في الوقت الذي تسعى فيه الدول الأوروبية للبدء رسميًّا هذا الأسبوع في تنفيذ أكبر خطة إنقاذ للدولة على أمل تهدئة الأسواق القلقة، بدأت تطفو على السطح رزمة من التساؤلات الجادة حول ما إذا كانت التخفيضات الكبيرة في الرواتب والفوائد التي يطالب بها الاتفاق الذي توصلت إليه الحكومة اليونانية مع صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي، ستكون مدعومة على الصعيد السياسي مع مرور الوقت أم لا، حتى وإن كان الانكماش سيجعل من النمو بعيدًا من الديون مهمة يستحيل على اليونان القيام بها.

أشرف أبوجلالة من القاهرة: في تقرير لها حول هذا السياق تحت عنوان quot;الانكماش قد يعيق الجهود الرامية لإنعاش اليونان في أزمة الديونquot;، تقول صحيفة النيويورك تايمز الأميركية في عددها الصادر اليوم إن هناك إجماعًا على أن الاقتصاد اليوناني محطم، وبحاجة إلى إصلاح هيكلي كبير، وأن الاتفاق الذي تم التوصل إليه يوم أمس الأحد كان يهدف إلى منح أثينا فترة زمنية مداها عامين لكي تلتقط أنفاسها، بغية تغيير النمط الأساسي للسلوك اليوناني.

هذا وتستعد الحكومة الآن لضرب القطاع العام بقوة، حيث تخطط لاجتزاز المعاشات والفوائد الاجتماعية العامة، وزيادة ضرائب الاستهلاك إلى مستويات قياسية، والترويج للإصلاح الضريبي، في محاولة لتقليص الحجم الهائل للسوق السوداء، والحد من التهرب الضريبي، وزيادة الإيرادات الحكومية. وتمضي الصحيفة في السياق نفسه لتنقل عن بعض الخبراء الاقتصاديين تخوفهم من أن تؤدي مثل هذه الإجراءات القاسية (إجراءات التقشف ) إلى المجازفة بقتل المريض بدلاً من معالجته، مع أنهم ينظرون إلى شدة الألم اليوناني على أنه تحذير شديد اللهجة لباقي الدول التي تستخدم العملة الأوروبية الموحدة ( اليورو ) لكي تبادر بتنظيم كياناتها الاقتصادية، قبل أن تُقوَّض الوحدة النقدية نفسها من خلال إصابة تكهنات السوق بحالة من الاهتياج.

ثم تنتقل الصحيفة في محور ذي صلة، لتؤكد أن موجة الإجراءات التقشفية الجديدة هذه تزيد كذلك من خطر الدفع بالاتحاد الأوروبي بأكمله إلى مرحلة من النمو المنخفض بشكل مصطنع، في الوقت الذي تحاول أن يتعافى فيه الاقتصاد من موجة الركود التي أصابته في العام الماضي، والتي نتجت عن الأزمة المصرفية والسكنية الضخمة التي بدأت في الولايات المتحدة. كما تشير الصحيفة إلى أن النمو السلبي أو المنخفض سيزيد من معدلات البطالة الكبيرة بالفعل وسيمارس ضغوطًا جديدة على الإنفاق الحكومي، وكذلك على البنوك نفسها، وستُصعِّب على جميع الأطراف خفض ديونها.

وهنا، تنقل الصحيفة عن جان بول فيتوسي، أستاذ الاقتصاد في معهد الدراسات السياسية في باريس، قوله :quot; كيف يمكن لليونان أن ينمو بعيدًا من دوامة ديونه إن كان هناك انكماش؟ فهذا الانكماش يزيد من عبء الديون، لذا نقوم بتتبع تلك الدائرة الفاضلة التي تجلبنا نحو الجحيم. لكن الاقتصاد ليست له علاقة بالفضيلة، التي يمكنها قتل أي اقتصادquot;. ثم تشير الصحيفة إلى وجود بعض الشكوك حول ما إن كانت حزمة المساعدات الأخيرة هذه، التي تقدر بـ 110 مليارات يورو على مدار ثلاث سنوات، كافية لتهدئة الأسواق، التي قد تتحول بعد ذلك إلى البلدان الضعيفة الأخرى، مثل البرتغال واسبانيا.

وفي الختام، تنقل الصحيفة عن كاتينكا باريش، الخبير الاقتصادي ونائب مدير مركز الإصلاح الأوروبي في لندن، قولها :quot; قد لا تحظى عملية إنقاذ اليونان بالقبول لدى الألمان والأوروبيين، لكن حدة السخط ستتزايد لدى هؤلاء إن تم إنقاذ البنوك التي تملك سندات يونانيةquot;. بينما قال توماس بيكيتي، مؤسس مدرسة باريس للاقتصاد والأستاذ هناك، إن ما تواجهه اليونان من مطالب، يقودها جنون السوق، تعد مطالب مرتفعة للغاية.
وتأكيدًا على وجهة النظر التي تقول إن مشكلة اليونان تختلف عن مشاكل دول أخرى ضعيفة مثل البرتغال واسبانيا، حيث كان وضع الميزانية قبل الأزمة جيدًا إلى حد ما، تعاود كاتينكا باريش في تلك الجزئية لتقول: quot;حتى إن ظل النموّ منخفضًا أو سلبيًّا في اليونان، فإن الديون المالية ستستمر في الزيادة، مهما فعلوا.

كما لا يرى الخبراء الاقتصاديون الذين تحدثت إليهم أي حلول بالنسبة إلى اليونان على المدى البعيد. فاليونان دولة مفلسة من الناحية العملية، والمسألة هنا بالنسبة إلى معظم المسؤولين والخبراء الأوروبيين لا تدور حول سبل دعم وتعزيز النمو اليوناني، بل حول بث الاستقرار في منطقة اليوروquot;. وقال نيكولاس فيرون، الزميل البارز بمنظمة quot;بروغيلquot; المعنية بأبحاث السياسة الاقتصادية في بروكسل، إن اليونان تدفع ثمن الخطايا التي ارتكبتها في الماضي في ما يتعلق بالائتمان السهل والإحصاءات الكاذبة، وأنه لم يعد لديها الآن خيارًا سوى إنعاش ماليتها العامة.