نظمت مؤخراً مائدة مستديرة حول مستقبل الشراكة السياسية والإقتصادية والمعرفية التونسية الليبية في مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات، وقد أكد المشاركون على أهمية الدفع بهذه العلاقات إلى حدّ الشراكة الكاملة في جميع المجالات وبخاصة القطاع الإقتصادي.


تونس: أكد خبراء شاركوا في المائدة المستديرة حول مستقبل الشراكة السياسية والاقتصادية والمعرفية التونيسية الليبية على أن عملية إعادة الإعمار في ليبيا بعد الثورة تمثل فرصة مهمة للإرتقاء بهذا التعاون الثنائي ليبلغ أوجه وتتجسّم هذه الشراكة في فتح ليبيا لأبوابها أمام المؤسسات الإنتاجية التونسية وغيرها من المؤسسات المغاربية وهو ما يمهّد لبناء تعاون مغاربي غاب لأسباب مختلفة.

وجاءت هذه النداءات بعد ما لاقته تونس من عناء وما جابهته من صعوبات حيث عمّق الصراع الذي دار في ليبيا لمدة تجاوزت السبعة أشهر ولم ينته بعد من هشاشة الإقتصاد التونسي الذي يسعى بدوره إلى الخروج من آثار ثورة حرّكت السواكن و نفضت الغبار عن صعوبات و مشاكل و مشاغل يرزح تحت أنينها المواطن التونسي.

البنك الإفريقي للتنمية كان أصدر تقريرا تحليليا قبل شهر أكد فيه الإنعكاسات السلبية لثورة 17 فبراير الليبية على الإقتصاد التونسي الهشّ أصلا وهو ما قلّص نمو الناتج الداخلي الخام بنحو 0.2% نقطة و الصادرات بنحو 0.3% نقطة.

خبراء البنك أشاروا في تقريرهم إلى أنّ أكثر المجالات تأثرا بالأزمة هو تراجع تحويلات التونسيين العاملين في الخارج وتقلص المبادلات التجارية على الحدود التونسية الليبية إلى جانب تأثر قطاعات عديدة في الإقتصاد التونسي وخاصة السياحة والصناعات المعملية.

الخبراء أشاروا كذلك إلى التأثيرات السلبية على قطاع السياحة التونسي وبخاصة السياحة الاستشفائية حيث يقبل الليبيون بكثرة على هذا النوع من التداوي.

من جهة ثانية أفادوا أنّ السياح الليبيين أنفقوا في تونس خلال 2010 حوالى 890 مليون دينار أي ما يعادل 18% من المداخيل الجملية لقطاع السياحة التونسي.

و قد بلغ عدد الليبيين الذين دخلوا تونس إلى غاية نهاية شهر ابريل 2011 حوالى 260 ألف ليبي أي ما يعادل 14% من مجموع السياح الليبيين الذين زاروا تونس خلال سنة 2010.

كما أن عودة نحو 60 ألف مهاجر تونسي من ليبيا أثر في حجم تحويلاتهم المالية نحو تونس والتي بلغت 50 مليون دينار سنة 2009 وكان يمكن أن تبلغ 125 مليون دينار سنة 2011.

ولكن الهدوء النسبي الذي خيّم على الحياة في ليبيا بعد انتصار الثوار وهروب القذافي جعل حركة الليبيين تعود بقوة إلى تونس حيث تم تسجيل دخول أكثر من 400 ألف ليبي إلى التراب التونسي في الشهر الأخير.

كما أفادت الإحصائيات بأنّ معدل حركة دخول الليبيين عبر المعبرين الحدوديين برأس جدير وذهيبة يصل يوميًا إلى حدود 10 آلاف مواطن ليبي يدخلون تونس سواء للتسوق والإستجمام أو التداوي. حركة مرور السلع بمختلف أنواعها إلى ليبيا وخاصة المواد الغذائية قد شهدت حركية كبيرة بين البلدين وتم تسجيل عمليات تهريب يقوم بها تجار مهربون مستغلين الطلب المتزايد على السلع التونسية من خضر وغلال ومواد غذائية متنوعة.

الخبير المالي والإقتصادي التونسي الحسين الديماسي تحدث لـquot;إيلافquot; عن الفوائد التي يمكن أن يستفيد منها الإقتصاد التونسي بعد الهدوء النسبي في ليبيا. مؤكدا أنّ quot;إذا عاد الإستقرار إلى ليبيا وبدأت عملية الإعمار فيمكن أن تكون استفادة الإقتصاد التونسي كبيرة وما خسرناه في أشهر مضت يمكن استرجاعه بسرعةquot;.

وأضاف الديماسي أنّ أولوية الأولويات لكل حكومة تونسية قادمة تتمثل في العمل على استتباب الأمن وعودة الحياة إلى طبيعتها هادئة مطمئنة لأن السبيل الوحيد الذي يشجع المستثمرين الأجانب للإستثمار في تونس إلى جانب عودة السياح بـأعداد كبيرة وهو ما يساهم في استرجاع قطاع السياحة لعافيته بسرعة ويزور الليبيون بأعداد كبيرة تونس لأغراض مختلفة.

الديماسي قال إن لتونس مع ليبيا تقاليد عريقة في التعامل والتبادل الثنائي، وهي من البلدان القلائل في العالم التي لنا معها فائض تجاري مهم لذلك فليبيا أكثر من مهمة للإقتصاد التونسي وهي حليف استراتيجي.

وأشار من جديد إلى أن ليبيا في صورة استقرارها ووصول حكومة عليها إجماع ليستتب الأمن هناك عاملان جديدان يمكن أن يفتحا آفاقا جديدة للإقتصاد التونسي والبداية بإعادة بناء ليبيا وهي تفتقر إلى البنية الأساسية والإجتماعية وفي حاجة كبيرة إلى العمالة المدربة أي إلى المقاولات وفي تونس تتوفر مؤسسات المقاولة الخبيرة في هذا الميدان.

كما أن هناك ثلاثة أو أربعة قطاعات لا تزال مهمشة ومع النظام الجديد يمكن أن تشهد انتعاشة كبيرة، وهي الفلاحة والصيد البحري والسياحة وليبيا لها طاقات جبارة في هذه القطاعات التي بقيت بكرا ولتونس تجربة كبيرة في مثل هذه القطاعات، وما نتمناه فعلا هو عودة الإستقرار السريع في ليبيا لتخفيف الضغط على سوق الشغل الداخلية.