صورة لشجار على أولوية تموين سيارة في إحدى محطات الوقود

10 أيام مضت على أزمة السولار في مصر، السيارات مازالت تقف بالطوابير للحصول على صفيحة تمنحهم جواز السير في الشوارع، مخابز أعلنت إيقاف التشغيل، وجرارات الحصاد أوقفت حركة السير على الطرق الزراعية، بعدما اصطفت طوابير طويلة أمام محطات البنزين.


القاهرة: أزمة السولار في مصر ليست جديدة على الإطلاق، بل مشكلة تتكرر كل عام، وإن كانت حدتها هذه السنة أكبر.. كما إنها تأتي بعد أزمة الغاز، التي أعلنت مصر أن إحتياطيها منه لا يزيد عن يوم، وأن دولة قطر في صدد إرسال شحنة عاجلة لها هدية من أمير البلاد. إلا أن الهدية لم تأت حتى اليوم، مما دفع وزارة البترول المصرية إلى طلب تخصيص عاجل لإستيراد الغاز هو الآخر.

مصر تستورد quot;طنquot; السولار بحوالي 1000 دولار (5950 جنيه) وتصل تكلفته بعد التحميل للمحطات إلى 6600 جنيه، فيما تبيعه إلى المواطنين بحوالي 15% من سعره (900 جنيه)، وتستورد مصر سنوياً حوالي 5.1 طن من السولار، بلغت فاتورتها خلال العام الماضي 5.1 مليار دولار، وتدفع وزارة المالية الفرق من خزينة الدولة، وبالطبع لا يمكن أن يتم دفعه من قبل المواطن، نظراً إلى الفارق الكبير بين السعرين، وحتى لو تم مضاعفة السعر، فلن يصل بأي حال من الأحوال إلا إلى حوالي ربع السعر العالمي.

الغريب أن المصريين يشترونه من السوق السوداء بأكثر من سعره الرسمي، حيث يصل السعر إلى ما بين 35 إلى 45 جنيهًا للصفيحة (20 لتر) في حين أن سعرها الرسمي 22 جنيهاً، في الوقت عينه يرفضون قيام الحكومة برفع السعر ولو قليلاً للتخفيف من عبء فاتورة الإستيراد. كما إن الكثيرين من سائقي الأجرة ما زالوا يرفضون تحويل سياراتهم إلى الغاز الطبيعي، بدلاً من السولار، بحجج واهية، مثل تأثير الغاز السلبي على الماكينة والسرعة.. إلخ، إلا أنهم في قناعة أنفسهم لا يريدون دفع مبلغ التحويل، الذي يزيد عن 4000 جنيهًا.

يتخذ المصريون من السولار وقوداً للسيارات، خاصة القديمة منها، وسيارات الأجرة والميكروباص والجرارات الزراعية والمخابز ومراكب الصيد، كما إن هناك عددًا من المصانع مازالت تستخدمه في عمليات التصنيع، خاصة المصانع الصغيرة ومصانع المواد الغذائيةوأفران صناعة الطوب.. إلخ.

والمعروف عن السولار دولياً أنه واحد من أكثر أنواع الوقود تلويثاً للبيئة، كما إنه يسبب الكثير من الأمراض الصحية، خاصة لدى الأطفال والنساء الحوامل، ويعد أكثر الأنواع الحاملة لمادة الرصاص السامة.. وقد حاول وزير البترول السابق ـ سامح فهمي ـ في الإقلال من إستيراده، وتحويل المستهلك نحو نواع أخرى من الوقود، إلا أن كل محاولاته باءت بالفشل الذريع.

وزارة المالية كانت سبق وأن أعلنت عن موافقتها على تخصيص 300 مليون دولار من إحتياطي مصر من العملات الأجنبية وبشكل عاجل لتمويل عمليات الإستيراد لشحنات السولار والغاز من الخارج، على أن تغطي تلك العمليات إحتياجات مصر حتى نهاية شهر يونيو/حزيان المقبل، ولكن خبراء يرون أن تلك المبالغ غير كافية، خاصة وأن الوزارة طلبت 600 مليون دولار لهذه الفترة، بسبب الطلب العالي على تلك المواد، وهو طلب يتجدد كل عام، ويأتي بسبب زيادة الإستهلاك في موسم جني القمح، إضافة إلى أن الحركة الإقتصادية لعدد من المصانع قد ارتفعت وتيرتها، مما زاد من عمليات الإستهلاك، وسرعان ما أستجابت لهم الوزارة، بعد تفاقم الأزمة، وقامت بمنحها مبالغ إضافية لإستيراد السولار والغاز.

الشيء اللافت في هذه الأزمة هي تصريحات المسؤولين التي لم تختلف نهائياً عن تصريحات قرنائهم إبان عهد مبارك، حيث نفى المهندس عبدالله غراب وزير البترول والثروة المعدنية المصري وجود نقص فيالسولار في مصر قائلاً: quot;المستودعات الرئيسة فى مصر فيها ما يكفى للاستهلاكquot;، مؤكداً أن موسم الحصاد هو السبب فى وجود نقص في السولار الموجود في المحطات.

كما إن المهندس محمد شعيب نائب رئيس الهيئة العامة للبترول بيّن أن الكميات المعروضة من السولار في الأسواق كافية، والهيئة ضخّت أخيراً زيادات بلغت 8% عن متوسط استهلاك مايو/أيار 2010 لتلبية ارتفاع الطلب، حيث سيتم ضخّ 40 ألف طن من السولار يومياً.

الغريب أيضاً أن وزير التضامن والعدالة الاجتماعية الدكتور جودة عبد الخالق قام بتفقد محطات السولار في إحدى المحافظات المصرية، ليكتشف بنفسه وهم تصريحات زملائه العاملين في وزارة البترول، حيث تأكد من وجود عجز كبير فى كميات السولار التي تطرحها هيئة البترول في الأسواق، وشكا له العاملون في محطات الوقود معاناتهم فى الحصول على السولار من شركات البترول، مؤكدين أن حصص المحطات من السولار انخفضت بشكل كبير، رغم زيادة إقبال المواطنين وأصحاب المنشآت على الشراء بسبب موسم الحصاد، وهو بالطبع عكس تصريحات مسؤولي وزارة البترول، فإذا كان الأمر هكذا فأين إذن المشكلة؟.

عدد من الخبراء والإقتصاديين يؤكدون أن المشكلة عائدة إلى الضمير الذي استغل غياب الرقابة، وذهب يعبث بمقدرات وثروات البلاد، هادفاً إلى تحقيق أرباح بأي شكل، حيث ذكرت الصحف أن هناك مافيا تتحكم بعمليات توزيع السولار في المحطات، كما تحكمت قبل أيام في توزيع أنابيب quot;غاز الطبخquot; ورفعت من سعره المقدر رسمياً بـ 2.5 جنيه (0.45 دولار) إلى 50 جنيه (9.5 دولار) في بعض المحافظات، وهو سعر لم يصل إليه في عهد الرئيس السابق.

ولكن غياب الضمير والرقابة جعلهم يفعلونها، وهي ايضاً من رفعت سعر صفيحة السولار إلى هذه الأسعار المبالغ فيها، والتي تتضاعف عن سعر الدولة الرسمي. الوزير نفسه وقف أمام الكاميرات، مؤكداً أن المشكلة الأساسية تكمن في غياب ضمير بعض من يستغلون الظروف الحالية لمصالحهم، متهماً موزعي السولار في المحافظات بالتلاعب في توزيع الحصص واختلاق أزمة في السوق بهدف تحقيق أرباح خيالية واستغلال الظروف الحالية التى تمر بها البلاد.

المثير في الأمر أنه ووسط هذه الأزمة، ضبطت وحدات حرس الحدود المصرية 3 قوارب صيد، تنقل كميات كبيرة من السولار المهرّب لبواخر سورية وأجنبية في عرض البحر، كما ضبطت عددًا من المقطورات المحملة بالمواد البترولية لسفن أجنبية مارة في البحر الأحمر وقناة السويس في منطقتي ساحل خليج السويس ورأس سدر، متزامنة مع حملة للكشف عن ممرات تهريب جديدة في ساحل رأس سدر، وألقي القبض على المتهمين وحمولات السولار أثناء قيامهم بتهريبها عن طريق خراطيم تحت الأرض إلى السفن الأجنبية، وضبطت مقطورة تحمل 52 ألف لتر سولار مدعم كانت في طريقها إلى تلك السفن بالقرب من منطقة العين السحنة في السويس.

وتعدّ عمليات التهريب إحدى المشاكل التي تواجه مصر، حيث يرتفع سعره للسفن العابرة والأجنبية إلى 3 أضعافه، وهو الأمر الذي يجعل من عملية تهريبه شيئًا مربحًا، ويستحق المخاطرة من وجهة نظر المهربين، غير عابئين بأحوال البلاد والفترة العصيبة التي تمر بها.

التجار بدورهم أستغلوا الموقف، حيث رفع تجار الفاكهة الأسعار 10%، وارتفعت أسعار الأسماك إلى 8%، ووصل سعر الكيلو من الدجاج الحي إلى 15 جنيهاً، وارتفعت أسعار مواد البناء ما بين 10 إلى 30%، وقبل يومين سقط أحد السائقين مقتولاً في معركة للحصول على quot;صفيحةquot; من السولار، وأصيب 15 آخرين في مكان آخر بعد تدافعهم على إحدى المحطات، وأندلع العديد من المشاجرات، أستخدمت فيها الأسلحة البيضاء (السيوف والسنج والمطاوي) في محطة أخرى، لتنقل 15 سائقاً وعاملاً على أثرها إلى المستشفى، بعضهم في حالة خطرة.

كما أمتنع بعض محطات البنزين من إستلام حصته من السولار خوفاً من البلطجية ورفض العمال في تلك المحطات التضحية بأنفسهم من أجل أرباح يحصل عليها صاحب المحطة، ليسأل أحد السائقين زميله الواقف بجواره في الطابور: يا quot;خوياquot; إزاي مبارك وحاشيته كانوا بيديروا البلد دي؟!.. ليرد quot;والله ما أنا عارفquot;.