أثار التباطؤ الاقتصادي الدراماتيكي الذي حدث هذا الصيف نقاشاً مستمرًّا بشكل متزايد بين المحللين، بما في ذلك حدوث انقسام علني غير معهود بين أعضاء مجلس إدارةمصرف الاحتياطي الفدرالي بشأن التوقّعات الخاصّة بالاقتصاد الأميركي على المدى الطويل، واحتمال إطلاق مصطلح quot;العِقد المفقودquot; على الأعوام العشرة الأخيرة، كما سبق وحدث في اليابان.

إعداد أشرف أبو جلالة من القاهرة: أكّد تقرير أنّ التقويم القاتم الذي كشف عنه الاحتياطي الفيدرالي هذا الأسبوع للوضع الاقتصادي في أميركا، إلى جانب سلسلة من الأرقام الاقتصادية الأميركية السيئة، سيزيد من حدّة المخاطر في الجدل المتصاعد بين مفكّرين اقتصاديّين كبار يخشون من أن تكون البلاد متّجهةنحو عقد من التراجع والركود، في مقابل أولئك الذين يعتقدون أن الأمر عبارة عن حالة خوف موقّتة مدفوعة من قِبل الشركات والمستهلكين المتصارعين مع حالة عدم اليقين الناجمة من طوفان من التغييرات التنظيميّة والضريبية.

وأشارت صحيفة quot;واشنطن تايمز الأميركيةquot; في هذا السياق إلى أنّ هذين الرأيين لم يبرزا فحسب في معارك الكونغرس الساخنة بشأن تشريع التحفيز، بل برزا كذلك في القاعات الهادئة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، حيث التقى المسؤولون هناك مطلع هذا الأسبوع، وأوضحوا أنهم يخشون حدوث تباطؤ اقتصادي آخر. وفي البيان الذي أدلوا به في هذا السياق، أعلن أعضاء مجلس الاحتياطي الفيدرالي أنّ quot;وتيرة الانتعاش قد تباطأت في الأشهر الأخيرةquot;، وأنّها quot;من المرجّح أن تكون أكثر تواضعاً في المدى القريب عمّا كان متوقّعاًquot;.

وقد تفاعلت أمس كلّ المؤشرات الرئيسة الثلاثة مع تقويم الاحتياطي الفدرالي السيء، وكذلك الإحصاءات الاقتصادية الأخيرة، حيث خسرت ما يزيد على 2في المئةمن قيمتها. فقد انخفض مؤشر داو جونز الصناعي بمقدار 265.42 نقطة ليقفل عند 10.378.83، وانخفض مؤشر ستاندارد آند بورز 500، 31.59 نقطة، وأغلق عند 1،089.47، وخسر مؤشر ناسداك المركب 68.54 نقطة، وأنهى اليوم عند 2.208.63.

ثم مضت الصحيفة لتقول إنّ النقاش الذي احتدم بصورة غير عادية داخل جنبات الاحتياطي الفدرالي بشأن احتمالية الدخول في دوامة انكماشية طويلة قد خرج إلى النور في نهاية الشهر الماضي، حين قام جيمس بولارد، الرئيس والمدير التنفيذي للمصرف الاحتياطي الفدرالي في سانت لويس، بالترويج لورقة بيضاء تحمل عنواناً متشائماً، هو quot;الأوجه السبعة للخطرquot;.

وقد افترضت تلك الورقة أنّ الاقتصاد الضعيف هو أقرب من أي وقت مضى إلى الدخول في مرحلة مماثلة للمرحلة التي سبق أن عاشها الاقتصاد الياباني من ركود وانكماش، وهي المرحلة التي كثيراً ما أُطلق عليها quot;العقد المفقودquot; من النمو، على الرغم من أنها امتدت في اليابان لما يقرب من عقدين من الزمان.

واستناداً إلى التحليل الذي قام به بولارد، اتضح أن الإجراءات الرسمية للتضخم في الولايات المتحدة قد انخفضت إلى نحو 1 في المئة، ومن المتوقع أن تشهد انخفاضاً آخر، ودخول ما يعتبره الاقتصاديون منطقة خطر الانكماش، حيث يمكن للمستهلكين والشركات أن يثيروا موجة هبوط مدمرة في الاقتصاد، من خلال إقدامهم على تأجيل المشتريات انتظاراً من جانبهم لحدوث انخفاض في الأسعار. وكانت المرة الأخيرة التي حدثت فيها تلك العملية داخل الولايات المتحدة الأميركية أثناء فترة الكساد العظيم.

واعتبر بولارد أنّ تكرار ذلك الكابوس الاقتصادي أمر غير وارد الحدوث، لكن سياسات معدلات الفائدة المنخفضة التي يتبعها مجلس الاحتياطي الفدرالي قد تساهم في ما يُعرف بـ quot;علم النفس الانكماشيquot;. وأشار كذلك إلى أن الاحتياطي الفدرالي لا بدّ أن يكون مستعداً لمواجهة أي تراجع اقتصادي آخر، من خلال اتخاذ تدابير غير تقليدية، مثل شراء السندات الحكومية. وهو ماقام بهالمجلس فعلاً، حيث قال مسؤولوه يوم الثلاثاء الماضي إنّهم سيبدأون في شراء الديون الحكومية في محاولة من جانبهم لخفض أسعار الفائدة، وزيادة الاقتراض، والعمل على حفز الاقتصاد.

أما ريتشارد فيشر، الرئيس والرئيس التنفيذي لمصرف الاحتياطي الفدرالي في دالاس، فأكد أن الشركات والمستهلكين لا ينفقون ولا يقومون بإعداد خطط خاصة بأعمالهم، كما كان معتاداً من قبل، بسبب الزيادات الكبيرة في الضرائب التي بدأت تلوح في الأفق في نهاية العام، في الوقت الذي تتجه فيه واشنطن الآن صوب زيادة أسعار كلّ الأشياء الأخرى تقريباً، من الرعاية الصحية حتى الطاقة والائتمان.

ويرى فيشر أيضاً أن المشكلة ليست في الانكماش، بل إن قواعد اللعبة المتغيّرة قد تسببت في خلق ما وصفه رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي بن بيرنانكي بـquot;عدم اليقين غير العاديquot;، الذي يحبط الأعمال المعتادة وحماسة المستهلكين للمستقبل الذي يدفع النمو.

ثم نقلت الصحيفة عن بيل غروس، المسؤول المشارك في قطاع الاستثمار في بيمكو، أكبر صناديق السندات، قوله quot;يتطوّر الاقتصاد الأميركي بصورة تشبه إلى حدّ كبير تطوّر الاقتصاد الياباني، بمعدلات نمو ضعيفة، وديون ثقيلة، وانكماش، وانخفاض بعدد السكان في المستقبل القريبquot;. بينما لفت مارك فيتنر، كبير الاقتصاديين في ويلز فارغو للأوراق المالية، إلى أنه quot;لا يمكن صرف النظر بسهولة عن تحذيرات بولارد بشأن أخطار الانكماش، التي يمكن تلمسها بوضوح في قوائم الأسعار الرئيسة كافة. ومع هذا، لا يجب المبالغة في خطر الانكماش. وسيكون من الضروري استمرار الأسعار المنخفضة لفترة أطول قبل أن تتحول لمشكلة كبرى بالنسبة إلى الاقتصادquot;.