فيما تواجه ساحل العاج تهديدات بالغزو من الرئيس السنغالي، تتعرض حالياً لمعركة إقتصادية حقيقية داخل أروقة البنوك.
ترجمة عبد الإله النعيمي: فيما يواصل الرئيس السنغالي عبد الله واد تحركه لغزو ساحل العاج بقيادة دول غرب إفريقيا هدد الجيش العاجي بتنفيذ عملية مدمرة دفاعاً عن الرئيس المنتهية ولايته لوران باغبو الذي يرى غالبية زعماء العالم الكبار أنه هُزم في انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.
ولكن المعركة الحقيقية على أكبر بلد منتج للكاكاوا في العالم لا تدور في شوارع العاصمة الاقتصادية ابيجان بل في أروقة البنوك حيث تُحول عائدات الكاكاو وتُصرف الاحتياطات النقدية والايرادات الضريبية، وحيث تصدر سندات الحكومة وحيث يأتي الدائنون لأخذ مستحقاتهم.
وتشكل الحرب المالية في ساحل العاج عاملا اساسيا في فهم الهدوء الذي يبديه انصار الرئيس المنتخب الحسن وتارا، وهو اقتصادي عمل نائبا لمدير صندوق النقد الدولي. ويشير محللون الى خمسة اسئلة اساسية قد تحسم الاجابة عنها نتيجة النزاع.
مَنْ يسيطر على البنك المركزي؟
بخلاف كينيا وزمباوي فان الصراع على السلطة في ساحل العاج يجري على ساحة اقتصاد لم يحقق استقلاله الكامل عن الدولة التي كانت تستعمر البلد ، وهي في هذه الحالة فرنسا. فالعملة العاجية هي الفرنك الغرب افريقي الذي تستخدمه ثمانية بلدان في المنطقة. وما يعنيه ذلك لمن يتولى مقاليد الرئاسة ان العملة التي يستخدمها لتمويل حكومته لا تصدر في ساحل العاج بل في دكار عاصمة السنغال حيث اعلن البنك المركزي لغرب افريقيا قبل نهاية السنة انه لن يعترف برئاسة باغبو. ويعني هذا القرار من الناحية العملية ابعاد يد باغبو عن الجهاز المالي لبلده. وإذا أراد ان يصدر سندات حكومية فانه يحتاج الى البنك المركزي لتنظيم العملية وتنفيذ بيع السندات. وإذا اراد ان يسحب شيئا من الاحتياطات الضريبية لساحل العاج سيتعين عليه ان يتمرن من الآن على تزوير توقيع منافسه وتارا.
مَنْ المسؤول عن ادارة ديون الحكومة؟
ولكن المشكلة ان ساحل العاج لا تحتاج الى المال فحسب بل عليها ديون ايضا. وفي الحقيقة انها حتى الآن لم تدفع 29 مليون دولار هو قسط الفوائد المترتبة على اصدار سندات بقيمة 2.3 مليار دولار. وكان هذا القسط مستحقا في 31 كانون الأول/ديسمبر الماضي. وقالت وزارة المالية في حكومة باغبو انها ستدفع القسط خلال مهلة الشهر المتاحة التي سيؤدي انتهاؤها دون دفع القسط المستحق الى عزل ساحل العاج عن المؤسسات المالية العالمية. ولكن صحيفة كريستيان ساينس مونتر نقلت عن المحلل سمير غاديو قوله ان من المرجح ألا تكون حكومة باغبو قادرة على السداد حتى إذا توفرت الارادة السياسية وسمحت الخزانة بتحويل القسط. بل سيتعين ان تجري عملية الدفع عن طريق البنك المركزي لدول غرب افريقيا الذي يعترف الآن بحكومة الحسن وتارا.
الى متى يستطيع باغبو الاستمرار في دفع رواتب حكومته؟
اضاف المحلل غاديو ان باغبو قد يكون مدعوما من الجيش في هذه المرحلة ولكن استمرار هذا الدعم مشروط بقدرته على دفع رواتب جنوده وعناصر الأجهزة الأمنية في الاشهر المقبلة.
وتكلف الرواتب وحدها ادارة باغبو 170 مليون دولار شهريا ، بحسب صحيفة الغارديان البريطانية. وتمكنت حكومته حتى الآن من دفع رواتب الموالين ولو متأخرة بضعة ايام.
ما حجم سيطرة باغبو على الكاكاو والنفط؟
إذا تمكن باغبو من اطعام جنوده ودفع رواتب موظفيه فان السبب في قدرته هذه هو ان الرقعة المدارية الخصبة التي يسيطر عليها تعتبر سلة العالم من محصول الكاكاو. ولكن هذا المصدر استُنزف حتى كاد ينضب. وان 40 في المئة من سعر تصدير الكاكاو العاجي تذهب الى الحكومة سواء أكانت بصور رسمية أو بأشكال غير نظامية. ومن المتوقع ان يزداد في الأشهر القادمة تهريب الكاكاو الى غانا مع تزايد الاتاوات التي يفرضها الجنود والعصابات الاجرامية والبيروقراطيون على مزارعي الكاكاو وشركات الشحن التي تنقله والتجار الذين يسوقونه. ولكن حكومة باغبو ليست مضطرة للعيش على الشوكولا وحدها ويخمن صندوق النقد الدولي ان عائدات الدولة من احتياطات ساحل العاج النفطية قد تزيد على المليار دولار سنويا التي تجنيها من محصول الكاكاو. ويمكن لنجاح باغبو في ادارة هذه الايرادات وتوظفيها وتوزيعها في يحدد الفترة التي يستطيع ان يصمد خلالها للبقاء في سدة الحكم.
هل من الواقعي اصدار عملة عاجية جديدة؟
يعكف مستشارو باغبو على بناء جهاز كفيل بتحقيق الاكتفاء الذاتي للدولة. وقد تبدو فكرة بناء دولة معزولة على غرار زمبابوي بدلا من نموذج السنغال مثلا ، فكرة خيالية ولكنها اقرب من اي مشروع الى طموحات حكومة باغبو. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن المحلل رينالدو ديبان من مجموعة الأزمات الدولية قوله ان باغبو وانصاره مهوسوون بفكرة الاعتماد على القدرات الاقتصادية الداخلية وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
كتب المحلل درو هينشو في صحيفة كريستيان ساينس مونتر ان ثمة الكثير مما هو محير في النزاع العاجي ولكن ما هو واضح ان دولة ساحل العاج أُنشئت بقدر محدود من الاستقلال عن فرنسا. ولعل عهد باغبو كان رد فعل حتميا على سياسة ساحل العاج الودية تجاه فرنسا. وكان أحدث مظاهر هذا الرفض quot;عملة المقاومة العاجيةquot; التي اقترح فريق باغبو طبعها لدفع رواتب الموظفين والجنود. ويقول محللون ان من المؤكد تقريبا ان يكون اصدار هذه العملة خطوة كارثية. ولكن المفارقة ان هذه الفكرة قد لا تبدو سيئة عندما ينقشع غبار النزاع.
التعليقات