عندما إتسعت دائرة الإتحاد الأوروبي بضمه دولاً من أوروبا الشرقية ليصبح حالياً 27 دولة بتعداد سكاني يصل إلى 493 مليون نسمة تقريباً، كان الهدف من هذا التوسع حل أكبر مشكلة حذّر منها خبراء الاقتصاد في ثمانينات القرن الماضي، وهي البطالة العمالية.
إعتدال سلامه من برلين: كان أمل بلدان أوروبا الغربية، ومن بينهم ألمانيا وفرنسا، مواجهة ما سيأتي بسلاح أقوى، وهو توسيع أسواقها باتجاه الشرق، أولاً من أجل الحصول على يد عاملة رخيصة تقوم بأعمال قليلة التعقيد تقنياً، وفتح مصانع ضمن شروط حسنة، وثانياً استغلال الأسواق التجارية بطرح ما ينتج هناك فيها، لكن بأسعار تقارب أسعار السلع في أوروبا الغربية، أي تكاليف عمل رخيصة وكسب أكبر.
إلا أن الأزمة الإقتصادية، التي بدأت بوادرها عام 2008، وكادت هذا العام أن تطيح بحكومات وتطرح دولاً في المزاد العلني، بعدما هددت بالإفلاس، أطاح بكل هذه الأحلام، وتحولت هذه البلدان، التي تم ضمها إلى عبء على الدول الأغنى في الاتحاد الأوروبي، التي كانت تعاني سلفاً من انعكاسات الوضع الاقتصادي والمالي غير المستقر في بلدان غربية، مثل اليونان وأسبانيا وإيطاليا، التي زادت نسبة البطالة العمالية فيها، لتصل إلى أرقام صاروخية، وقد تزيد لعدم وجود مؤشرات تدل على إمكانية تخطي الركود الاقتصادي أيضاً في بلدان غنية مثل ألمانيا.
وكل التقارير التي خرجت حتى الآن من مفوضية العمل في الاتحاد الأوروبي أو وزارات العمل في العديد من بلدان الاتحاد الأوروبي تحمل نسبة عالية جداً للبطالة العمالية. وحدّث ولا حرج عن الوضع في اليونان وأسبانيا وغيرها، والحديث اليوم عن نسبة بطالة عمالية تعدت العشرة في المائة في شهر آب (أغسطس).
وحسب تقرير مؤسسة أيروستاد، التابعة للاتحاد الأوروبي، منذ شهر آب (أغسطس) عام 1998، لم ترتفع النسبة إلى هذا المستوى، كما هي الحال الآن، ففي شهر شباط (فبراير) عام 2009 وصل المؤشر إلى 8.8 %، عندها أرسل خبراء سوق العمل أول إنذار إلى الحكومات، محذرين من تواصل الرقم بارتفاع، لكن انشغال الجميع بكيفية مواجهة الأزمة المالية العالمية والتقليل من سرعة تدحرج كرة الثلج كي لا تزداد حجماً غيب التفكير بوضع إجراءات لمواجهة تبعات ذلك على سوق العمل.
والنتيجة هي الآن تجاوز نسبة البطالة العشرة في المائة، وكانت في شهر شباط (فبراير) الماضي 9.6 %. وإذا لم تعالج المشكلة بسرعة فإنها ستؤثر سلباً على قوة الاستهلاك، وبالتالي على الضرائب التي تجنيها الحكومات. فالناس منذ الآن أصبحوا يفكرون كثير قبل إقدامهم على شراء أي سلعة أو القيام برحلة، وهذا ظهر على قطاع السياحة هذا الموسم في الكثير من البلدان أيضاً في ألمانيا التي أمضى العديد من مواطنيها إجازة في الداخل، وكانت هذه العادة في سبعينات القرن الماضي.
وبالأرقام، فإن عدد العاطلين عن العمل في بلدان الاتحاد الأوروبي تجاوز الـ27 مليون شخص، نسبة لا بأس بها في صفوف الشباب ومن هم فوق الخمسين وتم تسريحهم من العمل، منهم ما يقارب من الـ16 مليون في الدول المعتمدة على النقد الأوروبي الموحد اليورو، والسبب في ذلك الارتفاع الكبير فقدان ثلاثة ملايين شخص هناك عملهم مقارنة مع العام المنصرم، وظهر ذلك جلياً في بلدا مثل أسبانيا، حيث تجاوزت النسبة فيها العشرين في المائة، وفي بعض مدنها تعدت الثلاثين في المائة، ليصبح عدد العاطلين عن العمل هناك أربعة مليون من أصل 40 مليون.
ومقابل ذلك فإن اليونان التي كانت مهددة بالإفلاس، لم تتجاوز نسبة البطالة فيها الشهر الماضي الـ9.7 %، وألمانيا 7.6 %.وكانت النسبة فيها العام الماضي 7.1 %. وتراجعت النسبة في شهر حزيران (يونيو) الماضي في النمسا إلى 3.8 %، وفي هولندا إلى 4.4 %، وفي مالطا إلى 6.5 %. كما ارتفعت في الدانمارك إلى 6.9 %.
ولقد بدأت بلدان، مثل أيرلندا، تعاني تزايد سريع في عدد الذين يبحثون عن عمل، ووصلت النسبة إلى 13.6 %، كما لم يحمل انضمام بلدان في شرق أوروبا إلى الاتحاد الكثير من الإيجابيات لسوق العمل، فوصلت النسبة في سلوفاكيا إلى 15 %، وفي ليتوانيا إلى 17.3 %، لكن تبقى أسبانيا في آخر القائمة، وتصل النسبة إلى 20.3 %.
لكن ما يقلل خبير سوق العمل أفالد بيكر هي توفير أماكن للشباب، فهي المشكلة الأكبر التي تحتاج حلاً سريعاً، أيضاً هي تزايد عدد العاطلين في صفوفهم. ففي ألمانيا وحدها فإن 15 % مما دون الـ25 ليس لديهم مركز عمل، لكن هذا الرقم ليس النهائي لأن الآلاف منهم في انتظار الحصول على مركز للتأهيل، ولا يعدون ممن بدون عمل، مع ذلك فقد يكون وضعهم أفضل من وضع الشباب في أسبانيا أو إيطاليا، ففرص الحصول على مكان للتأهيل قليلة.
وفي فرنسا، فإن ربع الذين تحت سن الـ25 على لائحة العاطلين عن العمل، من بينهم كثيرون أكملوا تعليمهم، ولا أحد يصدق أن بلداً، مثل السويد، نسبة البطالة في صفوف الشباب فيه عالية جداً، والسبب في ذلك التغييرات التي أدخلت على أنظمة التعليم والتأهيل المهني عام 2008.
ويعاني الشباب بكثرة في أسبانيا، حيث تتعدى نسبة البطالة بينهم الـ40 %، خاصة ما دون الـ25 سنة، بينما تصل النسبة في بولندا إلى 29.8 %، لكن ينقص المتخرجين هناك الكثير من الخبرة العملية، ما يدفع بالكثيرين إلى الهجرة أو القيام بأعمال حرة، مع ذلك فإن نسبة البطالة العمالية تراجعت إلى 18 %.
التعليقات