يتوقع خبراء اقتصاديون في الجزائر أن تكون لأزمة أوروبا الجنوبية المالية آثار حادة على اقتصاد بلادهم، ويقدّر هؤلاء في تصريحات خاصة بـ(إيلاف) أنّ البحبوحة المالية التي تتمتع بها الجزائر حاليًا قد تحجّم هذه التداعيات ظرفيًا، إلاّ أنّها لن تنجح في كبح الانعكاسات على بلد يشكو تبعية اقتصادية مفرطة للقارة العجوز.


الجزائر لن تنجو من عاصفة أوروبا المالية

الجزائر: يعزو الخبراء عبد الرحمن مبتول، وأرسلان شيخاوي، ومصطفى مقيدش وبشير مصيطفى توقعاتهم بتأثيرات مباشرة للأزمة الأوروبية على الجزائر، إلى ثالوث ارتفاع الواردات، وتراجع صادرات النفط وتقلص فرص العمل بفعل لجوء الأوروبيين إلى تضييق الخناق على المهاجرين.

في هذا الصدد، يشير الخبير عبد الرحمن مبتول إلى أنّ الأزمات المالية المتسارعة في العالم منذ أغسطس/آب 2007، انعكست سلبًا على الجزائر، وتنذر أزمة المال الأوروبية بالمزيد، ويرى محدثنا أنّ الجزائر على منوال اقتصاديات دول موصوفة بالهشّة، ستتأثر أكثر، وسيتضاعف ذاك الأثر لاحقًا، ليقودها إلى إفلاس محقق، ولا يمكن لمواطنيه الابتهاج لكون منظومتهم المصرفية منقطعة تمامًا عن السياق الدولي، حيث يتعين على الحكومة الجزائرية تلافي التباهي بـquot;نسب نمو اصطناعيةquot;، والتفكير جديًا في النأي عن هزّات ارتدادية، باتت مخاطرها وشيكة.

يركّز مبتول على اتساع عجز الموازنة العامة إلى حدود ربع الناتج الداخلي الخام، وارتفاع التضخم إلى 3.6 %، ما يعرّض البلد مجددًا لخطر تفاقم التضخم، الذي لامس حدود 5.7 % قبل فترة، منبّهًا إلى أن الدين الخارجي، الذي جرى خفضه إلى 4 مليارات دولار، وكذلك الداخلي إلى مليار دولار، لم يتم بفضل العمل الدؤوب، بل بفضل الريع النفطي، ورغم الزيادات الشكلية في سلم الرواتب والمنح، إلاّ أنّ ذلك لم يمنح البلد توازنه الاقتصادي والاجتماعي المنشود، بنسب نمو سنوية لم تتعدّ 3 %، رغم إنفاق أكثر من مئتي مليار دولار على التنمية خلال أقلّ من عشر سنوات.

كما يتصور مبتول أنّ تبديد الموارد بفعل خيارات quot;انتحاريةquot;، على حد تعبيره، وعدم الاستغلال الأمثل لما تختزنه الجزائر من طاقات إيجابية ومتجددة، فوّت عليها تحقيق نمو دوري بنحو 9 %، وينذر بالاستمرار في الاعتماد على المحروقات ndash; القابلة للنفاذ - وجعلها تهيمن بـ98 % على الاقتصاد المحلي، بسيناريو كارثي، ما لم يتم الالتفات إلى الأنشطة المولّدة للثروات والقيمة المضافة.

عبد الرحمن مبتول

يتوقع مبتول انخفاض عائدات الجزائر السنوية من 250 مليار دولار إلى 150 مليار دولار في غضون السنتين المقبلتين، بيد أنّه يدفع بمستقبل إيجابي للجزائر، إذا ما توخّت استراتيجية مبتكرة، تتكئ على إصلاح شامل وعميق، ومقاربة اقتصادية مختلفة، تجيد استغلال الموارد البشرية الهائلة، وترفع شأن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتحيي الآلة الصناعية، بما يجعل البلد في وضع امتيازي بحلول سنة 2020.

بدوره، يشير الخبير الاقتصادي الدولي أرسلان شيخاوي إلى أنّ أثر الأزمة الأوروبية على الجزائر يمكن أن يكون ملموسًا على المديين القصير والمتوسط، وذلك من خلال انخفاض مداخيل المحروقات جرّاء تراجع استهلاك الطاقة في أوروبا، بسبب توخّي الدول المتضررة سياسات تقشفية، ما سيكون له أثر مباشر على عائدات الجزائر من صادراتها الغازية.

شيخاوي يحيل ذلك إلى زيادة الصادرات الأوروبية نحو بلدان الضفة الجنوبية لبحيرة المتوسط، وعلى رأسها الجزائر، واستنادًا إلى كشوفات رسمية، إطلعت quot;إيلافquot; على نسخة منها، فإنّ الجزائر استوردت في الفترة ما بين كانون الثاني/يناير 2010 وأيلول/سبتمبر 2011، ما يربو عن 6.5 ملايين طن من الحبوب، غالبيتها من فرنسا، المصدّر الأول للحبوب إلى الجزائر، متبوعة بإيطاليا، وإسبانيا وألمانيا.

يدرج الخبير أثرًا ثالثًا، يتمثل في عرقلة المفاوضات حول مراجعة رزنامة التفكيك الجمركي بين الجزائر والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى هاجس تشغيل اليد العاملة الجزائرية في القارة العجوز، إذ يُنتظر أن يشدد الأوروبيون إجراءات الهجرة، بغرض الحدّ من ارتفاع أعداد العاطلين، وهي ظاهرة زادت حدتها جراء ظاهرة الهجرة.

ويقحم شيخاوي عاملاً إيجابيًا، من حيث إنّ الأزمة ستدفع البلدان الأوروبية إلى تطوير علاقاتها التجارية أكثر فأكثر مع بلدان الضفة الجنوبية من المتوسط، لاسيما مع تلك التي تتوافر على احتياطات مالية مهمة، على غرار الجزائر، بهدف تنشيط الآلة الصناعية في أوروبا.

أرسلان شيخاوي

من جانبه، يؤيد مصطفى مقيدش نظرة مبتول وشيخاوي، ويبدي قناعة بأنّ أزمة الاتحاد الأوروبي التي قد تمتد إلى مجموع المنطقة، سيكون لها أثر كبير على الجزائر.

يلفت مقيدش، الذي يشغل منصب نائب رئيس المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي، (هيئة استشارية حكومية): quot;دخلنا في مسار لإقامة سوق للتبادل الحر مع الاتحاد الأوروبي، لكن الأمور ستتفاقم في الوقت الذي تنوي فيه الجزائر مراجعة رزنامة التفكيك الجمركي، وذلك ليس في مصلحتنا، لأنّ هوامش تحرك الاتحاد الأوروبي ستتقلص بشكل ملموسquot;.

يتوقع مقيدش انحسار رقعة صادرات الجزائر النفطية نحو أوروبا، لاسيما إيطاليا وإسبانيا وبريطانيا، بحكم إنهاك وشبح كساد أسواق الدول الثلاث المذكورة، ما سيطرح مشكلة كبيرة لمداخيل الجزائر من العملة الصعبة في منطقة ظلت تشكل زبونًا أساسيًا للجزائر، ثالث مموّن لأوروبا من الغاز بعد روسيا والنروج، ما يؤشر إلى احتمال تدهور موقعها النفطي، علمًا أنّ الجزائر تموّن أوروبا بنسبة 25 إلى 30 % من الاحتياجات الغازية، ما يمثل 70 % من إجمالي الصادرات الجزائرية.

لا يخفي مقيدش خشيته من ارتفاع كبير في فاتورة الواردات الغذائية، لأنّ ما يحدث في أوروبا سيعجّل في هبوب رياح المضاربة، ما يفرض على الجزائر تغيير نموذج مبادلاتها مع الشركاء الأوروبيين نحو شراكات صناعية محلية موجّهة صوب الإنتاج والتصدير، بدلاً من الاستيراد فحسب، مثلما يحدث حاليًا.

مصطفى مقيدش

ويؤكد بشير مصيطفى أنّه إذا استمرت الأزمة في أوروبا، فإنّ المؤسسات الأوروبية ستواجه مشاكل نقد حقيقية، ودعم دولها للصناعة والزراعة سيتراجع، إلى جانب رفع الضرائب لمواجهة النفقات، ما سيؤدي إلى إفلاس مؤسسات صغيرة ومتوسطة عدة، وعليه ستتأثر الجزائر، لأنّ تراجع العرض في أوروبا، سيؤدي إلى ارتفاع كبير لأسعار السلع التي تشتريها الجزائر.

ويقول مصيطفى إنّ الأزمة الأوروبية ستؤثرفي الجزائر على المدى المتوسط، لأنّ انخفاض دولار واحد في سعر برميل البترول، يجعل الجزائر تخسر 400 ألف دولار يوميًا، وتلافي ذلك يكون عبر تقليص التبعية إزاء الواردات الأوروبية، عن طريق مخطط استعجالي يشجّع الإنتاج المحلي، وتذليل العراقيل أمام الصادرات غير النفطية من خلال إرساء منطقة حرة.

في المقابل، يُسبغ مصيطفى، تفاؤله على الوضع، إذ يوقن بقدرة الاقتصاد الجزائري على التصدي لتداعيات الأزمة الأوروبية خلال السنوات الخمس المقبلة، احتكامًا إلى عدم ارتباط الجزائر بالبورصات والمصارف الدولية، وكذا الصناديق السيادية، وتوافرها على حجم إدخار بقيمة 300 مليار دولار، معتبرا أنّ محافظة الجزائر على واردات سنوية بـ50 مليار يورو، سيجعلها مؤمنّة ضدّ الزوابع حتى العام 2017.

بشير مصيطفى