في السنوات المقبلة، سينظر المؤرّخون الاقتصاديون إلى هذا الأسبوع على أنه اللحظة التي تغيّر فيها ميزان القوى في العالم، وبدأ يميل لترجيح كفّة الصين. ويبدو أن تحوّل quot;التنين الأصفرquot; ليصبح واحدًا من أكبر القوى الاقتصادية في العالم يعود إلى تخبّط منطقة اليورو بسبب الأزمة الاقتصادية والديون التي أثقلت كاهلها، في حين بات يُنظر إلى الصين بصفتها quot;المخلصquot; من هذه الأزمة.


أزمة الديون الأوروبية تعرقل إدارة التضخم والنمو الصيني

لميس فرحات: أشارت صحيفة الـ quot;تايمquot; إلى أن الصين يمكن أن تساهم بنحو عشرة في المئة من الصندوق الأوروبي، وتدرس إمكانية استثمار نحو مئة مليار دولار لمساعدة منطقة اليورو على تخطّي أزمة الديون.

ورغم أن قمة منطقة اليورو قررت الاستعانة ببكين لتعزيز قدرة صندوق الاستقرار المالي على التدخل لمساعدة الدول التي تواجه صعوبات، إلا أن الأخيرة لم تؤكد رسمياً موافقتها على موضوع المشاركة في المجهود، لكن متحدثًا باسم وزارة الخارجية أعلن أمس أن بكين تريد quot;درس سبل تعزيز التعاون الثنائي على أساس المنفعة المتبادلةquot;.

ولفتت الصحيفة إلى أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي اتصل هاتفياً بالرئيس الصيني هو جين تاو لطلب الدعم. ورحّب بأي مساهمة صينية، قائلاً إن quot;الصين تملك نحو 60 % من الاحتياطات العالمية، وفي حال قررت استثمارها في اليورو بدلاً من الدولار، فلماذا نرفض ذلك؟quot;. وأوضح أنه في حال استثمرت الصين في اليورو، فإن ذلك يعود إلى ثقتها بالعملة الأوروبية. لكن السؤال يبقى: لماذا تريد الصين أن تستثمر في منطقة منخفضة النمو مثل منطقة اليورو؟.

رداً على هذا السؤال، اعتبرت الـ quot;تايمquot; أن هناك العديد من الأسباب القوية التي قد تدفع الصين إلى استثمار أموالها من أجل المساعدة في مخطط إنقاذ منطقة اليورو وشراء بعض السندات.

أحد هذه الأسباب هو أن الصين متورّطة بالفعل في هذه المسألة، إذ يُعتقد أن ربع الاحتياطيات الصينية بعملة اليورو، وأن بكين كانت تشتري سندات لإنقاذ منطقة اليورو. فعلى مدى السنة الماضية، قدمت الحكومة الصينية تعهدات عدة لشراء الديون الأوروبية، سواء على المستوى الثنائي مع الدول المثقلة - بما في ذلك البرتغال واليونان وهنغاريا - وتجاه منطقة اليورو ككل.

ومن الممكن أن تشكل مساعدة الصين لمنطقة اليورو فرصة رائعة للصين لانتزاع تنازلات، سواء على الصعيد الاقتصادي والسياسي. ففي سبتمبر/أيلول الماضي، قال رئيس الوزراء الصيني وين جيا باو إن الصين مستعدة لتقديم يد التعاون، ولكن بشروط. من حيث التداول والتجارة، يمكن أن ينعكس ذلك اعترافاً بمكانة الصين كـ quot;سوق اقتصاديةquot; عندما يتعلق الأمر بفرض عقوبات من قبل الاتحاد التجاري الأوروبي، وهو إجراء يمكن أن يعوق زيادة الصادرات.

وفي حين أن الاتحاد الأوروبي يملك في الوقت الحالي نحو 55 إجراء لمكافحة إغراق الأسواق ضد الصين، من الممكن أن تقوم الدول الأعضاء بتخفيف مواقفها بشكل فردي، بشأن فرض عقوبات في المستقبل.

وأشارت الصحيفة إلى أن تمكّن الصين من انتزاع هذا النوع من التنازلات قد يثير استياء المصدرين الأوروبيين، الذين غالباً ما يتأففون من القوانين الصينية بشأن الملكية الأجنبية، والإعانات المخصصة للشركات الصينية، وعدم القدرة على الوصول إلى السوق، إضافة إلى التطبيق الانتقائي لقواعد الملكية الفكرية.

أثيرت هذه المخاوف بالفعل في تموز/يوليو من قبل المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، الذي نشر تقريراً بعنوان quot;الأزمة الأوروبية في ظل تغيير قواعد اللعبة لوجود الصين في السوق الأوروبيةquot;.

وحذر المجلس من أنه إذا أصبحت الصين قادرة على التدخل والمشاركة بشكل كبير في كبرى القضايا الاستثمارية والمالية والقضايا العامة، فإن ذلك لن يعني أن الأوروبيين سيكون لهم النفوذ لتحسين فرص حصولهم على القطاعات نفسها في الصين، والتي هي في معظمها مغلقة أو تحت السيطرة.

ونقلت الصحيفة عن فريدريك إريسكون، مدير المركز الأوروبي للاقتصاد السياسي الدولي في بروكسل، قوله إنه quot;على الرغم من عدم وجود مقايضات بشكل رسمي، غير أن بكين يمكن أن تتوقع الحصول على تفضيلات سخية من أوروبا بعد سنوات مما تعتبره تدخلاًquot;.

وأضاف: quot;الصين تريد شيئًا أكثر من ذلك. تريد الاعتراف الدولي بطريقة أو بأخرى، وتريد من أوروبا أن تكفّ عن دسّ أنفها في السياسة الصينية الداخليةquot;. وبينما يمتنع الزعيم الصيني هو جين تاو من الإعلان عن التزام بلاده بشأن خطة إنقاذ اليورو، يبدو أنه يحاول استغلال اللحظة في التباهي بإطراءات زعماء أوروبا وطلبهم للمساعدة.

ومع استمرار المفاوضات المغلقة والمنكشفة للعلن ما بين الأوروبيين والصينيين، ورغم ترامي التصريحات هنا وهناك، إلا أنه وبلا أدنى شك فإن مساعدة الصين المالية للأوروبيين ستحدث تحوّلاً في الاقتصاد العالمي.