لم يكن إريك كونتونا، اللاعب السابق لفريق مانشستير يونايتد الذي دخل منذ مدة عالم التمثيل، يتوقع وهو يطلق تصريحًا ناريًا ضد البنوك قبل شهرين، كل هذه الضجة التي خلفها في الأوساط الفرنسية. تصريح حاول البعض تصريفه في شكل انقلاب على المؤسسات المصرفية، حتى تكون quot;ثورة دون عنفquot; كما وصفها كونتونا نفسه.


باريس: تصريح إريك كونتونا حول ضرورة تغيير النظام المصرفي الذي تضمنه حوار له، التقط من طرف نشطاء النت وخصوصًا مرتادي فايسبوك ومعادي الرأسمالية العالمية، ليطلقوا حسابًا خاصًا تجمع فيه حتى ليلة الإثنين، أي اليوم الذي سبق موعد quot;ثورة كونتوناquot;، ما يزيد عن 38 ألف شخص، كلهم وقّعوا تحت شعار واحد quot;الثورة. يوم 7 ديسمبر/كانون الأول سنسحب ودائعنا من البنوكquot;.

هذا الكم العددي لم يكن بالهيّن، وأثار نوعًا من التخوفات لدى المؤسسات البنكية، بل إن الحكومة الفرنسية أخذت الأمر على محمل الجد، وتدخلت وزيرة الإقتصاد الفرنسي كريستين لاغارد بقسوة في حق اللاعب الدولي السابق، معتبرة أن quot;على كل واحد أن يهتم باختصاصهquot;، في إيحاء إلى مهنته السابقة كلاعب كرة، وليس له من الكفاءة ما يسمح له بالحديث في شؤون البنوك.

واتهم كونتونا بغياب المسؤولية لديه لندائه هذا الذي، بحسب مسؤولين مصرفيين، كان بإمكانه خلق الهلع في نفوس الفرنسيين، بل والأوروبيين، لأن مواطني بلدان غربية أخرى، سواء من المعادين للرأسمالية العالمية أو من نشطاء عاديين على النت، انضموا إلى النداء، ووضع النظام البنكي والمالي في فرنسا كما في غيرها من البلدان الأوروبية في خطر، وبالتالي تعرض الإقتصاد المحلي لضربة موجعة.

تذكر هذه الثورة الفرنسيين بكثير من القلق بتواريخ الحقب التي عرفت فيها البنوك طوابير من الزبائن لسحب أموالهم. وحصل ذلك في أوج الأزمة العالمية المعروفة سنة 1929، ويحدث هذا كذلك عندما تفقد الثقة بين الطرفين، البنوك، كما حصل كذلك في السنوات الأخيرة في الأرجنتين، وفي أحد أهم البنوك البريطانية، إلا أنه تم تأميمها من طرف الدولة، ما مكن زبائنها من الحفاظ على مدخراتهم.

quot;الثورةquot; الفاشلة
هذه quot;الثورةquot; لم تتعد صفحات فايسبوك، إذ لم يتوجه الفرنسيون بكثافة إلى البنوك لسحب أموالهم المودعة لديها، وحتى صاحب الفكرة ظلت وسائل الإعلام طيلة يوم الثلاثاء تردد أنه لم يتوجه إلى بنكه لسحب مبلغ مالي كان أوصى به لدى هذه المؤسسة قبل مدة، وظل الصحافيون بعدساتهم وكاميراتهم ينتظرونه ليوم كامل دون نتيجة.

وفي مساء اليوم نفسه، تحدثت قصاصة خبرية أن محامي اللاعب الدولي السابق صرح أن كونتونا كان خلال اليوم كله في صدد تصوير مشاهد أحد الأفلام التي يشارك فيها رفيقة حياته رشيدة أبراكني، والتجأ في وقت متأخر إلى أحد البنوك القريبة من مكان التصوير لسحب مبلغ رمزي دون أن يكشف عن قيمته الحقيقية.

وبحسب الحصيلة التي وضعتها البنوك لتقييم آثار quot;ثورة كونتوناquot; عليها، اتضح أنها مرت كسحابة صيف عابرة رغم الضجيج الإعلامي الذي خلقته من حولها، كما لوحظ نوع من الإجماع لدى النخب الفرنسية، سواء منها السياسية أو الإعلامية، على تشهير فكرة لاعب كرة القدم السابق، وتدخلت بدورها الوزيرة روزلين باشلو التي ذكرت على طريقتها صاحب quot;الثورة ضد البنوكquot; أن quot;زوجته كانت أخيرًا بطلة إعلان لأحد البنوك الفرنسيةquot;.

النخب الفرنسية تعاطت سلبًا مع النداء
يفسر عدم نجاح هذا اليوم لعدم انخراط قامات سياسية أو ثقافية مهمة في البلاد في quot;الثورة الكونتونيةquot;، ما لم يسمح لها بالإنتشار بالشكل الذي أراده لها الساهرون عليها من رواد فايسبوك وغيرهم من يوضعون سياسيًا على يسار اليسار، كما إن سحب ودائع مالية من البنك تتطلب إجراءات معينة.

كما إن جمعيات أخرى كجمعية quot;أنقدوا الأغنياءquot; نادت بتحويل الودائع المالية إلى بنوك quot;تضامنية تحترم البيئة وغير معروف عنها استغلال الأموال في ما يعرف بالجنات الضريبيةquot;، فيما حاولت جمعية أخرى، وهي quot;كوشوازيرquot; إرشاد العامة إلى البنوك التي لا تثقل كاهلهم بتبعات مادية حول الخدمات التي تقدمها للعملاء.

quot;الثورةquot; بعين خبير اقتصادي
من جهته، أوضح الإقتصادي عبد الله جابر لـquot;إيلافquot;، تعيلقًا على هدف المحترف السابق في النادي الإنكليزي، أن quot;كانتونا أراد أن يبلغ قلق الفرنسيينquot; إلى البنوك، وهو ما أكده التجاوب المحدود للفرنسيين مع هذه quot;المبادرةquot;، ولم يسجل - يقول جابر- quot;لدى أي بنك عمليات بنكية يمكن أن تثير تخوفاتهquot;، لأنه quot;من الصعب تعبئة جماهير عريضة كما في مقابلة لكرة القدمquot;، بحسب جابر.

وعليه، أقرّ الخبير الإقتصادي بصعوبة نجاح عملية من هذا النوع، لكونها عملية سحب مبلغ يتجاوز 1500 يورو تتطلب من صاحبه التنقل إلى شباك بنكه، وأخذ موعد مع موظف في المؤسسة المالية، لأن البنوك التي تحتفظ بمبالغ مهمة في خزائنها لدواع أمنية، زيادة على صعوبة تعبئة عدد كبير من عملاء البنوك.

ويرى عبد الله جابر، المتخصص في الشؤون الإقتصادية والمالية، أنه أصبح هناك مشكلة ثقة بين العملاء والبنوك، خصوصًا بعد الأزمة المالية التي تفجرت سنة 2008. ويؤكد العديد من المتخصصين quot;أن النظام المصرفي في العالم يحتاج مراجعة تراعي أخلاقيات في تعامل المؤسسات المالية مع عملائهاquot;.

وإن كانت هذه الوضعية ستخدم البنوك الإسلامية التي لقيت تجاوبًا إيجابيًا من طرف الحكومة الفرنسية، قال جابر لquot;إيلافquot; إن quot;فرنسا بلد محافظ، لكن الأزمة الاقتصادية ونقص السيولة ستقنع المسؤولين الحكوميين لتسريع مخطط فتح بنوك إسلامية في فيهاquot;. لكن يشترط في هذه البنوك حتى تستجيب لانتظارات الفرنسيين، يضيف الخبير الاقتصادي، quot;أن تراعي إلى جانب الأرباح الأخلاقيات المطلوبةquot;. فهل في مصائب البنوك العالمية... فوائد للبنوك الإسلامية؟.