تعيش الفوائد، على الودائع الصرفية، أوج عصرها الجليدي! ويعود ذلك الى تكلفة المال التي قاربت الصفر، في الولايات المتحدة الاميركية، والتي اختفت من الوجود في اليابان والتي بدأت تتقلص شيئاً فشيئاً في منطقة اليورو(16 دولة) وسويسرا التي لا تخفي سلطاتها مرور الاقتصاد المحلي راهناً بمرحلة من الضعف.


برن (سويسرا): يرصد خبراء المال والأسواق المالية حاليا إقبالاً على شراء سندات أميركية تعرض مردوداً سلبياً أي أقل من الصفر! وتدعى هذه السندات quot;تيبسquot; (Tips)، أو (Treasury inflation protected securities)، وهي سندات الخزانة المحمية ضد التضخم.

وقد زرعت مؤخرا حكومة واشنطن ما مجموعه 10 مليارات دولار من هذه السندات التي تعرض على المستثمرين مردوداً سلبياً سنوياً يرسو على 0.55 في المئة. وبدلاً من الامتناع عن شراء هذه السندات، سجلت الأسواق المالية اقبالاً على شرائها من قبل مستثمرين مؤسساتيين أميركيين وغير أميركيين وأجانب(من أوروبا وسويسرا والخليج والشرق الأقصى). وكأن الاستثمار في الخسائر تحول الى آخر صرخة مالية وبائية بدأت تتفشى حول العالم. في ما يتعلق بالمستثمرين المؤسساتيين، الأميركيين وغير الأميركيين، فانهم اشتروا حوالى 39 في المئة من هذه السندات المعروضة للبيع.

وهذا نمو لافت، في حركة شرائها، مقارنة بما شهدته الاصدارات السابقة لهذه السندات(ستة اصدارات) التي استأثر المستثمرون المؤسساتيون بما معدله 30 في المئة منها، لكل اصدار منها. في سياق متصل، يشير الخبير المالي باتريك دروزياني الى أن شخصية المستثمرين، راهناً، تعاني نوعا من الانفصام السلوكي! مع ذلك، ونظراً لتدهور نسب الفوائد الى أدنى الحدود، منذ أشهر عدة، فإن هذا السلوك quot;الجنونيquot; للمستثمرين تحكمه آلية منطقية لا ترحم أحدا.

صحيح أن المردود الناجم عن شراء سندات الخزانة المحمية ضد التضخم سلبي، في البداية. بيد أن مراهنة المستثمرين تتمحور حول معدل التضخم المالي المرشح للارتفاع، في السنوات القادمة. ما يعني أن المردود سيتحول ليضحي ايجابياً. وبالتالي يتمكن هؤلاء المستثمرون من جني الأرباح!

علاوة على ذلك، يتوقف الخبير دروزياني للاشارة الى أن تدخل الاحتياطي الفيدرالي لحقن الأسواق بجرعة جديدة من الأموال الطازجة(ما يُعرف بأميركا بظاهرة quantitative easing) بات مسألة أيام فقط لتفادي مخاطر التعرض لكساد اقتصادي هناك. بالنسبة إلى معدلات التضخم المالي، للأعوام الخمسة القادمة، يفيدنا هذا الخبير أنها قفزت الى 1.75 في المئة، في الشهر الجاري، بعد أن رست على 1.13 في المئة، في شهر أغسطس(آب) الماضي. وهذا جميعه يصب في صالح كل من يستثمر في الخسائر، أي في سندات الخزانة المحمية ضد التضخم!

وفي ما يتعلق بأوروبا وسويسرا، ينوه الخبير دروزياني بأن موضة شراء هكذا سنداتلا تزال quot;باردةquot; حالياً. إنما يوجد بعض المؤسسات المالية التي تلعب دور الوساطة لربط المستثمرين الأوروبيين والسويسريين بآليات شراء هكذا سندات أميركية. كما يبدي هؤلاء المستثمرون رغبتهم، أكثر من أي وقت مضى، في خوض المخاطر عن طريق الانطلاق باستثمارات، مردودها تحت الصفر، في بادئ الأمر.

مع مرور الوقت، يعرب المستثمرون، هنا، عن تفاؤلهم بأن هذه السندات ستكون مربحة، مستقبلاً، أكثر من أي استثمار ذي فائدة ثابتة! يكفي النظر، مثلاً، الى المردود الايجابي لأي استثمار اليوم، في البداية. انما سرعان ما يتلاشى هذا المردود مع مرور الأيام وما تعانيه الأسواق المالية من تذبذبات. لذلك، فان المستثمرين في سندات الخزانة المحمية ضد التضخم مقتنعون تماماً بأن المردود سيكون صعوديا وليس نزوليا كما هو حاصل اليوم في الاستثمارات التقليدية، في الأسهم والسندات وغيرها.