دعا اقتصاديون سعوديون عبر إيلاف إلى إجراءات أشدّ صرامة للحدّ من منح حجم التأشيرات، بحيث تصل إلى 5% سنوياً، محمّلين وزارة العمل قضية انتشار العمالة السائبة، كما حمّلوا المواطن أيضًا جزءًا من المسؤولية، بسبب تعاملهم السلبي مع العمالة والاستفادة منها.


العمالة السائبة تجوب شوارع السعودية

الرياض: أكد اقتصاديون سعوديون أن استمرار منح التأشيرات بشكل كبير وعشوائي أدى إلى انتشارها الواسع في أنحاء المملكة العربية السعودية، داعين في الوقت نفسه إلى تحسين أوضاع العمالة المتخلفة بدلاً منالاستقدام، ومنحها إقامة وفق ضوابط وشروط، موضحين أن ذلك سيسهم في احتوائهم والتعرف إليهم، وإلى عددهم الحقيقي، والاستفادة منهم، إضافة إلى أنه سيؤدي إلى الاستقرار الاجتماعي، والقضاء على ما يسمّى بالاقتصاد الأسود الذي هو من أخطر الأمور على البلاد.

في البداية قال، المحلل الاقتصادي د.فضل البوعينين: quot;من الناحية الاجتماعية، فإن العمالة السائبة تجوب الشوارع من دون عمل محدد، في حين أن الذين استقدموها وتركوها في السوق يطالبونها بدفع مبلغ معين كل شهر، بينما لا تستطيع توفير المال، فتضطرإلى ممارسة أعمال مخالفة، من أجل الحصول على دخل، والقضايا تثبت ذلكquot;. وحذر من انتشارها الواسع داخل المجتمع، وما سببته من تفكك ومشاكل أخلاقية لا تعد ولا تحصى.

من جانب اقتصادي، أوضح البوعينين أن كلا العمالتين السائبة والمتخلفة، تمثلان خرقًا للاقتصاد، وتعملان بما يسمّى اقتصاد الظل أو الاقتصاد الأسود، وهو من أخطر الأمور على الاقتصاد القومي، حيث لا يعتمد على الأنظمة ولا القوانين، ووزارة العمل هي المتسبب الأول في انتشارها، من خلال منحها التأشيرات بحجم كبير، لا يتوافق مع سوق العمل، مما أدى إلى تكدس العمالة السائبة في كل المناطق، محمّلاً المواطنين، الذين يستقدمونها ويتركونها في الشوارع، أيضاً جزءًا من المسؤولية.

وأكد أن quot;الحلول موجودة، شرط أن يكون هناك هدف حقيقي ورغبة أكيدة في القضاء على هذه الظاهرة، من خلال التنسيق بين وزارتي العمل والداخلية، بأن يخفف حجم العمالة بما يعادل 5% سنويًا، حتى تصل إلى نسبة العمالة الذي تحتاجها سوق العمل بالفعل، لاسيما وأن الآن التوجه الحكومي هو نحو السعودة، وإحلال السعوديين وخلق وظائف جديدة، وأرى أننا لسنا بحاجة إلى خلق وظائف.. فهي موجودةquot;.

وتابع: quot;كل ما في الأمر هو أننا نحتاج إعادة تشكيل ووضع الأمور في موضعها الصحيح، من خلال منع العمالة السائبة والمتخلفة من أخذ فرص العمل، التي يفترض أن تكون للسعوديين، خاصة في المؤسسات الصغيرة والمتوسطةquot;. مشددًا على أهمية التطبيق الفوري، ومعاقبة من يخالف ذلك، وإلا ستبقى المشكلة كما هي عليه، مع زيادة نموها خلال السنوات المقبلة بشكل يصعب حلها.

وشدد على أهمية دور الإعلام في توعية المواطنين بخطورة تعاملهم السلبي معها، ولفت إلى قصة حية لـquot;السعوديquot;، الذي قتل متخلفاً أفريقياً في مكة، عندما حاول الاعتداء على أسرة وسرقة منزله، وقال: quot;لو افترضنا أن هناك وعيًا حقيقيًا لدى كل مواطن.. لما وقعت هذه الحادثة، التي ترتبت عليها مشاكل عدة، بدأت بمخالفة نظام الإقامة مرورًا بالسرقة وانتهاء بقتل. فحين لا تجد العمالة التجاوب والتعاطف ستغادر البلاد فوراًquot;.

من جانبه، يقول عضو جمعية الاقتصاد السعودي عبد الحميد العمري لـquot;إيلافquot; أعتقد أن الوضع وصل إلى أخطر مراحله، التي تهدد استقرار أي اقتصاد، فوجود مثل هذه العمالة السائبة، بهذه المستويات المرتفعة، يعتبر أكبر مزود لأنشطة اقتصاديات الظل، والذي يُقدّر في الوقت الراهن بمستويات تتراوح بين 40 إلى 50 % من حجم الاقتصاد، وأضرار استشراء مثل هذه النشاطات في الاقتصاد تعتبر أمرًا خطرًا؛ لكونها تتسبب في حرمان الاقتصاد من خلق الوظائف للمواطنين، وتساهم في زيادة التسرب الاقتصادي والمالي إلى الخارج، هذا عدا عن أنها تهدد مستويات الجودة والإنتاجية في داخل الاقتصادquot;.

وأضاف: quot;وتزيد من عمليات التستر والغش التجاري، وامتداد مخاطره الكبيرة إلى تهديد الصحة والبيئة، إضافةً إلى الأخطار الاجتماعية والأمنية، التي يمكن أن تتسبب بها تلك العمالة، وهذا أمرٌ آخر يزيد من خطورتها إلى الحد الذي يتطلب سرعة التحرك الوطني بكل جهوده، لوقف زحفها الخطر جداً، والعمل بسرعة على إيقافها ومعالجتها لإنقاذ ما يمكن إنقاذهquot;.

وحول ما إن كانت غالبية العمالة السائبة تحمل أمراضًا معدية وأصحاب سوابق إجرامية في بلدانهم، قال العمري quot;بدون شك أن مثل هذه المخاطر قد تكون موجودة في تلك العمالة السائبة، رغم عدم وجود إحصاءات دقيقة حولها، إلا أنها تظل أحد الاحتمالات الخطرة الواردة في خريطة هذه العمالةquot;.

عن رأيه حول فكرة تحسين وضع العمالة المخالفة لنظام العمل من خلال منحهم إقامة نظامية وفق ضوابط وشروط، قال quot;إن ذلك هو جزء من الحل! ولكنه ليس كل العلاج لهذه القضية، المفترض أن يكون استقدام العمالة من الخارج بقدر الحاجة إليهم، ووفقاً لاعتبارات سوق العمل والأوضاع الاقتصادية، وبما يحقق العائد الأمثل مالياً واقتصادياً للاقتصاد الوطني، حسب النشاطات الإنتاجية، التي سيتم توظيف تلك العمالة فيها، ومع الأخذ بعين الاعتبار عدم الإضرار بسياسات السعودة.

وتابع يقول: أخيراً، قد يكون الضمان الأسلم في هذا الخصوص، هو ضبط عملية الاستقدام وتنظيم إصدار التأشيرات من قبل وزارة العمل، فما يجري الآن على هذا المستوى، أعتقد أنه واحد من أهم أسباب انتشار هذه العمالة السائبة في البلاد، ولعل بلوغ عمليات استخراج التأشيرات والمتاجرة بها، كنشاط منفصل عن احتياجات السوق المحلية، يعبّر عن صلب وأساس المشكلة وخطورتها كافٍ للإنذار بمدى خطورة الوضع، وأنه قد يكون السبب الأول والأهم في صنع هذه المشكلة الخطرة، التي تهدد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وحتى الأمني.

وأضاف: quot;نعم المتاجرة بالتأشيرات برأيي.. هذا هو السبب الأول والأخطر، والحل طبعاً موجود ويكمن في أن تُحكم وزارة العمل سيطرتها على هذه الثغرة الخطرة، عبر ربط طلبات الاستقدام بالأنشطة التجارية والاقتصادية، وبقاعدة البيانات التيلديها، والتي تقدم لصاحب قرار الموافقة بمنح مثل تلك التأشيرات من عدمه الصورة الكاملة، وبذلك تُغلق الأبواب أمام التدفق غير المقنن لتلك العمالة، وتقطع الطريق على المتورطين في المتاجرة باستخراج تلك التأشيرات والمتاجرة بها، وبهذا يكون طالب التأشيرة هو المستفيد الوحيد منها حسب احتياجاته فقط.

موضحًا أن قرار النظام القائم الآن في وزارة العمل يقنن هذه العملية، ولكن ما يحدث على أرض الواقع مخالف له. وبالتالي فالمتاجرة في التأشيرات هو نشاط مخالف لأنظمة وزارة العمل، وفي حال عجزت وزارة العمل عن تطبيق مهامها ومسؤولياتها فهذا قصور منها، يستوجب محاسبتها عليه، وبالتالي فلا أرى الحاجة إلى إصدار مثل هذا القرار.