تدفق الموظفون على منطقة وسط القاهرة التي تتركز فيها البنوك والمصالح الإدارية، واصطف العملاء للتعامل على حساباتهم الأحد مع عودة البنوك المصرية للعمل بعد إغلاق دام أسبوعًا جراء احتجاجات سياسية، بينما تراجع الجنيه المصري بشكل طفيف بعدما هدأت وتيرة أحداث العنف وأفسحت الطريق لمفاوضات سياسية.


القاهرة: تأهب المصرفيون لفوضى في غرف المعاملات النقدية مع خروج المستثمرين الأجانب ورجال الأعمال المحليين من الجنيه المصري، بعدما أصابت الاحتجاجات معظم الاقتصاد بالشلل، وجففت مصادر مهمة للنقد الأجنبي، إلا أن الجنيه المصري أغلق عند مستوى 5.93 جنيه للدولار ليتراجع نحو 1.3 % منذ آخر معاملات في 27 كانون الثاني/يناير.

وقال آنغس بلير رئيس الأبحاث لدى بلتون فايننشال quot;بالنظر إلى الطريقة التي تسير بها الأمور لا نتوقع خروجًا من الجنيه المصري في الوقت الحالي. نعتقد أن المناخ السائد أهدأ كثيرًا عما افترضناه الأسبوع الماضي. كنا نفترض أن نشهد بعض عمليات تحويل الجنيه المصري إلى الدولار لكن النظام بإمكانه التعامل مع الأمرquot;. وتابع quot;أعتقد أن كل يوم يشهد تحسنًا قويًا في الاستقرار. وفي حال استمرار التحسن ربما تعود الأوضاع إلى طبيعتها في نهاية الأسبوعquot;.

وكان الجنيه المصري سجّل أدنى مستوى في ست سنوات في أول يومين من التداول بعد اندلاع التظاهرات في 25 كانون الثاني/يناير. وسعى البنك المركزي إلى طمأنة المستثمرين في الأيام الماضية، وظهر فاروق العقدة محافظ المركزي في مقابلة تليفزيونية نادرة مساء السبت قبل عودة البنوك للعمل.

وقال العقدة إن البنوك ستواجه بالطبع بعض المشاكل هذا الأسبوع، لكنها ستكون قادرة على التعامل معها من خلال خبرتها السابقة. وأعرب عن ثقته بأن السوق ستعمل بنظام. أما منى منصور الاقتصادية لدى سي.آي كابيتال فأوضحت أنه quot;بالنسبة إلى الاستثمارات الخاصة، لا أعتقد أن المستثمرين سيخرجون من مصرquot;.

وأضافت quot;ربما سنشهد مزيدًا من التدفقات من البورصة وquot;أدواتquot; الدخل الثابت. ربما نشهد أيضًا ارتفاعًا في عائد أذون الخزانة. تلك هي الآثار قصيرة الأجل لهذه الأزمةquot;. ولم تفتح البورصة المصرية أبوابها بعد، وقال مسؤول إنها ستظل مغلقة حتى الثلاثاء.

واصطف المتعاملون أمام البنوك وأجهزة الصرف الآلي في وسط القاهرة مع حرص المتعاملين على سحب أموال قبل إغلاق البنوك في الساعة الواحدة والنصف ظهرًا (11:30 بتوقيت غرينتش).

وقالت سعاد محمد (62 عامًا) وكانت ترغب في سحب معاشها التقاعدي quot;طفت على فروع عديدة للبنوك في وسط القاهرة منذ التاسعة صباحًا. كل فرع أذهب إليه يقولون لي إنه مغلق. أمامي ساعة أخرى قبل أن تغلق البنوك، ولم أتمكن من سحب المبالغ التي أريدهاquot;.

ناقلات جنود مدرعة للحراسة توقفت عند التقاطعات، حيث أقام الجنود حواجز بأكياس الرمل، ونقلت حافلات الموظفين إلى البنوك الحكومية الكبيرة. وقال متولي شعبان، وهو متطوع كان يضع قائمة بالعملاء لتنظيم من يدخل أولاً quot;ينبغي أن يكون هناك بعض النظام هنا. الناس متلهفة على صرف رواتبها وسحب المال. مرّ أسبوعان تقريبًا والحياة متوقفةquot;. وفتح نحو 341 فرعًا مصرفيًا، منها 152 في القاهرة أبوابه في أنحاء البلاد.

وكان مسؤولو البنوك يتوقعون يومًا من الفوضى وسط تكالب المودعين القلقين لسحب أموالهم مدفوعين بمخاوف من احتمال تقييد قدرتهم على الوصول لودائعهم مجددًا، بعدما أصابت احتجاجات الشوارع جوانب كثيرة من الاقتصاد المصري. وأكد محمود عبد اللطيف رئيس مجلس إدارة بنك الأسكندرية في مكالمة هاتفية مع رويترز أن quot;لدينا فائض صاف يبلغ أربعة ملايين (جنيه) في الفرع الرئيس. لا أعرف الوضع في باقي الفروع بعد، لكننا حققنا فائضًاquot;.

وأضاف أن بنكه، الذي تسيطر عليه شركة انتيسا سان باولو الإيطالية، كان قد فتح أبوابه بشكل غير رسمي أيامًا عدة أثناء توقف عمل البنوك لصرف المرتبات وقبول الودائع. وقال quot;لأن هناك عددًا كبيرًا من الشركات خاصة في قطاع الأغذية تحقق أموالاً ضخمة، علمًا أن كل المعاملات كانت تتم نقدًا في الأيام القليلة الماضية، لذا حصل الناس على تدفقات نقدية كبيرة، وكانوا يودعونهاquot;.

ومضى يقول إن بنكه صرف مرتبات تقدر بنحو 14 مليون جنيه، وتلقى ودائع بنحو 19 مليونًا. وتابع عبد اللطيف الذي قضى معظم اليوم في قاعة الفرع الرئيس للبنك أنه لم يحدث تدافع على سحب الودائع على الأقل في بنكه كما كان يخشى الكثيرون. وقال quot;سارت الأمور بشكل جيد للغاية وأعني ذلك. قدمنا الخدمة لأكثر من ثلاثة آلاف عميل. تم تنظيم طوابير العملاء بشكل جيد. وكان الناس متعاونين، وقدم الموظفون الخدمة بسرعة شديدةquot;.

وأضاف أن الحد الأقصى للسحب في بنكه كان 32 ألف جنيه مصري وهو أقل من الحد الأقصى الذي حدده البنك المركزي عند 50 ألفًا. وذكر أن نحو 90 % من السحوبات بالدولار كانت لتسوية خطابات ائتمان في إطار عمليات تجارية طبيعية والعشرة بالمئة الباقية كانت من أفراد قليلين، وكانت بين خمسة وعشرة آلاف دولار.

ووضع البنك المركزي حدًا أقصى للسحب بالعملة الأجنبية عند مايعادل عشرة آلاف دولار. وقال عبد اللطيف quot;كنت في الطبقة السفلى بنفسي، والناس الذين يريدون الدولارات جميعهم سيسافرون، ولذا فهم يحتاجون فعلاً الدولارات أو العملة الأجنبية لرحلاتهمquot;. وكشف المسؤول عن أن البنك فتح حوالي 20 فرعا فقط من فروعه حسب اتفاقه مع البنك المركزي لاستئناف العمل في سائر الفروع تباعا، ولأن البنوك لديها مشاكل لوجستية في توصيل الموظفين إلى المكاتب.

وقال متعاملون ومحللون إن البنك المركزي تدخل بشكل غير مباشر على ما يبدو لدعم الجنيه المصري امس. ولهذا السبب جاء التراجع أقل حدة عما كان يخشاه بعض المتعاملين. واتسمت المعاملات بالكثافة مع قيام مستثمرين أجانب ومصريين بتحويل الأموال إلى الخارج بسبب عدم الاستقرار السياسي.

وقدر متعامل حجم التداول امس بنحو مليار دولار بما يعادل مثلي أو ثلاثة أمثال المعدل الطبيعي. وقال مدير الخزانة في بنك مقره القاهرة إن هناك شراء كثيفا للدولار، لكن الدولارات متاحة عن طريق بنكين تجاريين محليين يستخدمهما البنك المركزي تقليديا للمساعدة في إدارة سعر الجنيه. وقال quot;البنك المركزي لم يتدخل على نحو مباشرquot;. وكان هشام رامز نائب محافظ البنك المركزي قد ألمح الأسبوع الماضي إلى أن البنك الذي بلغت احتياطياته الرسمية من النقد الأجنبي 36 مليار دولار في نهاية كانون الأول/ديسمبر لا يريد تراجعًا حادًا في الجنيه.

ورجح متعاملون في سوق العملات تنامي الضغوط على الجنيه اليوم الاثنين عندما يبدأ عمل البنوك خارج منطقة الشرق الأوسط بعد عطلة نهاية الأسبوع. وقال متعامل في لندن quot;الناس يحاولون الخروج. سيكون هناك المزيد غدًا، حيث أتوقع أن نختبر مستوى ستة جنيهاتquot;.

في حين أشار هشام عز العرب رئيس مجلس إدارة البنك التجاري الدولي أكبر بنوك القطاع الخاص في مصر إلى أن البنك المركزي يركز على توفير السيولة للسوق بدرجة أكبر من المحافظة على قيمة الجنيه. وأبلغ تلفزيون العربية أن الهدف الرئيس للبنك المركزي أو صناع السوق هو ضمان توافر السيولة، مضيفا أن السعر ليس الهدف. ولن تسمح الحكومة للجنيه المصري بالهبوط بشدة لأن هذا من شأنه دفع أسعار الواردات الغذائية للارتفاع بشدة، وهو من العوامل التي أثارت الاحتجاجات في شتى أنحاء البلاد.

وهوّن رامز الاسبوع الماضي من شأن المخاوف من تعرض الجنيه لهبوط حاد. وقال quot;هذا ليس صحيحا. نحن لا نعلق على مسائل العملة، ولكن هذا لن يحدثquot;. وقال متعامل في غرفة تداول للسندات في أحد البنوك في القاهرة quot;البنك المركزي يتحرك عادة بشكل حصيف عند خفض قيمة الجنيه. وهو لن يرغب في تأجيج حالة الذعرquot;.

لكن إذا استمرت الضغوط النزولية على الجنيه أيامًا عدة فقد يضطر البنك المركزي للسحب بشدة من احتياطياته بسرعة هائلة لدعم الجنيه، حتى إنه قد يذعن لقدر من خفض قيمة الجنيه. وكان قسم أبحاث الاستثمار في بنك يو.بي.اس السويسري توقع يوم الجمعة الماضي أن يتراجع الجنيه بما يصل إلى 25 % في غضون شهر ليهبط عن سبعة جنيهات للدولار. وتوقع كريدي أغريكول يوم الخميس أن يتراجع الجنيه 20 % في الأجل القصير.

لكن بعض المتعاملين يتوقعون أن يستقر الجنيه بعد بضعة أيام. وتوقع متعامل مقيم في دبي خروج نحو سبعة إلى تسعة مليارات دولار من مصر نتيجة الاضطرابات السياسية، وهو ما يستطيع البنك المركزي استيعابه بسهولة نظرًا إلى حجم احتياطياته. وقال إن الجنيه سيواجه خطرًا إذا تدفقت الأموال إلى الخارج بدرجة أكبر من المتوقع، وهو ما قد يحدث إذا طال أمد الأزمة السياسية.

ويشهد اليوم الاثنين اختبارًا جديدًا لثقة السوق في مصر عندما يطرح البنك المركزي أذون خزانة قصيرة الأجل بقيمة 15 مليار جنيه (2.6 مليار دولار) بعدما اضطر إلى الغاء مزاد الأسبوع الماضي. ومن المتوقع أن تشتري بعض البنوك المصرية الأذون لمساندة جهود الحكومة لتحقيق الاستقرار في النظام المالي، لكن من غير الواضح إن كانت البنوك الأجنبية ستشتري. ومن شأن أي اهتمام أجنبي كبير بالأذون أن يدعم الجنيه.

وبحسب متعاملين فإن تداولات السوق الثانوية في السندات الحكومية جاءت هزيلة جدا اليوم بسبب عدم التيقن السياسي، حيث لم يجد مستثمرون أجانب يعرضون بيع السندات إلا قلة من المشترين.

متعامل آخر في سوق السندات لدى بنك في القاهرة قال quot;لا نعلم كم ستكون أسعار الفائدة يوم الاثنينquot;. وأضاف أن معظم البنوك تواجه مشاكل في حساب احتياطياتها، وهو ما يجعل من الصعب عليها تقدير كم ستشتري من أذون الخزانة. ولم تقم البنوك بتسوية كثير من التحويلات ومعاملات سوق السندات في اليومين المحمومين اللذين سبقا الإغلاق بسبب الاحتجاجات السياسية. ونصح المتعامل quot;يجب أن يعرفوا أين يقفونquot;.