أعاد منتدى جدة الاقتصادي فتح جرح الإجراءات الحمائية التي اتخذتها العديد من الدول العالمية إبان الأزمة المالية، وسط تحذيرات بشأن المخاطر المصاحبة لها، والتي من الممكن أن تكون نهجًا مؤكدًا لتحويل الانكماش الاقتصادي إلى ركود.

عبد الله أحمد من الرياض: جرى رصد نحو 300 إجراء حمائي فرضتها الدول الصناعية ضد الاستثمار والسلع في السعودية، ووفقًا لما قاله الدكتور عبد العزيز العويشق مدير عام العلاقات الاقتصادية الدولية في مجلس التعاون الخليجي، فإن هناك تخوفًا من أن تزداد تلك الإجراءات خلال العام الحالي.

وأوضح لـ quot;إيلافquot; الخبير الاقتصادي الدكتور إحسان بوحليقة أن الأزمة المالية العالمية هي التي دفعت بالإجراءات الحمائية إلى صدارة المشهد الاقتصادي، بعدما كان الاعتقاد السائد أنها تلاشت مع نمو دور منظمة التجارة العالمية. وذكر بوحليقة أن الدول المستوردة وجدت نفسها في ظل تلك الأزمة غير قادرة على حماية منتجاتها، ولذلك لجأت إلى هذا الإجراء كخط دفاع عن سلعها.

منتدى جدة الإقتصادي إختتم أعماله الثلاثاء

ويدلّ على ذلك قرار الهند في العام السابق بفرض رسوم حمائية على واردات quot;البولي بروبلينquot; لشركتين سعوديتين، هما الشركة السعودية للصناعات الأساسية quot;سابكquot;، وشركة البولي بروبلين المتقدمة، وبلغت الرسوم 440 دولارًا على منتجات شركة quot;المتقدمةquot; 820 دولارًا للطن على شركة سابك. وكانت الصين قد اتخذت إجراءً مماثلاً عبر فرض رسوم لمكافحة الإغراق على واردات مادة البيوتانديول من السعودية بنسبة تتراوح بين 4.5 % إلى 13.6 %.

وفي هذا الصدد، رأى الدكتور بوحليقة أن السبب الرئيس لهذه الإجراءات هي ضعف القدرة التنافسية للمنتجات المحلية في هذين الدولتين في مواجهة المنتج السعودي، الذي يتمتع بسمعة عالمية، حيث تستحوذ المملكة حاليًا على حوالى 10 % من حجم التجارة البتروكيماوية عالميًا. وذكّر بوحليقة أن مثل تلك الإجراءات تسببت في نزاعات تجارية ضخمة، مشيرًا إلى الأسلوب الذي اتبعته السعودية لمواجهة هذه الإجراءات كانت الأنجع، عن طريق التفاوض وتفنيد إدعاءات الإغريق، في حين تأخذ الأساليب الأخرى وقتًا أطول، ما ينعكس سلبًا على المنتجين، حيث سيتكبدون خسائر أكبر.

يأتي هذا فيما يتردد حديث جديد قديم في أوروبا والولايات المتحدة بوضع تعريفة جمركية جديدة على النفط والغاز، تبلغ دولارين على كل برميل نفط، وهناك تبريرات لذلك في أوروبا يتمثل في مكافحة التغيرات المناخية، وفي الولايات المتحدة لتخفيف الاعتماد على النفط المستورد.

وفي هذه الصدد قال الدكتور بوحليقة إنه لا يمكن لأي دولة أن تحمي نفسه من البترول في ظل النمو الاقتصادي المشهود حاليًا وزيادة الطلب على الطاقة، والنفط ضرورة، وليس ترفًا اقتصاديًا، كما إن هذه التعريفة ستؤدي إلى زيادة التكلفة على المستهلك النهائي للنفط، وتزيد من الأعباء على كاهل المواطن في الدول المستوردة. وكان الاتحاد الخليجي لمصنعي البتروكيماويات قد أقرّ في نوفمبر/تشرين الثاني 2009 مبادرة لمواجهة الإجراءات الحمائية، بهدف وضع آليات عملية لمناهضة هذه الإجراءات، وفرض احترام قوانين منظمة التجارة العالمية، بما يضمن المحافظة على تنافسية القطاع.

يأتي هذا فيما اعتمدت الدول الخليجية إجراءات تجارية، من شأنها إزالة المعوقات، وتحقيق طفرة في التبادل التجاري البيني، حيث تضاعفت التجارة بين دول المجلس أربع مرات منذ عام 2003، فبعدما كانت التجارة البينية أقل من 3 %، ارتفعت إلى 80 مليار دولار. وفي ظل السوق الخليجية المشتركة، زادت حجم الاستثمارات البينية 13 %.

وفي الوقت الذي بلغت الواردات السعودية في 2009، 89 مليار دولار، بنسبة انخفاض وصلت إلى 12 %، وفقًا لتقرير أصدره البنك السعودي الفرنسي، تكاتفت الأزمة المالية العالمية مع الإجراءات الحمائية التي فرضها عدد من الدول على الصادرات السعودية، وفي مقدمتها المنتجات البتروكيماوية، في خفض صادرات المملكة غير النفطية خلال شهر مايو/أيار 2009 بنسبة 23 %، مقارنة بما سجلته في الشهر نفسه من 2008، حيث لم تتجاوز 8.1 مليار ريال مقابل 10.3 مليار ريال، بانخفاض قدره 2.3 مليار ريال.

ويصف الدكتور بوحليقة اقتصاد المملكة بالـ quot;منفتح ويرفض الإجراءات الحمائيةquot;، وكانت من مكاسب ذلك أن حصلت المملكة على أفضل بيئة استثمارية في المنطقة خلال 2008، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن الإجراءات الحمائية ستظل باقية، طالما استمرت الأزمة الاقتصادية العالمية، التي من المتوقع أن تستمر خلال العامين المقبلين، ولكن في النهاية مصير تلك الإجراءات إلى زوال، وستبقى الدول المصممة عليها خارج إطار ركب الاقتصاد العالمي.