور المرتفعة كما هي الفكرة السائدة ، مشيرا الى ان الموظف يُفضل البقاء في شركة تقدّره وتمنحه الحرية وبأجرٍ أقل من شركة لا تقدره مقابل اجر اعلى .

اما فيكي مارتن مديرة الموارد البشرية لشركات إستيه لودر في الشرق الأوسط والهند فقالت:quot; إن الشركات تبحث عن أصحاب المواهب المحليين ndash;المواطنين - الذين يتمتعون بخبرة واسعة في المنطقة، مشيرة إلى أن هذه الاستراتيجية تضمن مستقبل أعمال الشركات لا سيما وأن هؤلاء الأشخاص قادرون على احتلال مناصب إدارية مع مرور الزمن.quot;

مواصفات مدراء الموارد البشرية : تخصص ام خبرة

وتناولت الجلسة الرئيسية خلال اليوم الثاني من المنتدى والتي شارك فيها كل من ميشيل عياط الرئيس التنفيذي لمجموعة عبد الواحد الرستماني وجيرمي برينتون الرئيس التنفيذي لمشاريع المجرودي في الإمارات وإيلي ضاهر نائب الرئيس والمدير التنفيذي لشركة نيتوورك أوف إكسلانس آند ترينينج كيفية الشراكة الاستراتيجية بين قسم الموارد البشرية وباقي أقسام المؤسسة وتأهيل الموظفين لتحقيق الأهداف المؤسسية وخلق منتج ذي قيمة.

وقال ميشال عياط إنه لا يجب بالضرورة أن يكون مدير قسم الموارد البشرية في الشركات والمؤسسات متخصصاً في الموارد البشرية إذ اننا اليوم نتحدث عن قسم الموارد البشرية وكأنه شريك في الأعمال للأقسام الأخرى في المؤسسة.

وأضاف عياط أنه إذا كنا نتحدث عن قسم الموارد البشرية كشريك في الأعمال للأقسام الأخرى وليس فقط مختصاً بشؤون الموظفين فإنه يجب على مدير ذلك القسم أن يكون واعياً تماماً للأهداف الاستراتيجية للمؤسسة التي يعمل بها ما سوف يعطيه الفرصة لبناء خطة استراتيجية في القسم تماشياً مع الخطة التي وضعتها المؤسسة ككل ما سوف يحقق الكفاءة التي تسعى المؤسسة في تحقيقها ويزيد من إنتاجية المؤسسة. وأشار إلى أن مدير قسم الموارد البشرية هو الشخص الأمثل الذي يمكنه أن يجلس مع الموظفين ليشرح لهم كيفية تنفيذ الاستراتيجية التي قامت المؤسسة بوضعها لافتاً إلى أن مدير الموارد البشرية لا تقل أهميته عن مدير التسويق في المؤسسة ما يدفع المؤسسات إلى أن تهتم أكثر بمديري الموارد البشرية.

من جهته قال إيلي ضاهر إن دور قسم الموارد البشرية يجب أن ينقسم إلى قسمين أولهما القسم الذي يهتم بتعيين الموظفين وبالإجازات والرواتب والمشاكل المختصة بموظفي المؤسسة. وثانيهما القسم الذي يهتم بالاستراتيجيات المؤسسية حيث يجب على العاملين في هذا القسم الأخير أن يقوموا بالجلوس مع المديرين في المؤسسة ويناقشوا أهم نقاط الاستراتيجية المؤسسية من حيث الأسواق المستهدفة أو الأسواق التي تعمل المؤسسة على أن تحقق نمواً فيها أو عمليات الاستحواذ أو التطوير وبذلك يستطيع قسم الموارد البشرية أن يتفهم تلك الاستراتيجيات جيداً ويقوم باقتراح الآراء والأفكار التي تساعد على تعزيز الاستراتيجية المؤسسية بغرض تحقيق الأهداف التي تصبو إليها المؤسسة.

وأضاف أن قسم الموارد البشرية لا يجب أن يهتم فقط بالرواتب والإجازات وتلك الأمور وإنما يجب أن يمتد دوره ليبحث عما يحدث في كافة أرجاء المؤسسة عن القضايا الموجودة بداخلها مثل الأسباب الحقيقية وراء استقالة الموظفين من المؤسسة. واشار الي أن قسم الموارد البشرية يجب عليه أن يقوم بملء الفراغات الموجودة بالمؤسسة سواء عن طريق تعيين موظفين جدد أو عن طريق الاستثمار في تطوير الموظفين الحاليين وهذه الطريقة بدورها سوف تسهم بشكل كبير في تعزيز الولاء الوظيفي عند الأشخاص العاملين في المؤسسة وهو ما سوف يدفع هؤلاء إلى البقاء لمدة أكبر في المؤسسة وعدم التفكير في تركها على الإطلاق.

وأشار إلى أن دور قسم الموارد البشرية لا تقل أهميته عن سائر الأقسام الأخرى التي توجد في المؤسسات إذ انه يمكن أن يسهم بشكل كبير في مقاومة الأزمات التي تحل بالشركات مثل الأزمة المالية العالمية التي عصفت بأسواق العالم مؤخراً لافتاً إلى أن الموارد البشرية يجب أن تتصرف خلال تلك الأزمات بشكل لا يمس القيم المؤسسية ولا يمس الميزات التنافسية التي تحظى بها المؤسسة.