انتقل التراشق السياسي بين القوى العراقية الى تجاذبات حول الأوضاع الاقتصادية ونفقاتها، حيث حذّرت الحكومة المركزية حكومة إقليم كردستان من الاستمرار بتصدير النفط ومشتقاته إلى إيران، معتبرة ذلك خرقاً لقرارات الأمم المتحدة، وإعاقة لخروج العراق من عقوبات الفصل السابع للمنظمة الدولية.

أسامة مهدي من لندن: رأى وزير النفط العراقي حسين الشهرستاني أن احتفاظ حكومة كردستان بإيرادات تصدير النفط أمر مخالف لقرارات الأمم المتحدة، وإعاقة لمساعي العراق إلى الخروج من عقوبات الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة. من جهتها، أشارت الحكومة العراقية إلى أن إيرادات النفط خلال السنوات الأربع الماضية بلغت 17 مليار دولار، فيما بلغ الاحتياطي النقدي العراقي 60 مليار دولار.

وفي مؤتمر صحافي مشترك مع وزير التخطيط العراقي علي بابان في بغداد اليوم الثلاثاء، عبّر وزير النفط العراقي حسين الشهرستاني عن استغراب الحكومة العراقية ورفضها قيام سلطات إقليم كردستان بتصدير النفط ومشتقاته إلى إيران والاحتفاظ بالإيرادات في موازنة الإقليم.

وقال إن وزير الثروات الطبيعية في الإقليم آشتي هورامي قد أقرّ بذلك، رغم أن الإقليم يحصل على موازنته السنوية من الموازنة العامة للدولة العراقية. وأبدى الشهرستاني استغرابه من أن تقوم حكومة كردستان بتصدير المشتقات النفطية، في وقت يعاني العراق نقصاً فيها، ويستوردها من الخارج، حيث يحرم ذلك المواطنين العراقيين منها، معتبراً ذلك أمراً غير مقبول. وأشار إلى أنه وفقاً لقرارات الأمم المتحدة، فإن أموال النفط تودع عادة في صندوق التنمية العراقي خارج البلاد، لكن احتفاظ حكومة كردستان بإيرادات تصدير النفط أمر مخالف لقرارات الأمم المتحدة، وإعاقة لمساعي العراق إلى الخروج من عقوبات الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة، التي فرضت عليه عقب غزو الكويت عام 1990.

وأوضح أن مجلس الوزراء العراقي قد ناقش هذا الأمر اليوم الثلاثاء، وطلب استدعاء مسؤولين في الإقليم لبحث هذا الأمر المهم معهم، وعدم السماح باستمرار عمليات التصدير هذه، التي تضرّ بمصالح العراق الاستراتيجية. واعتبر الشهرستاني تصريحات لزعيم الائتلاف الوطني العراقي عمّار الحكيم عن إنفاق 343 ترليون دينار عراقي (الدولار يساوي 1270 دينار) خلال السنوات الأربع الماضية من دون تقدم الأوضاع المعيشية للمواطنين، بأنه أمر غير صحيح وتضليل للشعب العراقي عبر أرقام غير صحيحة على حد قوله.

وأعلن الشهرستاني أن واردات العراق من النفط خلال السنوات الأربع الماضية بلغت 171 مليار دولار، منها 30 مليار دولار عام 2006، و40 مليار عام 2007، و60 مليار عام 2008، و41 مليار دولار عام 2009. مشيراً إلى أن هذه الإيرادات تمثل 95 % من مجموع الإيرادات الحكومية العامة، موضحاً أن 80 % منها يذهب إلى الموازنة التشغيلية، التي تتضمن المرتبات ومخصصات الأجهزة الأمنية التي بلغ عدد أفرادها 700 ألفاً، إضافة إلى الخدمات العامة والصحة والتعليم والكهرباء، فيما تذهب الـ 20 % المتبقية إلى الخطة الائتمانية لبناء المشاريع الصحية والتعليمية وتطوير الحقول النفطية وإنشاء السكك والمطارات وغيرها. مؤكداً أن 38 مليار دولار قد أنفقت على الخطط الاستثمارية خلال السنوات الأربع الماضية.

الشهرستاني نفى ما أشارت إليه قوى سياسية بإنفاق 17 مليار دولار على قطاع الكهرباء، لكنه ظل يعاني غياب وصوله إلى المواطنين، مؤكداً أن كل ما أنفق على هذا القطاع خلال السنوات الأربع الماضية بلغ 6.7 مليار دولار، وليس 17 مليار دولار، داعياً السياسيين إلى عدم تضليل المواطنين، وذكر أرقام غير صحيحة، على حد قوله.

وأشار إلى أن الاحتياطي النقدي العراقي المحفوظ لدى البنك المركزي العراقي قد وصل إلى 60 مليار دولار، وهو ما يغطي احتياجات البلاد من الاستيرادات لمدة عام كامل. وقال إن هذا الاحتياطي يشكّل مصدر قوة للعملة المحلية وضمان للعقود التي توقّعها الدولة مع الجهات الأجنبية. لافتاً إلى أن الأجهزة الأمنية قد استنزفت جزءاً كبيراً من التخصيصات التشغيلية من أجل ضمان أمن المواطنين، من خلال نفقات تسليحية ومرتبات لحوالي 700 ألف فرد من الجيش والشرطة.

من جهته، أشار وزير التخطيط علي بابان إلى أن الموازنة التشغيلية للعراق قد نمت نمواً سريعاً خلال السنوات الأربع الماضية، نتيجة الزيادة في المرتبات والصرف على البطاقة التموينية، سلة العراقيين الغذائية، ودعم الأدوية والمشتقات النفطية. وقال إن عام 2006 شهد تخصيص 12 ترليون دينار عراقي، وعام 2007 حوالي 7 ترليون دينار، وفي عام 2008، أنفق 20 ترليون دينار، وفي 2009 أُنفق 14 ترليون دينار عراقي، بحيث يكون مجموع ما أُنفق خلال هذه السنوات الأربع قد بلغ 68 ترليون دينار عراقي.

وأكد الوزير عدم قدرة الدولة على تقليص النفقات التشغيلية، لأنها تمسّ حياة المواطنين بشكل مباشر، الأمر الذي يدعو إلى إعادة هيكلة الاقتصاد العراقي، وتشجيع الاستثمار الأجنبي، وتوسيع القطاع الخاص. لكنه أوضح أن عقود النفط الأخيرة التي وقّعها العراق أخيراً مع العديد من الشركات الأجنبية ستبدأ بعد ثلاث سنوات بالمساعدة على معالجة هذه الأوضاع.

وذكر بابان أن العراق لم يستطع إدخار أي مبالغ من خلال الاحتياجات الضخمة لإعادة إعمار ما دمّرته الحروب السابقة التي شهدتها البلاد، والحصار الاقتصادي الذي فُرض على العراق خلال فترة التسعينات. يذكر أن حكومة كردستان ووزارة النفط العراقية قد تبادلتا خلال اليومين الماضيين الاتهامات حول تهريب كميات ضخمة من النفط يومياً إلى إيران عبر منافذ حدودية في الشمال والجنوب.

واتهم وزير الثروات الطبيعية في الإقليم آشتي هورامي بغداد بأنها quot;تغضّ الطرف عن عمليات تهريب النفط من المحافظات الجنوبية إلى عبادان، حيث يتم يومياً نقل مئة ألف برميل نفط إلى إيرانquot;. وأضاف quot;لم يتم بأي شكل من الأشكال تهريب النفط الخام إلى إيران، فما يتم تصديره من المنتجات النفطية يعد فائضاً عن حاجة الإقليم، ويتم تصديره عن طريق شركات متخصصة بعد استيفاء الرسوم الجمركية والحصول على الموافقات المطلوبةquot;. وأشار هورامي إلى أن quot;المنتجات النفطية، كالبنزين والنفط الأبيض (الكاز)، تصدر بشكل علني عن طريق الشركات المتخصصة، كما إن عائداتها تعود إلى حكومة الإقليمquot;.

وقال إن quot;مادة النفط الخام، التي يقال إنها تصدر إلى إيران بأسعار رمزية، وعن طريق التهريب، يتم نقلها من مصفاتي بيجي والدورة عن طريق القطاع الخاص، ثم تباع في خانقين قرب الحدود الإيرانية أو تصدر بشكل غير قانوني، ومن دون علمنا عن طريق الإقليمquot;.

بدورها، نفت وزارة النفط العراقية تصريحات هورامي، مؤكدة أن للعراق quot;منافذ معروفة لتصدير النفط الخام من موانئ البصرة والعمية من الجنوب، وعبر خط كركوك جيهانquot;. وأوضحت في بيان أن مصفاتي بيجي والدورة يتم تجهيزهما بكميات من النفط الخام، وفق معدلات قياسية ثابتة، وكل فعاليات إنتاج النفط الخام، وتكريره وتصديره، وتوزيع المشتقات يخضع لعمليات مراقبة وتدقيقquot;.

وأضافت أنه لم يتم رصد quot;مئات من الصهاريج التي تنقل الكميات إلى إيران عبر المنافذ الحدودية الجنوبية، حسب إدعاءات هورامي، بعكس ما تم رصده فعلاً بعبور مئات الشاحنات والصهاريج، في طوابير الانتظار في المنافذ الحدودية في الإقليم، لنقلها إلى دول الجوارquot;. وأكدت عدم إبرام أي عقد مع إيران في الوقت الحاضر، سواء كانت عقود خاصة بالنفط الخام أو المشتقات النفطية.

ويحتل العراق المرتبة الثالثة عالمياً بعد السعودية وإيران من حيث الاحتياطي النفطي المؤكد مع 115 مليار برميل، وهو ينتج حالياً 2.5 مليون برميل يومياً، يصدر منها حوالي 1.85 مليون برميل، خصوصاً من حقول قرب البصرة الجنوبية.