يشدّد الخبير الاقتصادي الجزائري د.بشير مصيطفى، على أنّ تسقيف الأسعار في بلاده ردا على الاحتجاجات الأخيرة هو إجراء قصير النفس وجدواه محدودة، أمام حاجة الجزائر الماسة إلى مراجعة سياستها الاقتصادية وتبني نموذج تنموي مغاير ينتصر للتنوع وينتج الثروة، وبما يحرّر أيضا التجارة الخارجية من الاحتكارية واللاتنافسية.


الجزائر: في حديث خاص بـquot;إيلافquot;، يسجل الدكتور مصيطفى أنّ سوء إدارة الاقتصاد الجزائري وتفشي فساد الدولة بجانب عدم خضوع الإدارات المحلية لمبدأ quot;الحوكمةquot; يرهن الخطة الإنمائية الخماسية، كما يقرّ بكون الإدارة الرديئة للاقتصاد أضرّت بجميع المتعاملين وتعامت عن المحتكرين، وصنعت من الضريبة عدوا حقيقيا للمستثمرين.

middot; رأى متابعون أنّ احتجاجات الثلاثة أيام في الجزائر مؤخرا، عكست وضعا اجتماعيا مترديا في البلاد، ما الذي أوصل هذا البلد إلى ضيق العيش والتهاب الأسعار؟ وهل حقيقة أنّ السوق الموازية تتحمل لوحدها فوضى الزيت والسكر وتوابعهما؟

- النشطون في السوق الموازية استغلوا ضعف منظومة الإنتاج في الجزائر وتسيّب التجارة الخارجية المبنية على الاحتكار في تحقيق أرباح ضخمة عن طريق فرض أسعار احتكارية وغير تنافسية، وفي كل اقتصاد احتكاري من الصعب تحقيق السعر التنافسي مما يتطلب من الحكومة التخلي عن طريق تسقيف الأسعار وهو إجراء قصير النفس وجدواه محدودة أمام اختيارات أفضل، أي تنويع الإنتاج وإلغاء كل العراقيل أمام الاستثمار المنتج وخاصة في قطاعات حساسة مثل المنتجات الغذائية.

middot; اعتمدت الحكومة إجراءات لخفض الأسعار يمتد مفعولها إلى 31 أغسطس/آب القادم، هل ستسهم هذه الخطوة الظرفية فعليا في ترسيخ استقرار اجتماعي دائم؟ ومن موقعكم كخبير، ماذا تقترحون للارتقاء بالمستوى المعيشي العام والتحكم في الأسواق المحلية؟

- هي إجراءات ذات طابع استعجالي تمنح الحكومة فرصة لاتخاذ قرارات مناسبة في المستقبل، وأظنّ أن قانون المالية التكميلي 2011 سيحمل تدابير جبائية ترسّخ مبدأ خفض الأسعار في سلة المواد الواسعة الاستهلاك، والمطلوب أكثر من ذلك أي إعادة النظر في السياسة الاقتصادية للجزائر على قاعدة quot;استثمار صفر عوائقquot; أي تحرير قطاع الاستثمار أسوة بقطاع التجارة سابقا.البديل الأنجع هو تمتين الاقتصاد الوطني على قاعدة التنوع وإنتاج الثروة بدل الاعتماد على الريع في تمويل الطلب الاجتماعي وتوزيع الدخل.

middot; لا تزال الجزائر ضمن دائرة البلدان التي يتمحور فيها متوسط دخل الفرد الأدنى بحدود 2400 يورو سنويا، بالرغم من تصنيف الجزائر إلى جانب الدول النفطية التي يربو معدل الدخل الفردي فيها عن التسعة آلاف يورو سنويا، ما خطر معطى كهذا في تعفين اجتماعي متجدد ونشوب ثورة شعبية ؟

- هذا يدل على سوء توزيع الدخل وعلى ضعف نظام الجباية الذي مازال يعيق نمو القدرة الشرائية لطبقة الموظفين والعمال، كما أن ضعف بنية الإنتاج كرست من الخسائر على مستوى التجارة الخارجية وحرمت الخزينة من فرص جيدة في مجال الضريبة على الأرباح . لو اتبعت البلاد نموذج التنمية على قاعدة الثروة بدل الريع لتحسن مستوى المداخيل ولو حررت الجزائر سوق الاستثمار لأمكن تحقيق قيمة مضافة في الاقتصاد تسمح بتوزيع أفضل للدخل.

middot; ترجع السلطات ارتفاع حدة التضخم في كل مرة إلى المضاربة في المواد الاستهلاكية، ما مدى صحة هذا الطرح، وما هي بنظركم الأسباب الحقيقية للتضخم في الجزائر؟

- التضخم في الجزائر جله مستورد بسبب ارتباط البلد بالأسواق الخارجية بنسبة تصل إلى 90 بالمائة في مجال السلع والخدمات، وزاد من التضخم اتجاه التجارة الخارجية للجزائر والتي هي تجارة احتكارية وأسعار بضائعها غير تنافسية بل غير حقيقية مقارنة باتجاه الأسعار في الأسواق الخارجية. المطلوب حاليا تحرير التجارة الخارجية على سلم المنافسة وتحرير سوق الاستثمار الوطني على سلّم إنتاج الثروة وإلغاء جميع العوائق وتحرير المبادرة الخاصة على سلّم تبسيط الإجراءات والعدالة عند تسليم الصفقات.

middot; كيف تقاربون راهن الاقتصاد الجزائري وسيرورة البرنامج الإنمائي الممتد إلى 2014، هل تؤيدون وجود اختلالات ونقاط ظلّ، وما سرّ إحجام الإدارة المحلية عن منح المرونة اللازمة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي يشتكي عرّابوها من تجميد مزمن يطال ملفاتهم؟

- الخطة الخماسية المذكورة جد طموحة بحكم حجمها في الإنفاق العمومي الذي هو 286 مليار دولار ولكن سوء إدارة الاقتصاد وتفشي فساد الدولة وعدم خضوع الإدارات المحلية لمبدأ quot;الحوكمةquot; قد يرهن أهداف الخطة بل قد يحولها إلى ساحة أخرى للفساد وسوء التسيير . لهذا المطلوب، هو تفعيل أجهزة وآليات الرقابة على استخدام المحافظ الاستثمارية ومتابعة المشاريع أولا بأول مع تطبيق القانون على جميع المتدخلين في العملية الاستثمارية وعمليات الانجاز سواء من الجانب الجزائي أو العقوبات.

middot; رغم حديث الحكومة الجزائرية عن نجاحها في ترجيح كفة ميزانها التجاري، إلاّ أنّ الإنفاق كبير والنتائج هزيلة بنظر متابعين، حيث أنّ المخصصات المالية الضخمة لم تحرّك كبرى المشروعات النائمة، مثلما لم تحل دون تراجع الاستثمارات الأجنبية بشكل محسوس، أين يكمن الإشكال برأيكم؟

- العبرة ليست بالفائض التجاري في دولة تشكل المحروقات 97 بالمائة من صادراتها ولا يزيد تصديرها من الثروات عن 1.6 مليار دولار، في حين بلغت صادراتها من المحروقات 56 مليار دولار في العام2010. لكن العبرة بمتانة الاقتصاد وقدرته على تحمل الصدمات وهذا يتطلب إدارة جيدة للعملية الاقتصادية وحوكمة حقيقية في مجال السياسات، إنتاج الريع لابد وأن يخدم إنتاج الثروة حتى تتمكن المؤسسة الإنتاجية من النمو في وسط دولي تنافسي، وغياب هذه الإدارة الجيدة هو سبب تأخر المشاريع وتعطل بعضها وهو أيضا سبب البطالة وسوء تخصيص الموارد.

middot; تحتدم مطالبات متعاملين اقتصاديين برفع أيادي الإداريين على ملفات الاستثمار من دون استثناء، هل ذاك معناه سوء تسيير إداري وما هي خلفية تعطيل ملفات الاستثمار في بلد ظلّ يدعو المستثمرين للخوض في أسواقه وتحريك الآلة المنتجة، ومع ذلك يسيطر التعاطي البيروقراطي الذي أسهم في تنفير عديد المتعاملين؟

- نعم، الإدارة الرديئة للاقتصاد مست جميع المتعاملين في أسواق الإنتاج سواء من المواطنين أو الأجانب، فقط متعاملو التجارة الخارجية وخاصة محتكرو المواد الإستراتيجية يحظون بأرباح دائمة الشيء الذي يدفع إلى ضرورة إعادة النظر في تعاطي الحكومة مع ملف الاستثمارات باعتماد نموذج quot;استثمار دون عوائقquot; في قطاعات محددة تخدم تنوع الاقتصاد.

middot; تتموقع الجزائر كثالث دولة في العالم بعد السويد وفرنسا من حيث حجم ما تفرضه من رسوم ضريبية على الشركات، ما مدى الجدوى الاقتصادية لنمط ضريبي كهذا؟ وما هي انعكاساته مستقبلا؟

- الضريبة عدو حقيقي للاستثمار في الجزائر لأن نسبتها تصل في المتوسط الى 51 بالمائة وهذا كثير، ومن سوء إدارة الاقتصاد تضخيم الجباية العادية في حال توفر الجباية البترولية كما هو حال الجزائر، والمطلوب حاليا quot;قانون جديد للجبايةquot; مبني على حكمة الضريبة وأهداف التوزيع الجيد للدخل أي على الضريبة quot;الصديقةquot; للاستثمار وليس المعيقة له.

middot; إلى أي مدى سيؤثر شبح نفاذ النفط في آفاق العام 2030، على حركية اقتصاد جزائري تهيمن عليه المحروقات، وهل يمكن للطاقات البديلة أن تعوّض الذهب الأسود؟

- مللجزائر ميزات تنافسية في مجال الطاقة الشمسية الخا ولكن ضعف التكنولوجيا سيرهن تلك الميزات بين يدي الدول المستهلكة للطاقة وخاصة دول الاتحاد الأوربي، والاعتماد على الطاقة الشمسية مستقبلا تكرار لمشهد الاقتصاد المبني على الريع، ما لم تتم الاستفادة من التجربة التاريخية السابقة وتحويل الريع إلى رأسمال إنتاجي بين يدي المؤسسة الإنتاجية الخاصة والعمومية.

middot; كيف السبيل برأيكم لتحجيم ظاهرة البطالة في الجزائر، وماذا بشأن التباينات بين حصرها من وجهة نظر الحكومة في 10.2 بالمائة، فيما ترفعها هيئات غير رسمية إلى 25 بالمائة؟

- تحرير سوق الاستثمار وإطلاق النموذج الذي دعونا إليه وهو quot;استثمار صفر عوائقquot; وتحرير المبادرات الخاصة مع كسر الاحتكار بتوفير ضمانات اعتماد المشاريع حسب المعايير الدولية. يجب دعم المنظومة التعليمية على أساس التعليم من أجل الحياة والعمل وليس التعليم من أجل التعليم، هناك عقبات يجب كسرها على مستوى التمويل البنكي والعقار وقانون الصفقات والإدارة الاقتصادية.