رغم الإختلاف حوله سياسياً، إلا أن هناك شبه إجماع على خبرته الإقتصادية والإدارية، إنه الدكتور كمال الجنزوري رئيس مجلس الوزراء المصري. وبينما يرفضه ميدان التحرير وشبابه وثائروه، تقبله غالبية الشعب وتطالبه بمنحه فرص العمل، حتى يستعيد الإقتصاد عافيته.


كمال الجنزوري رئيس مجلس الوزراء

القاهرة: رغم الإختلاف حوله سياسياً، إلا أن هناك شبه إجماع على خبرته الإقتصادية والإدارية، إنه الدكتور كمال الجنزوري رئيس مجلس الوزراء المصري الذي تولى الحكومة في أعقاب أعمال العنف، التي شهدتها مصر يوم 19 نوفمبر الماضي، في ما عرف بـquot;أحداث محمد محمودquot;، التي راح ضحيتها 43 قتيلاً، وآلاف المصابين، وبينما يرفضه ميدان التحرير وشبابه وثائروه، تقبله غالبية الشعب وتطالبه بمنحه فرص العمل، حتى يستعيد الإقتصاد عافيته، لاسيما أن مصر صارت قاب قوسين أو أدنى من الإفلاس. لكن هل يستطيع الجنزوري، بما لديه من خبرة إقتصادية وإدارية واسعة، إنقاذ الإقتصاد المصري، ومنحه قِبلة الحياة؟... هذا ما يحاول الخبراء الإقتصاديون الإجابة عنه.

مقومات النهوض
وفقاً للدكتور محمود على مسعود أستاذ الإقتصاد في جامعة القاهرة، فإن الإقتصاد المصري لديه مقومات جيدة للنهوض من جديد، وقال مسعود لـquot;إيلافquot; إن السياحة في مصر لم تشهد تدهوراً شديداً، حسبما يروّج البعض. وأشار إلى أن الإحصائيات تقول إن الموسم السياحي في الربع الثالث من العام 2011، إنخفض بمعدل 1.3% فقط عن الفترة نفسها في العام 2010.

منوهاً بأن هذا المؤشر يدل على أن مصر ما زالت لم تفقد حصتها من السائحين بشكل كبير، وأنها تستطيع جذب المزيد منهم في حالة إستتباب الأمن، وتوقف المناوشات، التي تحدث في ميدان التحرير، من وقت إلى آخر. ولفت مسعود إلى أن السياحة تعتبر مصدرًا أساسيًا من مصادر الدخل القومي، ويعمل فيها نحو خمسة ملايين شخص، وفي حالة عودة الإنتعاش إليها سوف يشعر المجتمع بحدوث تقدم في الإقتصاد، حيث ستتوافر فرص عمل جديدة، ويعود من فقدوا أعمالهم إليها من جديد.

تهيئة المناخ
غير أن مسعود، يرى أن الجنزوري لا يمكنه فعل ذلك بدون إستقرار الأوضاع الأمنية، وتوقف الإعتصامات والمظاهرات في ميدان التحرير، التي يتنج منها أعمال عنف تسيء إلى صورة مصر الخارجية. وأكد مسعود أن الجنزوري، بما لديه من خبرات إقتصادية وإدارية واسعة في العمل في مصر، قادر على إدارة الأمور بشكل جيد، مشيراً إلى أن الجنزوري لن يستطيع منح الإقتصاد قبلة الحياة، لكنه يستطيع وضعه على جهاز الإنعاش تمهيداً لمن يتأتي بعده ويمنحه قبلة الحياة.

وأوضح أن الجنزوري قادر على تهيئة المناخ اللازم لإنتعاش الإقتصاد من خلال حزمة الإجراءات التي يتخذها حالياً، ومنها وضع سقف للمرتبات الخاصة بالوزراء وكبار المسؤولين، وترشيد الإنفاق غير الضروري، مثل السفريات والرحلات الخارجية لكبار المسؤولين، ونفقات تجديد أثاث المكاتب والسيارات الجديدة، وتقليل أعداد المستشارين العاملين في مختلف مؤسسات الدولة، وسحب الأراضي من المستثمرين غير الجادين. معتبراً أن هذا الإجراءات جيدة وسوف تؤتي ثمارها سريعاً، وتوفر أموالاً للدولة.

لن يمنحه قبلة الحياة
وكان رأي الدكتور محمد منصور أستاذ الاقتصاد جامعة الأزهر أكثر تشاؤماً، فقال إن الجنزوري أو البرادعي أو أي شخصية أخرى لن تستطيع منح الإقتصاد المصري قبلة الحياة، مهما كانت قدراتها وخبراتها السياسية والإقتصادية، وأوضح لـquot;إيلافquot; أن المجتمع هو المسؤول الأول عن إنعاش الإقتصاد المصري، مشيراً إلى أن الغالبية العظمى في مصر بعد الثورة تتعامل معها بإعتبارها سوف تجعل السماء تمطر ذهباً وفضة.

ولفت منصور إلى أن الغالبية تطالب بحقوق وزيادات في الرواتب، وفي المقابل لا تمارس عملها بشكل يزيد من الإنتاج عنه قبل الثورة، فضلاً على الإستمرار في الإعتصامات والإحتجاجات الفئوية والسياسية، وأعمال العنف في ميدان التحرير. مؤكداً أن كل هذه العوامل قاتلة لأي إقتصاد في العالم، ولا تساعد أي مسؤول على العمل.

عجز غير مسبوق
وأضاف منصور أن الموازنة العامة تعاني عجزًا غير مسبوق، يقدر بنحو 134 مليار جنيه، إضافة إلى إنخفاض الاحتياطي من العملات الأجنبية بشكل كبير، مما أدى إلى انخفاض موقع مصر في التصنيف الائتماني، وجعل المؤسسات المالية الدولية ترفض إقراض مصر أو تضع شروطاً تعجيزية أو تمسّ سيادتها الإقتصادية.

ودعا منصور شباب الثورة والقوى السياسية والعمال والموظفين إلى الكفّ عن المظاهرات والمليونيات أو ترشيدها، بما لا يضرّ بالإقتصاد، مشدداً على ضرورة الخروج في مليونية من أجل العمل والإنتاج، مشيراً إلى أن هذه الأحوال لو إستمرت بعد تولي رئيس منتخب إدارة البلاد فلن يكون هناك خير، وسوف ينهار الإقتصاد المصري تماماً، ويتوقع عندها إندلاع ثورة جديدة، ولكنها ستكون ثورة جياع.

الظروف قاتلة
وحسب وجهة نظر الدكتور محمود عبد الحي، عميد معهد التخطيط السابق، فإن الظروف المحيطة بحكومة الجنزوري، وما تتعرّض له من عقبات قد تحول دون إنعاش الإقتصاد، مشيراً إلى أن إقتصاد أي دولة ينمو، ويحقق نجاحات في ظل الإستقرار والهدوء والديمقراطية، لأن رؤوس الأموال تخشى من الفوضى والحروب والإستبداد.

وأضاف أن الثورة لا تعني هدم كل مؤسسات الدولة وتدمير اقتصادها، ولفت إلى أن أحدًا غير قادر على النهوض بالإقتصاد، حتى لو كان الدكتور محمد البرادعي، الذي إختاره ميدان التحرير لتشكيل الحكومة، ما دامت الظروف الحالية قائمة. وأشار عبد الحي إلى أن المسؤولين في مواقع إتخاذ القرار في مصر يعيشون في حالة إرهاب ورعب، وغير قادرين على إتخاذ أية قرارات جريئة من أجل الإقتصاد، خشية التعرّض للمساءلة القانونية أو الإتهام بالفساد والزجّ بهم في السجون. إضافة إلى أن رجال الأعمال يعانون الأزمة نفسها، وصار لقب رجل الأعمال مرتبطاً بالفساد، مما يعوق ضخّ إستثمارات جديدة أو التوسع في الإستثمارات القائمة.

وحمّل عبد الحي الإعلام جزءًا من مسؤولية الأزمة، وقال إنه يطرح أفكاراً ويناقش قضايا هامشية من دون التطرق إلى الأزمات الحقيقية، موضحاً أنه يختزل فوز الإخوان والسلفيين بالغالبية في البرلمان في تطبيق الشريعة والوضع بالنسبة إلى المرأة والأقباط، ويمارس التخويف ضد المصريين والأجانب والمستثمرين أيضاً، في حين أن الواقع مخالف لذلك تماماً، فالمجتمع هو من يصيغ علاقات الإجتماعية، وليس تيارًا سياسيًا معينًا.