بعد معركة قضائية طويلة واحتجاجات متعددة، وضع المجلس القومي للأجور في مصر حدًا أدنى للأجور في القطاع الخاص، يكاد يتخطى حد الفقر، ما دعا ممثلي العمال ومنظمات المجتمع المدني إلى اللجوء للقضاء مجددًا لإلزام السلطات بمراجعة قرارها.
القاهرة: قرر المجلس الأعلى للأجور في مصر بعد بضعة أيام وضع حد أدنى جديد للأجور هو 400 جنيه، أي 69.1 دولارا شهريًا، وهو ما يعادل 2.3 دولار يوميًا، في حين يعتبر البنك الدولي أن حد الفقر هو دولارين للفرد يوميًا.
وفي نهاية تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أمرت المحكمة الإدارية العليا الحكومة المصرية بوضع حد أدنى جديد للأجور، إذ أن آخر قرار رسمي في هذا الشأن صدر في 1984، أي قبل أكثر من ربع قرن، وحدد أقل أجر للعامل بـ35 جنيهًا شهريًا (5.4 دولار).
وكان المجلس الأعلى للأجور أنشئ في 2003 من أجل وضع حد أدنى للأجور ومراجعته بصفة دورية كل ثلاث سنوات، ولكنه لم يقم بالمهمة الموكلة إليه إلا بعد حكم المحكمة الإدارية العليا.
ورفضت الحكومة مطالب منظمات المجتمع المدني برفع هذا الحد إلى 1200 جنيه شهريًا، مبررة ذلك برغبتها في لجم التضخم الذي بلغ معدله السنوي في تشرين الأول/أكتوبر الماضي 11.02%، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.
وقال رئيس الوزراء أحمد نظيف إنه لا يمكن زيادة الحد الأدنى للأجور عن هذا الرقم لأن ذلك quot;سيؤدي إلى ارتفاع نسبة التضخمquot;. وأوضح مسؤولون حكوميون هذا الموقف، مشيرين إلى أن ارتفاع الأجور يعني زيادة السيولة في السوق، في حين يبقى معدل الإنتاج بلا تغيير، وبالتالي ترتفع الأسعار، ومعها نسبة التضخم.
إلا أن عددًا من الخبراء الإقتصاديين اعترضوا على هذه الحجة. وقال مستشار معهد التخطيط القومي (هيئة استشارية تابعة لوزارة التنمية الاقتصادية) إبراهيم العيسوى في ندوة نظمتها نقابة الصحافيين المصرية الأسبوع الماضي إنه quot;إذا تم تمويل زيادة الأجور من موارد حقيقية فلن يؤدي ذلك إلى تضخمquot;.
وأضاف أن quot;هذه الموارد الحقيقية يمكن أن تأتي من فرض ضرائب تصاعدية بدلاً من الضريبة الموحدة التي تساوي بين الموظف ورجل الأعمال، وتفرض على كل منهما أن يدفع 20% من دخله رغم الفوارق الضخمة في حجم دخليهماquot;.
وأيّد الأستاذ في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جودة عبد الخالق هذا الرأي. وقال لصحف مصرية إن quot;التضخم يزيد في كل الأحوال من دون زيادة الحد الأدنى للأجورquot;.
وأكد المحامي خالد علي مدير المركز المصري للحقوق الإقتصادية والإجتماعية المنظمة غير الحكومية التي أقامت الدعوى أمام القضاء للمطالبة بوضع حد أدنى للأجور quot;في الولايات المتحدة يكسب العامل ما بين ثمانية دولارات و14 دولارًا في الساعة. أما في مصر فإن العامل يكافح من أجل الحصول على ثمانية دولارات في اليومquot;. ولاتزال معركة الحد الأدنى للأجور مفتوحة.
فقد أعلن ممثل العمال في المجلس الأعلى للأجور عبد الرحمن خير اعتراضه على قرار المجلس بأن يكون الحد الأدنى للأجور 400 جنيه، وطالب بأن يكون 500 جنيه للعامل غير الماهر، و750 جنيهًا للعامل نصف الماهر، وألف جنيه للعامل الماهر.
ونقلت الصحف المصرية عن خير أنه أقام دعوى أمام القضاء الإداري لإلزام المجلس الأعلى للأجور بمراجعة قراره واعتماد مطلب ممثلي العمال. ويؤكد مدير المركز المصري للحقوق الإقتصادية والإجتماعية إنه أقام هو الآخر quot;دعوى جديدة أمام القضاء الإداري، يطالب فيها بتحديد المعايير التي يتم على أساسها احتساب الحد الأدنى للأجورquot;.
وشهدت مصر، التي يعيش 40% من سكانها، البالغ عددهم 80 مليونًا، تظاهرات عديدة هذا العام احتجاجًا على تدني الأجور وارتفاع تكاليف المعيشة.
وافترش مئات من العمال والموظفين لمدة شهرين في ربيع العام الجاري الرصيف المقابل لمبنى مجلس الشعب المصري للمطالبة برفع مرتباتهم وتحسين شروط عملهم.
وأقر الرئيس المصري حسني مبارك الأسبوع الماضي بالضغوط الواقعة على الفقراء. وقال في خطاب لمناسبة إعلان قائمة مرشحي الحزب الوطني، الذي يترأسه في الإنتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في 28 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، إن quot;هناك من الفقراء والبسطاء من يعانون عناء الحياة، ومن الفئات محدودة الدخل من يعانون ارتفاع الأسعار ونفقات المعيشةquot;. وتابع quot;إننا نخوض الإنتخابات المقبلة، وأعيننا على هؤلاء، ونطرح برنامج الحزب للسنوات الخمس المقبلة من أجل هؤلاءquot;.
التعليقات