أثار التصريح الذي ورد على لسان الوزير الأول في الحكومة التونسية المؤقتة الباجي قائد السبسي، ومفاده عدم قدرة الدولة على دفع أجور الموظفين إذا تواصلت الإضرابات المتكررة للعمال والاعتصامات التي تعوق الاقتصاد، جدلاً كبيرًا في الشارع التونسي وتخوفًا شديدًا، خاصة لدى أصحاب الأجور من المنتمين إلى القطاع العمومي.


الاعتصامات تعوق الاقتصاد في تونس... وتخوف من عدم قدرة الحكومةعلى دفع المرتبات

زمردة دلهومي محمدي من تونس: تفيد المصادر الرسمية في تونس بأن الرصيد المتوافر بالحساب الجاري لخزينة الدولة بلغ حتى 10 مايو/أيار 2011 حوالي 549.2 مليون دينار، مما سيمكن من تغطية نفقات الأجور التي تقدر بـ400 مليون دينار شهريًا (دينار واحد = 1.3 دولار أميركي)، وهو ما من شانه أن يطمئن مبدئيًا النفوس، ويقلل من حدة هذا التصريح، الذيجعل البعض في دوامة من التساؤل، خاصة وأن معظم المنتمين إلى الوظيفة العمومية مرتبطون بقروض بنكية، ومطالبون شهريًا بسداد ما يتبقى في ذمتهم من أقساط يحلّ أجلها والتزامات أخرى.

في تصريح خص به quot;إيلافquot;، أفاد محي الدين شريف خبير مالي ومحلل اقتصادي أن التصريح الذي ورد على لسان الوزير الأول إنما هو طريقة للتعبير عن مآل الاقتصاد التونسي في صورة تواصل الاعتصامات والإضرابات وما سينجر عنها من خسائر تعود بالضرر على الدولة أولاً والمواطن ثانيًا، وبالتالي فإن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد رسالة مضمونة الوصول من الوزير الأول إلى quot;الباحثين عن البلبلة في صفوف الشعب ومثيري الفتنة، ومن يحاولون الجذب إلى الوراء لإحباط الثورة والاقتصاد التونسيquot;.

ويؤكد شريف أن المؤشرات الاقتصادية المستقاة من البنك المركزي تظهر أن التحويلات المالية للتونسيين المقيمين في الخارج تراجعت في شهر أبريل/نيسان 2011 بنسبة 12.5%، وقد تقلص احتياطي البلاد من العملة الصعبة ليصل إلى 10.5 مليار دينار تونسي، أي ما يكفي لتمويل الواردات 118 يومًا.

هذا إضافة إلى تراجع الإنتاج الصناعي التونسي بنسبة 12%، خلال الأشهر الأربعة الأولى من 2011، مقارنة بالفترة نفسها من 2010.

وأضاف الخبير أن هذه الأزمة تضاعفت، خصوصًا مع تراجع النشاط السياحي بنسبة تتراوح بين 45 و50%، وفي حركة نقل المسافرين بنسبة 25%، وبروز الأزمة الليبية على الساحة، مما ساعد في تعميق الخوف من المستقبل، خاصة لدى المؤسسات المصدرة نحو ليبيا، وتراجع نسبة توافد السياح الليبيين نحو تونس.

وقال إن ما ورد على لسان الوزير الأول يجب أن يفهم جيدًا، وان يتم العمل على الحدّ من الوصول إلى سقف التداين من الدول الأخرى، وهو ما سيكون له بالغ الأثر على التطور الاقتصادي في تونس، باعتبار ما ستفرزه الأيام القليلة المقبلة.

الأزمة تتضاعف
وأفادنا الدكتور بلحسن خالد خبير في شؤون المؤسسات أن الوقت غير مناسب إطلاقًا لتحليل آراء الوزير الأول بالمنظور السلبي للكلمة، بل إن الكل مطالب بمضاعفة الجهد لكسب الوقت من جهة، ولحماية الاقتصاد من جهة أخرى، فهذه الاعتصامات والإضرابات المتتالية لن تعود بالنفع على تونس، بقدر ما ستكون وقودًا لإذكاء نار الأزمة.

ويقول إن الوضع الراهن يستدعي العمل الجدي والتفاني من اجل الخروج بالاقتصاد التونسي من عنق الزجاجة وبنائه من جديد، فالكل يعي ما خلفته الثورة على مدى الأشهر الماضية ومدى تأثيرها على المشهد الاقتصادي والمالي، والحال أن تونس كسائر دول العالم لم تخرج بعد من تأثير الأزمة الاقتصادية التي قلبت موازين العالم بأسره بين سنتي 2008 و2009، وقد استقبلت سنة 2010 مخلفات هذه الأزمة، التي ما إن بدأت بوادر انفراجها تلوح حتى اندلعت ثورة 14 يناير/كانون الثاني لتزيد في تعميق الهوة.

ويفيد أن المعطيات الرسمية تؤكد أن الاقتصاد التونسي في السنة الماضية تأثر كثيرًا بهذه الأزمة، خاصة بسبب إغلاق بعض المصانع الأجنبية وانسحاب المستثمرين الأجانب، وأن فرص الاستثمار مفتوحة في هذا الوقت تحديدًا، خاصة أمام إزاحة العراقيل كافة التي كانت تقف أمام المستثمرين وتعقد المسار أمامهم، وهنا يدعو بلحسن، خالد خاصة شباب تونس، إلى quot;الانصراف إلى العمل الجدي، والى الاستثمار وبعث المشاريع والاستقلال عن الوظيفة العمومية وخلق مواطن عمل، من شانها أن تزيد في الإنتاج، وان تستوعب يدًا عاملة نشيطة، وتساهم في التقليص من حدة البطالةquot;.

ويشدد على ضرورة الانخراط في الحياة الجمعياتية والابتعاد عن الأفكار الرجعية ومسارات الضياع، ويقول إن الشباب التونسي مدعو أكثر من أي وقت مضى إلى العمل الدؤوب بدلاً من الاعتصامات والإضرابات التي بينت الوقائع أنها تعوق مسار التنمية الاقتصادية في البلاد.