على الرغم من أن النقد الموحد اليورو، كما الاقتصاد الموحد الذي نصت عليهما معاهدة ماسترخت، كان من المفترض أن يرصّ صفّ بلدان الاتحاد الأوروبي لمواجهة الرياح العاتية التي تحملها أي أزمة تقع، إلا أن الأزمة اليونانية كشفت عن عيوب كثيرة بين هذه البلدان، التي بدأت بحرب للصور بين ألمانيا واليونان، حيث ظهرت صور لإلهة الحب الإغريقية، وهي ترفع إصبعها في الوسط، متوجهة به إلى ألمانيا، وهي علامة تعتبر خادشة للحياء، قابلها من اليونان صورة لبوابة براندبورغ، وهي من أهم الرموز التاريخية الألمانية، وعليها علامة الصليب المعكوف، الذي كان رمز النازية.

برلين: ليس هذا فقط، بل وطالب سياسيون ألمان من الأحزاب الحاكمة أن تبيع اليونان بعض الجزر لديها من أجل سداد ديونها، بدلاً من التوسل للحصول على المال، فيما حمّل آخرون مسؤولية الأزمة إلى الرشى المتفشية في دوائر الحكومة، وإخفاء حكومات يونانية متعاقبة أمر القروض التي حصلت عليها من مصارف أميركية بالمليارات، قبل اعتماد اليونان النقد الموحد، كي تبيّض صفحتها، وتفي بشروط معاهدة ماسترخت واعتماد اليورو.

ولقد كان لهؤلاء تأثير على موقف الحكومة الألمانية الرافض منح رئيس الوزراء اليوناني جورج باباندريو دعماً مادياً، مع أن المستشارة أنغيلا ميركل كانت قد لمّحت منتصف الشهر الماضي إلى إمكانية تقديم دعم يصل إلى الخمسة مليارات يورو، لكن سيكون وفق شروط، منها تشكيل لجنة أوروبية لمراقبة سياسة اليونانية المالية، وألغت الفكرة بعد ذلك، وعلى اليونان أن تقف على قدميها وحدها، فكان رد الشارع اليوناني هو التذكير بالذهب، الذي سرقه ألمان إبان عهد النازية. والغريب أن يطالب سياسي، مثل نائب رئيس الحكومة تيودور بنغالوس، باسترجاع هذا الذهب، ويقول إن بلاده لم تحصل على تعويض نتيجة أفعال النازية.

ولقد انقسم خبراء المال الألمان في الرأي في ما يتعلق بالعون المالي الألماني لليونان، فهناك من يرفض الفكرة، ويبرر ذلك بأن من يمنح اليونان الآن لمدة عشرة أعوام قروضاً بفائدة تصل إلى 6.5 %، سوف يندم غداً لأن البلد في الأصل يقف على قدمين من خشب مهترئ، بينما يذكر آخرون بمحاذير الأزمة اليونانية، التي سوف تلحق بركب إيسلندا، لأن تبعات إفلاسها سوف يؤثّر سلباًفي ألمانيا، أكبر قوة اقتصادية في الاتحاد الأوروبي.

إلا أن رأي الاقتصادي راينهارد لوتس قد يكون الأفضل، إذ يرى أن ألمانيا لن تكون بمعزل عن تأثير الأزمة المالية اليونانية، وسوف تنال نصيبها من تداعياتها، لذا يجب أن تعمل لإخراجها من أزمتها، كي لا تتكرر قضية إيسلندا، وذلك بإقناع الاتحاد الأوروبي بتوفير الكثير من الدعم لأثينا، لأن إنقاذها سوف يخفف من الضغط على كل بلدان أوروبا، ويحول دون انجرار البرتغال وإيطاليا وغيرها من البلدان الضعيفة اقتصادياً.

فهذه البلدان تعدّت كثيراً النسبة المسموح بها لعجز الخزينة، وهي 3 %، وألمانيا ليست أفضل حالاً، فالرقم الرسمي المعلن فوق الـ4 %، لكنه قد يكون أكثر، وليست بحاجة الآن إلى عضو مريض في البيت الأوروبي، لأنها سوف تتأثّر بمرضه، خاصة وأنها لم تخرج بعد من انعكاسات الأزمة الاقتصادية العالمية.

وبحسب قوله أيضاً، فمنذ التسعينات كانت ألمانيا رائدة فكرة النقد والاقتصاد الأوروبي الموحد وتوسيع دائرته، لأن ذلك يدعمها اقتصادياً وسياسياً في المحيط الأوروبي، فهي تروّج لسلعها دون الخوف من تأرجح سعر اليورو، وتفيد مصارفها التي استوعبت مودعين عالميين بالنقد الأوروبي الموحد، وإذ تراجع عدد المعتمدين للنقد الأوروبي، فإنها سوف تكون أول الخاسرين أكثر من فرنسا، وتحصل على المزيد من سخرية بريطانيا، التي رفضت اعتماد النقد الموحد.

عدا عن ذلك، فإن تغيير خارطة النقد الموحد يطرح سؤالاً مهماً، ألا وهو هل بإمكان ألمانيا عندها تحمل حدوث تغييرات كبيرة لتجارتها داخل البلدان والدول المعتمدة لليورو؟.

ومع أن أزمة اليونان لها وجه سلبي، حيث إنها أثّرتفي اليورو، وخفضت من قيمة صرفه مقابل الدولار، وبالتالي سببت خسائر للمودعين باليورو، لأنه ضعف مقابل النقد الأميركي، لكن هناك جانب إيجابي، وبالتحديد في قطاع الصادرات الألمانية، فعداعن تراجع سعر اليورو، ووصل إلى 1.32 دولار، خفض أسعار السلع الألمانية المصدرة إلى بلدان لا تعتمد اليورو، فإنه أكسب قطاع التصدير عافية، وارتفعت نسبة الصادرات منذ مطلع العام.

لذا يشير الخبير الألماني إلى أن على هذا القطاع توجيه كلمة شكر لليونان، فأسهم الشركات الألمانية المصنعة للآليات الضخمة ارتفعت، بعدما أصيبت بانتكاسة كبيرة، خاصة عندما وصل سعر اليورو إلى 1.60 دولار. وتحتاج الصادرات الألمانية في هذا الوقت بالتحديد مع الأزمة الاقتصادية العالمية، فضاء أوسع، من أجل التصدير، إن إلى أوروبا أي إلى البلدان الأوروبية غير المعتمدة لليورو، أو إلى كندا والولايات المتحدة، فالظروف الحالية تجعل ألمانيا تنافس الأخيرة، بعد تراجع حجم مبيعاتها إليها، وعلى رأسها مبيعات السيارات والآليات.