يواجه قطاع النقل العام في العراق بمنافذه المختلفة، الموانئ وسكك الحديد والنقل البحري والطيران المدني ونقل الركاب، تحديات تعوق تطوره ويخفق الاستثمار الحر في مجالاته بسبب غياب الإستراتيجية الفعلية وافتقاد الحكومة للخطط الفاعلة والعقلية الكفيلة بتطوير هذا القطاع المهم، الذي يشكّل أحد ركائز الاقتصاد في البلاد.
بغداد: يعتبر قطاع النقل من أهم القطاعات الحيوية التي تشكل دعامة أساسية لبناء اقتصاد قوي في العراق، لكن رغم التفاؤل الذي يهيمن على بعض المتخصصين، إلا أن واقع النقل في البلاد يجابه الكثير من المصاعب والعثرات اللوجستية، منها والمهنية والإدارية والتقنية. مع توقعات بأن يتحول الاقتصاد العراقي بعد عام 2003 إلى الاستثمار الحرّ، وأن يحقق قفزة نوعية على المستوى المحلي الإقليمي، وحتى العالمي.
شركات وزارة النقل رابحة لاعتمادها التشغيل المشترك
أوضح الدكتور عادل الساعدي المدير العام لشركة النقل البري أنه من المفترض دخول العراق إلى السوق والاقتصاد الحر منذ أعوام مضت، لكن الظروف التي مر بها حالت دون ذلك. وأكّد أن موقع العراق الاستراتيجي يؤهله ليصبح نقطة جذب مهمة عن طريق النقل الذي أصبحت حضارة الدول تقاس بمدى تقدم قطاعه والخدمات المقدمة فيه. واعترف الساعدي أن النقلة النوعية في مستوى النقل والخدمات المقدمة ليست بالمستوى المطلوب في العراق، وأن الأمر يتطلب قرارات حازمة في هذا الشأن، تمنح القطاع الخاص الفرصة للعمل والاستثمار مقابل أن تتولى الدولة الإشراف والتنظيم والرقابة.
وأشار إلى أن الشركة العامة للنقل البري، التي تحتوي على 9 فروع داخل العراق وخارجه، تحولت منذ أربعة أشهر إلى شركة رابحة، بفضل اعتمادها نظام التشغيل المشترك مع الإشراف والتنظيم. وتمتلك الشركة العامة للنقل البري فروعاً في الأردن وسوريا وكثير من الدول العربية. لكن الساعدي دافع عن شركته بخصوص الشكاوى المقدمة من قبل مواطنين ومستثمرين وسائقي شاحنات بخصوص سوء الإدارة والخدمات في المرائب ومحطات التنقل، سواء في العاصمة بغداد أو المحافظات.
وذكر الساعدي لـquot;إيلافquot; أن الظروف التي مر بها العراق حالت دون تقديم خدمات مثلى وتقدم قطاع النقل في العراق، لكن هناك جهود جادة لتحسين الوضع، وأكد على تحقيق شركته أرباح كبيرة خلال الأشهر الأربعة الماضية تتجاوز 20 مليون دور للشهر الواحد.
لكن المهندس الاستشاري في شركة الوركاء الهندسية ظافر حميد قال لإيلاف إن قطاع النقل في العراق مازال متراجعاً قياساً بالدول المجاورة والعالمية. وطبقاً للمهندس ظافر فإن أنشطة النقل تتفرع إلى الطرق والجسور، والسكك الحديد، والموانئ، والنقل البحري، والطيران المدني ونقل الركاب.
وأضاف من الأفضل لو تكاملت إدارة شبكة النقل بأنشطتها الأربعة (الطرق، والسكك، والطيران، والموانئ) في جهة واحدة، كأن تكون وزارة النقل، ولكن النظام المعمول به حالياً هو قيام وزارة النقل بإدارتها لأنشطة السكك، والطيران، والموانئ فقط، وقيام وزارة الإعمار والإسكان ممثلة في الهيئة العامة للطرق والجسور بإدارة نشاط الطرق والإشراف عليه، وهو أمر يربك الاقتصاد العراقي ويؤخره، ورأى أنه لابد من وقفة ودراسة لفك ارتباط الهيئة العامة للطرق والجسور من وزارة الإعمار والإسكان وربطها بوزارة النقل.
كما طالب حميد بتأهيل شبكة النقل الحالية وتطويرها بشكل متكامل ومنسجم بين أنظمة النقل العالمية والعمل على انسجام وتطور ونمو بقية القطاعات الاقتصادية الأخرى بطريقة تمكنا من استغلال موقع العراق الجغرافي في مجال النقل وتحقيق طفرة اقتصادية هائلة.
معوقات حقيقية
إلى ذلك، يبرز المهندس ظافر حميد معوقات مواكبة النقل في العراق للمواصفات العالمية، منها سوء شبكة الطرق الرئيسة، حيث كانت شبكة الطرق الخارجية للعراق قبل 2003 جيدة نوعاً ما من حيث الكفاءة والطاقة الاستيعابية، لكنها تعرضت خلال عام 1991 وما تلاه إلى تدهور كبير، أصاب معظم أجزائها الدمار والتلف نتيجة للعمليات العسكرية والأعمال التخريبية وقلة وندرة أعمال الصيانة الطارئة والدورية عليها، وقد أدى ذلك إلى انخفاض مستوى كفاءة شبكة الطرق إلى مستويات متدنية وانخفاض طاقاتها الاستيعابية.
كما أدى إلى فقدان وتلف معظم لوحات الدلالة واللوحات التحذيرية والإرشادية للطرق الخارجية والطرق السريعة، ويتطلب إعادة تأهيل شبكة الطرق الحالية استثمارات مالية ضخمة.
كما سبب توقف نشاط السكك الحديد بشكل شبه تام بعد عام 2003، والاعتماد على نقل البضائع بوساطة شبكة الطرق البرية ضغطاً على شبكة الطرق ومع غياب السيطرة عن الأحمال المحورية وأحمال المركبات المتجاوزة للحدود المسموح بها، تدمر وتم تخريب أجزاء كبيرة من شبكة الطرق، كما وإن ازدياد أعداد المركبات التي دخلت الى البلد بعد عام 2003 بشكل كبير أدى إلى زيادة حركة المركبات بين المحافظات الآمنة، مما ولد ضغطاً على الطرق الخارجية، وخاصة الطرق ذات الممر الواحد، مع ضعف السيطرة المرورية على هذه الطرق، مما أدى الى استهلاكها وتآكلها.
اقتراحات
يتطلب دخول العراق إلى سوق النقل العالمي والاستثمار والاقتصاد الحر، بحسب حميد، إنشاء شبكة نقل متكاملة وكفوءة وأمينة وضمان الاستخدام المتوازن لأنظمتها المختلفة، مع زيادة كفاءة شبكة النقل الحالية وتطوير وتفعيل نقل البضائع بالسكك الحديد وحماية شبكة الطرق من الضرر وتوفير مسالك مختصرة بعيدة من مراكز المدن.
وتابع المهندس ظافر حميد لعيبي لإيلاف أنه يجب تطوير واقع حال الشركات العامة لقطاع النقل ورفع كفاءتها في مجالي الإدارة والتشغيل وتعزيز دور القطاع الخاص، كما وجب تكامل عمليات التخطيط والتشغيل لشبكة النقل بسلطاته الأربع (الطرق، والسكك، والموانئ، والطيران)، والعمل على الاستفادة منها استفادة قصوى، لأن ذلك من شأنه أن يوفر قفزة اقتصادية تقوي الاقتصاد العراقي وتقلل من اعتماده على النفط كما هو حاصل اليوم.
موقع العراق الاستراتيجي وتجارة الترانزيت
عن الطريقة التي يمكن للعراق الاستفادة من موقعه الاستراتيجي لبناء تجارة الترانزيت، يشير المهندس ظافر إلى أن العراق يمتاز بموقعه الاستراتيجي الذي يؤهله لبناء تجارة الترانزيت، لكن الأمر منوط ببناء وصيانة شبكة الطرق البرية وتحسين أداء الطرق التي تربط العراق بالدول المجاورة، ونصب محطات الوزن عند المنافذ الحدودية، كما إن الأمر يتطلب تعزيز محاور الطرق للشبكة الداخلية لربط المنافذ الحدودية في ما بينها، والاهتمام بالطرق الحولية والحلقية لضمان عدم دخول المرور النافذ، وخاصة الشاحنات إلى داخل المدن.
كما طالب الحكومة بتأهيل شبكة الطرق الحالية وزيادة طاقتها الاستيعابية وحمايتها من الضرر عن طريق إكمال الأجزاء المتبقية من الطرق السريعة التي تم تنفيذها سابقاً، وإكمال ربط هذه الطرق بمراكز المدن التي لم يتم ربطها حتى الآن، وإنشاء شبكة طرق سريعة جديدة (ضمن محاور جديدة) لربط مراكز المدن في ما بينها، وإكمال ربط العراق مع الدول المجاورة الأخرى التي لم تربط بطرق سريعة إلى الآن، مع الاستمرار بإنشاء الممرات الثانية للطرق الشريانية والرئيسة المفردة، خاصة التي وصلت طاقاتها الاستيعابية إلى حدودها القصوى.
كما يرى أنه يجب إنشاء طرق عرضية بين المحافظات وإنشاء طرق حولية للمدن لتقليل الاختناقات واستبدال جسور عائمة بثابتة وإلغاء تقاطعات الطرق مع خطوط السكك الحديد وتأثيث الطرق الخارجية بعلامات الدلالة والعلامات الإرشادية والتحذيرية و إنشاء طرق ريفية. وأشار إلى أن نقل النسبة الأكبر من البضائع على شبكة الطرق يولد ضغطا كبيراً على الشبكة، ويساهم في تدميرها في ظل انحسار نشاط نقل البضائع بالسكك الحديد. كما يجب مراعاة السيطرة على الحمولات والأحمال المحورية لمركبات الحمل، الذي يؤدي إلى تدمير شبكة الطرق وزياد الطرق العرضية بين المحافظات والمدن وإنشاء طرق حلقية وحولية للمدن.
القطاع الخاص ودور القطاع العام
ولدخول العراق الفعلي للسوق الحر ينبغي توافر عاملين أساسيين، يضيف حميد، أولهما تثبيت دور الدولة كمنظم ومراقب لعملية النقل في التصميم التنفيذ، والتشغيل وتقديم الخدمة بكل أنواعها وإتاحة الفرصة وتسهيل مهمة القطاع الخاص للعب الدور الأساسي في تنفيذ البنى التحتية ومحاور الطرق السريعة، وتقديم الخدمات، مثل تشييد محطات استراحة متكاملة.
أما الدكتور عادل الساعدي فقال يجب أن نعترف أن الحكومة أو الوزارة غير قادرة على إنجاز مشاريع ضخمة بهذا الشكل، quot;فلابد من إناطة العمل بالقطاع الخاص، مع فرض الرقابة والتنظيم والإشراف من قبلنا، وهذه الطريقة معمول بها دولياً، وهي الوحيدة الكفيلة بإدخال العراق للمنافسة دولياً والتقدم في مجال النقلquot;.
السكك الحديد وعدم وجود قطارات للأنفاق
يفتقد العراق إلى خدمة النقل في مجال قطار الأنفاق، حيث يتم الاعتماد على النقل بالحافلات، وهو الحل المتوافر حالياً، وأصبح العمل على تنفيذ مشاريع النقل العام داخل المدن، مثل المترو والترام أو القطارات المعلقة، خاصة في مدينة بغداد، أصبح ضرورة ملحة لغرض تقديم خدمة النقل العام للأشخاص بصورة سريعة وآمنة ولتخفيف الازدحام داخل المدن وتقليل التلوث.
وكان العراق قد اعتمد لسنوات مضت على السكك الحديد في نقل الركاب والبضائع على حد سواء، لكن أجزاء كبيرة من شبكة السكك الحالية فيه تعاني اليوم التقادم وقدم تصاميمها وعطل أنظمة الإشارات والاتصالات وسوء خطوطها، مما أدى إلى انخفاض السرع التشغيلية إلى مستويات متدنية، وتعريض سلامة الركاب والبضائع إلى الخطر، وهو أمر يضطر المسؤولين إلى التحرك لتطوير شبكة خطوط السكك، بحيث تواكب شبكات السكك العالمية والمتطلبات المتنامية في مجال النقل بمواصفات حديثة تنسجم مع تطور بقية القطاعات في البلاد، ولتؤمن ربط العراق بشماله مع جنوبه وشرقه وغربه، وإمكانية ربطه مع الدول المجاورة.
العراق شبكة نقل سككي عالمية بين الشرق والغرب
من الممكن أن يحقق العراق طفرة اقتصادية جبارة بسبب موقعه الجغرافي الذي يؤهله دون غيره ليصبح حلقة وصل بين الشرق والغرب، فشبكة النقل العالمية بين الشرق والغرب (شرق آسيا وأوروبا) لن تتكامل من دون مرورها عبر الأراضي العراقية، مما يحتّم على العراق تطوير البنية التحتية لشبكة نقله الخاص، خصوصاً شبكة السكك الحديد (لكونها مناسبة ورخيصة للمسافات الطويلة).
لكن تحقيق لك يتطلب إعادة تأهيل الشبكة الحالية ورفع طاقتها الاستيعابية ودرجة الأمان فيها، والارتقاء بنوعية ومواصفات البنى التحتية ونوعية الخدمات التي تقدمها وتعزيز موقع العراق الجغراقي كقناة جافة في مجال نقل البضائع بالترانزيت بين آسيا وكل من أوروبا وتركيا وسوريا، وإكمال ازدواجية الخطوط المفردة، وإنشاء محاور جديدة بمواصفات عالية، عن طريق إلغاء كل تقاطعات خطوط السكة مع الطرق وتعزيز موقع العراق الجغرافي كحلقة ربط بين الشرق والغرب، وتلبية الطلب على نقل بضائع الترانزيت، من خلال إنشاء بنى تحتية كفؤة وفعالة قادرة على تلبية هذا الطلب، ومن خلال تعزيز الربط السككي مع دول الجوار، بما يخدم المصالح الوطنية والاستثمارات الضخمة، التي يتطلبها نشاط السكك في بناء الخطوط، وتأثيثها بالإشارات والاتصالات وتوفير القاطرات وعربات المسافرين وشاحنات نقل البضائع.
لكن نشاط السكك الحديد يحتاج ضخامة استثمارية لتنفيذ بناه التحتية، ولذلك فإن إعتماد الحكومة ووزارة النقل على نظام التشغيل المشترك، وفتح المجال للقطاع الخاص للاستثمار، بمقدوره تحويل الأراضي العراقية كقناة جافة لتجارة الترانزيت بين شرق آسيا وتركيا وأوروبا وسوريا، وسوف يزيد من فرص جذب المستثمرين للاستثمار في هذا النشاط.
التعليقات