الخبير الإقتصادي محمد الفريوي

يؤكد الخبير الإقتصاديمحمد الفريوي لـquot;إيلافquot; أن أزمة الديون الأوروبية لها تأثير مباشر على الإقتصاد التونسي،نظراً إلى ارتباط تونس إرتباطاً وثيقاً بالسوق الأوروبية المشتركة، التي تستقبل 80% من صادراتها، وفي حديثه لنا شرح مدى تأثير الأزمة على الإقتصاد التونسي، وبيّن الحلول الممكنة لعودة الإقتصاد إلى نسب النمو الإيجابية.


بدأنا حديثنا معالخبير الإقتصاديمحمد الفريويبسؤاله عن الأزمة الحالية...إن كانت بالأساسأوروبية أم عالمية؟

ما هو تعريف الأزمة، هي في الأساس إختلال في التوازن الإقتصادي، فالإقتصاد العالمي قد دخل منذسنوات في ما يسمّى بالعولمة،أي بمعنى فتح الأسواق، وإزالة العراقيل من أجل اقتصاد موحد، وبالتالي لا يمكن أن نقول إنها أوروبية فقط أو صينية، بل لها إنعكاساتها على اقتصادات كل دول العالم.

لقد بدأت الأزمة في العام2008 في أميركا، وقبل ذلك كانت في آسيا، والآن وصلت إلى أوروبا، وهي في الواقع أزمة دول وحكومات تداينت لتمويل العجز في ميزانياتها.

بعد اليونان جاء الدور على دولة قوية وهي إيطاليا، لماذا؟

القاعدة الإقتصادية الذهبية في الأساس أنه لا يمكن أن تنفق وأنت لا تملك الإمكانيات لذلك، بالنسبة إلى اليونان فقدأنفقت الحكومة اليمينيةبماتجاوز حدّ الإيرادات، وعندما جاءت الحكومة الإشتراكية وجدت نفسها مختنقة غير قادرة على التصرف. أما إيطاليا فقد تضاعفدينها،وكانت قدرتها على السداد محدودة، وفي أوروبا ككل، أصبحت هناك وحدة نقدية خاصة تسمّى quot;اليوروquot; للتعامل بينالدول، في المقابل لايوجدبينها تكافؤ من الناحية الإقتصادية، وهذا هو سبب الإختلال الذي حدث ونتجت منه الأزمة.

الدين الإيطالي كان الأكثر أهمية من الدين اليوناني، لأن أوروبا تقريباً وجدت الحل للوضع اليوناني، ويمكن لأوروبا تقديم المساعدة لها، بينما إيطاليا فديونها يصعب تغطيتها.

يقال إن مؤسسات التصنيف الإئتماني العالمي هي السبب وراء المشاكل الإقتصادية القائمة حالياً، وبالتالي هناك دعوات إلى تقنين عمل هذه الوكالات... فما رأيك؟

تجريهذه المؤسسات عمليات التصنيف للدول، بناء على مؤشرات ومعطيات، تقدمها الدول نفسها، وقد تعرّض هذا الدور الذي تقوم به الوكالاتلإنتقادات عديدة.

ففي عام 2008 عندما لم تقم مؤسسات التصنيف هذهبدورها، حدثت أزمة إقتصادية عالمية، وبالنسبة إلى تونس فقد تمت إعادة تصنيفها بعد الثورة، وبالغوا في ذلك، حتى إن مسؤولي البنك المركزي التونسي تحدثوا عن هذا التصنيف غير العادل.

هذا سؤال أساسي لما يحدث الآن بسبب الأزمة الإقتصادية الحالية، فوكالات التصنيف تحكم وتتصرف وتقوّم إقتصادات الدول، ولها أربعة مبادئ، وهي أولاً المسؤولية عن إتخاذ القرار وتحمّل كل المسؤولية في ذلك، وثانيًا الشفافية، أي توفير معلومات شافية ودقيقة، وبالإمكان التثبت من صحتها، وتعطينا بالتالي حقيقة ما هو موجود، وثالثًا مبدأ التعامل بالإنصاف، أي يمكننا أن نأخذ المعلومات التي نريد، ومتى نريد، وتصبح متاحة بالنسبة إلى الجميع، ورابعًاالمساءلة.

كما إن وكالات التصنيف تنظر جيداً إلى الأمور المستقبلية، وكيف يمكن للدول أو المؤسسات أن تفي بتعهداتها، فاليونان مثلاً صنفت من ضمن الدول quot;غير القادرة على السدادquot;، وهذا ما جعلها تقترض بفائدة تصل إلى 20 أو 25%، وبالتاليغرقتفي أزمتها الحالية، بينما الدول المصنفة (AAA) نجدها تقترض بنسب فائدة لا تتجاوز 5 أو 6%.

لكن هناك تضاربًا في مؤشرات وكالات التصنيف، بمعنى أنها تختلف من وكالة إلى أخرى، وهذا ما دفع الإتحاد الأوروبي إلى المطالبة بتقنين عمل هذه الوكالات.

لماذا أسّست هذه الوكالات التصنيفية ولمصلحة من تعمل؟

هي أساساً تعمل لفائدة المستثمرين، وتعتبر مرجعية لهم في شراء السندات أو الأسهم من البورصة، ويعتمدون عليها في الإستثمار.

هل وجود أزمة إقتصادية أوروبية يعني بالضرورة أزمة إقتصادية تونسية؟

نعم نعيش العولمة، وهي تعني الإنفتاح، وتونس لها علاقات قوية مع أوروبا في حدود 80 %، حيث إن أي أزمة تصيب تلك البلاد ستؤثر على صادرات تونس إليها، بفعل ضعف القوة الشرائية للمواطن الأوروبي جراء الأزمة.

لكن دكتور الفريوي... هل هناك إحتمال قائم في توجّه المستثمرين لنقل إستثماراتهم من أوروبا إلى تونس؟

إلى جانب المردود الجيد للإستثمار، هناك شروط أخرى أساسية، يسأل عنها المستثمر، منها السؤال عن الأيدي العاملة الماهرة والمبدعة، والمزايا الأخرى، التي ترفع الأرباح، فإذا وجد هذه الميزات في تونس، فلم لا يستثمر؟!.

هل هذه الشروط الضرورية متوافرة اليوم في تونس بعد الثورة؟

هناك ميزات تفاضلية، وهي مبنية أساسًا على اليد العاملة المدربة، وبأسعار أقل من السوق الأوروبية، ولكن الوضع الحالي في تونس عبارة عن وضع إجتماعي غير متوازن وغير مستقر، لا يشجّع المستثمر الأجنبي الأوروبي على الإستثمار، إلى جانب عدم وضوح الرؤية السياسية للإقتصاد، وهذا الوضع جعل العديد من الشركات يغادر تونس، وبعضها أغلق أبوابه، فتوقف فيه الإنتاج، ومعها خسرنا آلاففرص العمل.

لقد عشنا حالة مخاض منذ بداية الثورة، ولكن الآن لا بد من وقفة تأمل، وبالتالي نحن في حاجة إلى مدونة سلوك، يوافق عليها الجميع، وإلى تواصل وطني بين كل الفئات، وكفى فوضى وإعتصامات، ومن تثبت إدانته يجب أن يحاسبه القانون، الذي من المفروض أن يكون فوق الجميع.

هل هناك حلول لتجاوز هذه الأزمة؟

البنك الدولي يقوم بتسليف الدول، والمستثمرون الأجانب ليست لهم علاقة بالدول مباشرة، بل بالحياة الإقتصادية في بلد معين، والدولة يمكن أن تستثمر في البنية التحتية التي تسهل عملية التواصل والتقارب بين المستثمر ومكان الإنتاج، من ذلك المطارات والطرق السريعة والسكك الحديدية، وفي المحصلة فإن المستثمر الأجنبي يبحث عن الميزة التفاضلية في بلد معين، والتي تتمثل في اليد العاملة المدرّبة القادرة على إنتاج أفضل.

وللعلو بإقتصادنا، يجب توجيه التصدير نحو الأسواق الواعدة، وذلك يتطلب قدرة تنافسية، أي يفترض الترويج السريع لمنتوجنا في الأسواق الخارجية الأخرى، والقدرة التنافسية تتمثل في السعر والجودة والوقت، من جهة ثانية لا بد أن تكون في الأسواق الخارجية طاقة شرائية، وهذه إشكالية أخرى، على غرار أوروبا حالياً، وبالتالي لا بد من إدماج إقتصادنا في الدورة الإقتصادية العالمية وربطه مباشرة بالأسواق الواعدة.

ماذا عن التجربة التركية التي إستلهمت منها حركة النهضة النظام الإقتصادي؟

تركيا كانت في وقت من الأوقات هي التي تقوم بالإستثمار الأهم، وتمنح الأرض، وتبني المصانع للمستثمرين، وتطلب منهم الإنتاج والتصدير، وبالنسبة إلينا التوجّه نحو الإستثمار المباشر يخفض من الديون العامة للدولة، ويتوجه مباشرة إلى القطاع الخاص، وهذا هو الموضوع المطروح.

هل تكون سياسة التقشف التي إعتمدتها بعض البلدان الأوروبية حلاً مطروحاً في تونس؟

ما يعقب الثورات وفي كل البلدان إضطرابات وإعتصامات وإرتفاع في الأسعار وعجز تجاري وإرتفاع في نسبة البطالة وتضخم مالي، ولكن في المرحلة الإنتقالية، وبعيداً عن سياسة طرح الديون، لا بد من إيفاء تونس بإلتزاماتها مع الخارج، حتى تبقى صورتها الجيدة، وهو موضوع أساسي، والظرف الذي نمر به الآن ظرف إستثنائي، وهو نتيجة إضطرابات إقتصادية، ولكن لمنصل بعد إلى درجةالإنهيار الإقتصادي في تونس، وما زلنا نحافظ على التوازنات العامة، والمطلوب منا الآن هو الخروج من حالة الركود الإقتصادي، وبلوغ نسب نمو إيجابية، وخلقفرص عمل، وبالتالي يجب إطلاق مشاريع كبرى في البنية التحتية في المناطق النائية، وهو ما يساعدنا على ضخ أموال في هذه المناطق وخلقفرص العمل.

كما إنناقادرون على إستيعاب مشاريع زراعية كبرى في تونس، وذلك عن طريقالتمويلمن مؤسسات دولية مستعدة للتعاون مع تونس، على غرار البنك الدولي أو البنك الأوروبي أو البنك الإفريقي للتنمية، إلى جانب البلدان الصديقة والشقيقة علىشكل قروض أو هبات أو إستثمارات، حتى يعود الإقتصاد إلى نسب نموإيجابية، وحينها يمكن التفكير في الإلتجاء إلى السوق العالمية من جديد.

كما على أي حكومة تونسية مقبلة أن تقوم بالبناء بيد، والتطهير باليد الثانية، ومدّ اليد إلى كل من يساعد البلاد، ويريد أن يستثمر فيها، لكي نوجّه إقتصادنا نحو القطاعات الواعدة.