بدأ التشنّج المرافق لتأليف حكومة الوحدة الوطنية يرخي بثقله على القطاعات الاقتصادية في لبنان، ويقلل حجم التوقعات المتفائلة بإمكان تحقيق معدلات نمو عالية، حيث يشكّل جمود التداول بسهم quot;سوليديرquot; أكثر المؤشرات حيوية إلى التفاعل النفسي للسوق مع المناخ السياسي، فضلاً عن جمود الطلب العقاري على السكن والعقارات.

بيروت: لا تخفي أوساط اقتصادية قلقها من حال الجمود الذي يعيشه لبنان، متأثّرًا بالمعطيات السياسية والأمنية. وترى أن تأثيرات العوامل السياسية لا يمكن فصلها عن الوضع الاقتصادي، ملاحظة أن التشنّج المكتوم منذ تأليف حكومة الوحدة الوطنية بدأ يرخي بثقله على القطاعات الاقتصادية، ويقلل حجم التوقعات المتفائلة بإمكان تحقيق معدلات نمو عالية استكمالاً للوتيرة المتنامية منذ العام 2008، وخلافًا للتوقعات المتحفظة لصندوق النقد الدولي بألا تتعدى النسبة هذه السنة الـ 4 %.

ويتحدث خبراء إقتصاديون عن جملة مؤشرات وراء حذر الأوساط الاقتصادية حيال المناخ الاقتصادي والاستثماري، مما انعكس حذرًا وترقبًا في الأسواق، علمًا أن لبنان على مشارف موسم صيف، يفترض أن يكون واعدًا، في ظل المعطيات الرقمية المحققة في الفصل الأول من السنة. ومن أبرز هذه المؤشرات عدم توقف الحملات على الحكومة ورئيسها سعد الحريري، تحديدًا منذ تأليفه الحكومة، على الرغم من أنها تضم كل المكونات السياسية، وتحمل شعار quot;حكومة الوحدة الوطنيةquot;، وعلمًا أيضًا أن أي محاولات لترجمة هذا الشعار إلى قرارات تنفيذية، تعكس انسجام أهل الحكم في ما بينهم، لم تظهر حتى اليوم، بل على العكس سادت منذ اليوم الأول لصوغ البيان الوزاري أجواء تشكيك وعدم ثقة، أطاحت مفاعيل الزخم والاندفاع التي كان يفترض أن تنطلق بها الحكومة، وتشكل محرك الدفع لها للإنجاز.

في المقابل، يحمّل بعضهم على الحكومة عجزها، وعلى الرغم من العناوين الكبيرة التي التزمتها في بيانها الوزاري عن تحقيق أي إنجاز ملموس، يصب في مصلحة المواطنين، ويحدث صدمة إيجابية محفزة للعمل والإنتاج، وذلك مع الإعتراف بأن رئيسها نجح في تحقيق اختراقات ليست قليلة على بعض الجبهات الساخنة، وأبرزها إعادة الحرارة إلى العلاقات اللبنانية السورية بعد القطيعة. وهذا الملف إذا أحسنت ادارته، يمكن أن يفتح آفاقًا واسعة من النشاط الاقتصادي لكلا البلدين، وتترتب منه فائدة كبرى للبنان وقطاعه الخاص. كذلك لم يتحقق خرق على صعيد ملف التعيينات الأمنية والإدارية من خلال إخراجه من منطق المحاصصة العشوائية وتنظيمه في آليات قانونية ترسي قواعد عامة، وتكسر الأعراف القائمة منذ تفلت الدولة من ضوابط عملها المؤسساتي، في وقت تأخر فيه إنجاز ملفات الموازنة أو الكهرباء أو المياه أو الطرق التي يفترض أن تكون في سلم أولويات الحكومة.

والمفارقة أن القوى السياسية على اختلافها تسأل عن أسباب التأخر، وترمي التعطيل والتأخير في ملعب الفريق الآخر. ولكن النتيجة واحدة، أيًا يكن من يتحمل مسؤولية هذا التأخير أو التعطيل، وهي لا تخفي عن أعين المستثمرين ووسط رجال الأعمال الذين يقرأون السياسة من زاوية تأثيرها على مصالحهم وأعمالهم واستثماراتهم.

وبالتزامن مع التهديدات الإسرائيلية وتنامي وتيرتها، متزامنة مع مواقف دولية قلقة من احتمالات التفجير، جاء فتح ملف المحكمة الدولية أخيرًا، وإضافته مادة للصراع السياسي، ليزيد المخاوف من تفجير أمني. وفي حين لا يزال التفاعل الاقتصادي والاستثماري مع هذه المؤشرات في مرحلة الترقب والتريث، فإن استمرار المنحى التصعيدي لوتيرة الخطاب السياسي سيبدأ بالتفاعل سلبًا في الوسط الاقتصادي.

ويمكن التوقف في هذا المجال عند بعض مؤشرات السوق، لتلمس هذا الواقع، وذلك من خلال السوق المالية، حيث يشكل جمود التداول بسهم quot;سوليديرquot; أكثر المؤشرات حيوية إلى التفاعل النفسي للسوق مع المناخ السياسي. فضلاً عن جمود الطلب العقاري على السكن والعقارات، وهذا من العناصر التي تعكس نبض السوق. وقد جاء رفع سقف القروض السكنية من مصرف الإسكان إلى 600 مليون ليرة، ليشكّل عاملاً جديدًا لتحفيز حركة الطلب.

لكن مصادر أخرى تخفف من أهمية هذين العاملين أمام انتعاش الحركة السياحية واستمرار تدفق الأموال والودائع إلى لبنان وغيرها من المؤشرات الإيجابية، فضلاً عن مؤشر تحسين وكالة quot;فيتشquot; لسندات الدين بالعملات، مع الإبقاء على الآفاق مستقرة، إلا أنها تدرك في المقابل أن الأخطار السياسية والأمنية المحتملة كفيلة بإطاحة أي مكتسبات، وخصوصًا أن لا جهوزية للبنان لمواجهة مثل هذه الأخطار.

وترى مصادر في هذا السياق أن الحكومة مدعوة إلى المبادرة فورًا لتحريك الجمود القائم، وإطلاق عجلة بعض مشاريع البنى التحتية، التي من شأنها أن ترخي بعض الانتعاش في الأسواق، وتوفر فرص عمل، وذلك للإفادة من الوفرة المالية الفائضة، علمًا أن المشاريع موجودة، وتمويلها متوافر أيضًا، ولا تتطلب تاليًا سوى وضعها على سكة التنفيذ، وإلا فإن اللبنانيين سيجدون أنفسهم مجددًا ضمن دائرة الحلقة المفرغة القائمة على معادلة العيش كل يوم بيومه.