واجهت الحكومة الأردنية تحديات اقتصادية صعبة مع دخول الأردن في أكبر عجز بالموازنة في تاريخه، فضلاً عن التداعيات التي كان من المتوقع أن تصيب المملكة من جراء الأزمة المالية العالمية، ومن بينها انخفاض تحويلات المغتربين في الخارج. وجاء تشكيل حكومة سمير الرفاعي الأولى، بعدما ارتفع عجز الموازنة خلال الشهور العشرة الأولى من العام الماضي 2009 إلى 1.03 مليار دينار (1.45 مليار دولار) مقارنة بـ993 مليون دينار (1.4 مليار دولار) في الفترة نفسها من العام الماضي.


عمّان: يقع الأردن جغرافياً في قلب منطقة تشهد توترات عالية وأزمات متلاحقة، وعادة ما تطال النتائج المترتبة على هذه الأزمات عادة المملكة، سواءً من حيث الهجرات السكانية التي تؤدي لضغوط على المصادر المحدودة وعلى مرافق البنية التحتية للمملكة، أو من حيث حرمان المملكة من مصادر رخيصة للطاقة وأسواق رئيسة للتصدير، وعادة ما تبرز آثار الصدمات الخارجية على الاقتصاد الوطني بشكل واضح، خاصة وان الأردن يرتبط بعلاقات مميزة مع محيطه العربي والإقليمي.

وجدت الحكومة الجديدة أمام quot;تحديات اقتصادية جسيمةquot; في عام 2010، فرضتها التداعيات الخطرة للأزمة المالية العالمية، التي انعكست على مختلف القطاعات في المملكة، واستدعت اعتماد سياسات اقتصادية ناجعة لتحسين الأداء الاقتصادي كأولوية رئيسة لانعكاسه المباشر على مستوى معيشة المواطن. وبالرغم من الأوضاع الاقتصادية العالمية الصعبة وانعكاسها على الأوضاع المحلية إلا أن الحكومة تمكنت من تحقيق مؤشرات اقتصادية ايجابية، منها النمو الايجابي للناتج المحلي الإجمالي وتقليص عجز الموازنة.

واعدت الحكومة خطة عمل اقتصادية طارئة، ترتكز على الحد من النفقات الحكومية، وفرض مزيد من الرقابة على المال العام، وتحفيز الاستثمارات المحلية، وجذب الاستثمارات الخارجية، وتطوير القطاعات الاقتصادية، وتسريع العمل في مشاريع الطاقة، التي يعوّل عليها الأردن كثيرًا لإنقاذ اقتصاده الوطني، خاصة في مجالات إنتاج اليورانيوم، واستخراج النفط من الصخر الزيتي، واستثمار طاقة الرياح والشمس في توليد الكهرباء.

واعتمدت توجهات السياسة المالية والاقتصادية للحكومة سياسة مالية للسيطرة على عجز الموازنة وتعزيز الاستقرار المالي والمساهمة في تحسين البيئة الاستثمارية والاعتماد على الذات وحفز النمو في النشاط الاقتصادي. وقام الأردن بالعمل بجدية ومسؤولية للتصدي للظروف الاقتصادية الصعبة بشتى الطرق والوسائل، حيث تحققت انجازات خلال هذا العام، وبرامج تم البدء في تنفيذها، بعضها استكمل، وبعضها الآخر ما زال قيد الإنجاز.

وتبنت الحكومة برنامجًا وطنيًا للإصلاح المالي والاقتصادي والاجتماعي بهدف تحقيق مجموعة من الأهداف، أبرزها إعادة التوازن للمالية العامة، وتشجيع الاستثمار وتحفيزه، وحماية الطبقات الفقيرة وتوسيع قاعدة الطبقة الوسطى، وتوفير الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية للمواطنين.

هذا البرنامج الذي يمتد على مدى أربع سنوات 2010 ndash; 2013 يأتي متوافقاً مع جهود الحكومة لتنفيذ خطتها لعام 2010، حيث سيعمل البرنامج على ترسيخ عملية الإصلاح الشامل بأبعادها المالية والاقتصادية والاجتماعية، التي سوف تترسخ عبر الخطط الحكومية خلال السنوات الثلاث المقبلة، بما يكفل تحقيق الأهداف المتوخاة، وعلى رأسها استدامة النمو الحقيقي للاقتصاد الذي ينعكس إيجاباً على حياة الموطنين، ويساهم في توليد فرص عمل لهم، وبما أننا نتحدث عن التطورات خلال الفترة المستقبلية، فلا بد من التذكير بالأهداف الرئيسة للبرنامج الوطني للإصلاح المالي والاقتصادي.

حقق أداء المالية العامة نتائج تدعو إلى الارتياح، وتشير إلى أنها سنحقق ما التزمت به الحكومة في البرنامج الوطني للإصلاح المالي والاقتصادي من حيث تخفيض عجز الموازنة، ليصل في نهاية هذا العام إلى (6%) من الناتج المحلي الإجمالي، وسوف يشكل هذا حافزاً وداعماً لمواصلة تخفيض نسبة العجز خلال السنوات الثلاث المقبلة لتصل إلى النسبة المقبولة والبالغة (3%) من الناتج المحلي الإجمالي.

وكان الاقتصاد الأردني قد شهد تحديات صعبة، تمثلت في عجز الموازنة وزيادة حجم الدين العام، ما أثّر بشكل مباشر على نشاط قطاعات اقتصادية كثيرة، كانت تعاني أصلاً ركودًا نتيجة تداعيات الأزمة المالية العالمية.

وقررت الحكومة توجهاً جديداً للاقتراض من الأسواق الدولية، برغم مخاطر الاقتراض الخارجي على المدى المتوسط والطويل، وهذا التوجه تم إقراره أخيراً وذلك بهدف عدم مزاحمة القطاع الخاص على التمويل المتاح لدى الجهاز المصرفي وما قد ينتج منه من ارتفاع لأسعار الفائدة، يضاف إلى ذلك ارتفاع نسبة الدين الداخلي من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة مع الدين الخارجي، الذي بلغ حوالي 22 % في نهاية أيار(مايو) الماضي.

كما إن التوجه نحو الاقتراض الخارجي من خلال طرح صكوك إسلامية أو سندات في الأسواق الدولية له العديد من الإيجابيات، أهمها توفير نافذة تمويلية جديدة للحكومة، وتشجيع البنوك المحلية على إقراض مستثمري القطاع الخاص، وكذلك تنشيط السوق الثانوي لأدوات الدين الحكومي، كما إن التوقعات تشير إلى أن الاقتراض في المرحلة الراهنة سيوفر شروطاً أفضل وأسعار فائدة أقل مما لو تم تأجيل ذلك لفترات لاحقة.

يشار في هذا الخصوص إلى أن قراراً تم اتخاذه من قبل مجلس الوزراء لإصدار سندات بمبلغ 500 مليون دولار يجري العمل حالياً على تنفيذه. أما في ما يتعلق بموضوع الصكوك والأدوات الإسلامية التي يمكن استخدامها لتنفيذ عمليات اقتراض خارجي، فهي ضمن الخيارات التي يتم التفكير بها حالياً، إلا أن هناك بعض العوائق التي لا بد من التغلب عليها، مثل الحاجة لإجراء تعديلات تشريعية على قانون أملاك الدولة للسماح بتأجير الأصول الحكومية أو بيعها.

هذا وتشكل الإدارة الأفضل لموارد المياه واحدة من أكبر التحديات الاقتصادية التي تواجه الأردن، خصوصاً وأن المملكة تعد من أفقر عشر دول في المياه في العالم، ومن أهم التحديات الأخرى مشاركة المرأة الأردنية في الاقتصادquot;، علماً quot;أن هذه المشاركة لا تزال ضعيفة، رغم تميّزها على الأصعدة كافة، وأنها الأكثر تفوقاً في التعليم وصاحبة التحصيل الأعلى، إلا أننا نفاجأ بنسبة مشاركتها الاقتصادية الضعيفة.