بعدما فرض مجلس الأمن الدولي جولة رابعة من العقوبات على إيران في يونيو (حزيران) الماضي بسبب برنامجها النووي، وما ألمحت له الإمارات من أنها ستقلص دورها كشريان حياة تجاري ومالي لإيران، أبدى الكثير من رجال الأعمال والتجار في دبي انزعاجهم لذلك القرار، لافتين إلى أنهم يخسرون بذلك سوقا ضخمة في إيران لتصدير السلع الإماراتية إليها والعكس.
دبي: يبدو أن الأمر لا يتوقف عند خسارة رجال الأعمال والتجار الإماراتيين فقط جراء العقوبات الدولية على إيران، حيث من المتوقع أن يتأثر اقتصاد الإمارة نفسه جراء ذلك. ما يشكل تحديًا جديدًا لها في وقت ما زالت تحاول أن تتعافى من الأزمة المالية العالمية، وبعدما أعادت هيكلة ديونها، إذ حاولت في الفترة الأخيرة التركيز على زيادة التجارة مع الخارج كتعويض عن الخسائر التي مني بها القطاعان العقاري والسياحي بعد الأزمة العالمية.
ويسري الهمس في أوساط إماراتية عن أن تضييق الخناق على العلاقات التجارية الإماراتية الإيرانية قد يؤكد أن دبي مستهدفة من قبل قوى خارجية لتقليص دورها كمركز مالي وتجاري متميز في العالم. حيث قد يؤدي التراجع الحاد في التجارة الإيرانية إلى إلحاق الضرر باقتصاد دبي التي ما زالت تتعافى من آثار أزمة الديون التي وقعت لها،وهو الأمر الذي اضطر 400 شركة لأن تشتري القفل وتبيع أصولها مغادرة بسبب العقوبات والأزمة المالية، وهو ما يعني أن حوالي ثمانية آلاف شركة إيرانية هي من تبقت وباتت مهددة بالإغلاق.
وأظهرت بيانات الجمارك الإماراتية في يوليو/تموز الماضي أن إيران ظلت ثاني أكبر وجهة لإعادة التصدير من الإمارات بعد الهند، إذ بلغ حجم إعادة التصدير 2.2 مليار درهم (599 مليون دولار) في ذلك الشهر فقط.
ليفي والعقوبات
من جهتها، ذكرت مصادر مطلعة في وزارة الاقتصاد الإماراتية لـ quot;إيلافquot; أن وكيل وزارة الخزانة الأميركية لشؤون مكافحة الإرهاب والاستخبارات المالية ستيوارت ليفي (المسؤول عن فرض العقوبات التجارية والمالية على طهران) كان قد أجرى محادثات في الإمارات وبعض دول الخليج في أغسطس/آب الماضي للضغط عليها لتنفيذ العقوبات المفروضة من مجلس الأمن الدولي على إيران بسبب برنامجها المثير للجدل. موضحًا أن ليفي سعى من خلال جولته تلك أيضًا إلى حث الإمارات وبنوكها على تعزيز التجارة مع الولايات المتحدة بدلاً من إيران.
لكن بعض البنوك الإماراتية لم ترضخ لمطالب ليفي، حيث إن البنك الوحيد الذي وافق على عرض ليفي ورضخ لمطالبه هو بنك المشرق، وذلك بسبب علاقات البنك التجارية الكبيرة مع الولايات المتحدة.
وقال المصدر إن ليفي سعى من خلال محادثاته مع المسؤولين في الإمارات إلى ضمان تفهم شركاء الولايات المتحدة في المنطقة جيداً للقانون الجديد الذي أقره الكونغرس الأميركي والمتعلق بالعقوبات على طهران. وتنفيذ قرار مجلس الأمن، وخصوصاً في ضوء الخطوات التنفيذية التي اتخذها الاتحاد الأوروبي وكندا وأستراليا في تضييق الخناق على التجارة مع إيران.
ولفت المصدر إلى أن ليفي قال quot;إن الإمارات تدرك المخاطر التي تتعرض لها سمعتها بسبب النشاطات غير المشروعة مع مرور الوقت، وإنها عملت جادة لحماية نفسها من ذلك النوع من النشاطاتquot;. موضحًا أن ليفي أضاف أن quot;الحكومة الأميركية حساسة للموقف الفريد للإمارات تجاه إيران، خاصة في ما يتعلق بالروابط التاريخية وحتى العائلية التي تربط البلدين، لكن أيضًا في ما يتعلق بالتحديات التي يشكلها التنفيذ القوي لقرار مجلس الأمنquot;.
ويستغرب رجال الأعمال والتجار الإماراتيون من ضعف دور وزير الاقتصاد سلطان المنصوري ووزيرة التجارة الخارجية الشيخة لبنى القاسمي تجاه قضية العلاقات التجارية بين الإمارات وإيران، مضيفين أنهم تكبدوا خسائر مادية ضخمة جراء قرارات مجلس الأمن الدولي الأخيرة التي عملت على تضييق الخناق على التجارة مع إيران. ولافتين إلى أن على وزير الاقتصاد ووزيرة التجارة الخارجية أن يبحثا في البدائل المناسبة التي يمكن من خلالها استمرار التبادل التجاري مع إيران.
كما أشار عدد من تجار دبي إلى أن لبنى القاسمي وزيرة التجارة الخارجية لا تلقي بالاً أو اهتمامًا كبيرًا باقتصاد دبي، وأنها عملت على إسقاط تجارة دبي من حساباتها.
والمشكلة التي يعانيها التجار في دبي هي أنهم يتعاملون في تجارة طويلة مع طهران ممتدة منذ 100 عام، أي قرن من الزمان، وأنهم لا يريدون أن يفقدوا تلك التجارة لأنها مصدر رزقهم ورزق أبنائهم الوحيد، كما كانت مصدر رزق آبائهم وأجدادهم من قبل. وهو ما يبرر 38 رحلة جوية يومية بين الإمارات وإيران.
وتعد دبي مدينة عالمية، ويوجد فيها منطقة حرة تصل إليها كل البضائع الإيرانية، ويجد التجار الإيرانيون أن دبي تشكل أفضل مكان تجاري يمكنهم من خلاله نقل بضائعهم منها وإليها في إطار تصدير واستيراد البضائع التجارية المشروعة بين الإمارات وإيران. وقال تجار دبي إنهم يقومون بعمل تجارة مشروعة بين دبي وإيران، وليس لها أي علاقة نووية مع طهران.
ويعد أكثر التجار المتضررين من تضييق الخناق تجار الخضر والفواكه، خصوصاً وأن 30% منها تستورد من طهران. وبالتالي فانه إذا تم منع التبادل التجاري بين الإمارات وإيران فإن التجار سيضطرون إلى استيرادها من دول أوروبا مثل هولندا بمبالغ تصل إلى 10 أضعاف ثمنها الذي كانوا يدفعونه في السلع المستوردة نفسها من إيران. كما سيؤدي ذلك إلى رفع أسعار العديد من السلع المختلفة خاصة الزراعية منها، وهو ما قد يؤدي إلى حدوث التضخم. وسيتأثر بالطبع المواطن والمقيم داخل الدولة بشكل سلبي جراء ارتفاع الأسعار.
إضافة إلى ذلك فإن التاجر الإيراني وفقًا لتلك العقوبات المفروضة على طهران لن يستطيع فتح حساب في البنوك الإماراتية، ما سيؤدي إلى بروز ظاهرة النقود المحمولة في عمليات الاستيراد والتصدير، ما قد يؤدي إلى حدوث انهيارات بنكية مثلما وقع من انهيار المصرف المركزي في أفغانستان والصومال وغيرهم.
في هذا الشأن صرح مصدر مالي مسؤول لـ quot;إيلافquot;، فضل عدم ذكر اسمه، أنه يتفهم جيدًا الضغوطات التي يتعرض لها تجار دبي حاليًا، مؤكدًا أن وقف التبادل التجاري بين دبي وإيران ليس في مصلحة الطرفين على الإطلاق.
بنك خاص بالتجارة
قال المصدر ردًا على سؤال إيلاف عن الحلول البديلة التي يمكن أن تتخذها الدولة لحل أزمة التجار الإماراتيين والإيرانيين إن quot;هناك إحدى الأطروحات التي يمكن أن تنهي تلك الأزمة. بما أن مشكلة إيران هي أنه لا يوجد لديها بنوك أجنبية لكي تتعامل مع البنوك الأجنبية الموجودة في دبي، فيمكن أن يتم إنشاء بنك دولي خاص بالتجارة فقط بين إيران والإمارات، على ألا يتعامل البنك مع أميركا أو أوروبا. وبهذا يمكن تسهيل التبادل التجاري بين دبي وطهران. فالإمارات غير مرتبطة بأي تجارة نووية مع إيرانquot;.
ويتساءل التجار الإماراتيون ذوو العلاقات التجارية مع إيران عن دور المصرف المركزي الإماراتي في التعامل مع تلك القضية، في حين أن الإمارات تؤكد أنها ملتزمة بقرارات مجلس الأمن في تشديد العقوبات على طهران، وتعمل على تقليص التعاون التجاري والاقتصادي مع طهران، وذلك رغم أن الهند وتركيا مازالا يتعاونان بشكل طبيعي في الجانبين الاقتصادي والتجاري مع إيران.
ورغم أن دبي تمثل رئة التجارة في المنطقة، ولا تحتاج الإمارة في الوقت الحالي ضغوطات مالية وتجارية أكثر من ذلك في ظل سعيها إلى التعافي والخروج من تبعات الأزمة المالية العالمية.
عقوبات مجلس الأمن
تنص مجموعة العقوبات الرابعة التي أصدرها مجلس الأمن الدولي في يونيو/حزيران الماضي، والتي تعد توسيعًا لمجال العقوبات التي سبق وأقرها مجلس الأمن في نوفمبر/تشرين الثاني 2006 ومارس/آذار 2007 ومارس 2008 على منع إيران من الاستثمار في الخارج في بعض الأنشطة الحساسة مثل مناجم اليورانيوم وعلى إخضاع سفنها للتفتيش في أعالي البحار.
كما يدعو كل الدول إلى اتخاذ الإجراءات المناسبة لمنع فروع جديدة أو شركات تابعة أو مكاتب ممثلة للمصارف الإيرانية في حال اعتقد بأن أنشطتها على علاقة بالبرنامج النووي الإيراني.
ويشدد القرار أيضاً على مطالبة الدول باتخاذ كل التدابير اللازمة لمنع نقل التكنولوجيا والمساعدة الفنية لإيران التي تدخل في تطوير أنشطتها بما فيها المتعلقة ببرنامج صواريخها البالستية القادرة على حمل أسلحة نووية. ويحظر القرار التعامل مع الحرس الثوري الإيراني، وعلى أي أشخاص أو كيانات تعمل نيابة عنه أو بتوجيه منه، وكذلك الكيانات التي يمتلكها أو يتحكم بها، حتى لو بطرق غير مشروعة.
ويدعو الدول كافة إلى توخي اليقظة بشأن المعاملات التي يكون فيها الحرس الثوري طرفاً فيها، والتي يمكن أن تسهم في أنشطة إيران النووية الحساسة المتعلقة بالانتشار أو في تطوير منظومات إيصال الأسلحة النووية.
التعليقات