ترحيب من الأوساط الإقتصادية بقرار وزارة المالية المصرية

وضعت وزارة المالية المصرية حدّاً للجدل الثائر في البلاد، حيث أقرّت السقف الأدنى لرواتب الموظفين الحكوميين، إذ يصبح 800 جنيه كراتب أساسي يزيد وفق الدرجة الوظيفية والعلمية، كما وضعت حدًا أقصى للرواتب هو حصيلة ضرب الحد الأدنى في سنوات الخدمة (36 عاماً) ليصبح 28.800 ألف جنيهاً.وهو الراتب الذي سيدفع الكثير من المستشارين لطلب الإستقالة من الجهاز الحكومي.


القاهرة: رحّبت الأوساط الإقتصادية المصرية بمشروع وزارة المالية، الذي سوف تعرضه على الحكومة في وقت لاحق لإقراره ضمن الميزانية الجديدة للدولة، حيث عملت الوزارة على وضع حد أدنى للرواتب يقدر بـ 800 جنيه (135 دولار) شهرياً، فيما حددت حدًا أقصى للرواتب قدرته بحوالي 28.800 جنيه (4840 دولار)، معللة ذلك بعدم قدرة الموازنة على تحمل أقصى من ذلك.

يأتي القرار بعد أحكام قضائية ومظاهرات فئوية وإضرابات وإعتصامات بدأت منذ عهد الرئيس السابق حسني مبارك ولم تنته بعد.. كما إنها جاءت أقل مما حكمت به المحكمة الإدارية العليا بجعل الحد الأدنى للأجور 1200 جنيهًا، ولكنها جاءت ضعف مما قدره المجلس الأعلى للأجور في أكتوبر/تشرين الأولالماضي، وحددها بـ 400 جنيه.

المشروع الجديد أظهر أن حكومة عصام شرف أمام خيارات عدة، كل منها ليس سهلاً، حيث يعمل في الجهاز الحكومي المصري أكثر من 600 ألف موظف وموظفة، يكلفون الدولة 96 ملياراً جنيه للرواتب سنوياً، ويعني زيادة الحد الأدنى للرواتب إلى 800 جنيه إضافة 15 ملياراً جنيه على الميزانية، فيما تتضاعف إلى 30 مليار، لو رفعتها الحكومة 1000 جنيه و45 ملياراً، إذا ارتفعت 1200 جنيه، وقد اختارت الحكومة أقل الخسائر الممكنة لكي ترضي المصريين.

الحكومة في مشروعها أكدت أن القطاع الخاص غير معني بقانون الحد الأقصى للرواتب، وهو ما أوجد إرتياحًا لدى العاملين في القطاع الخاص، الذي يصل رواتب بعضهم إلى أضعاف هذا الحد.. ويمكن القول إن وضع حد أقصى للرواتب في القطاع الحكومي جاء للقضاء على فوضى المستشارين السابقين في الحكومة المصرية والقطاع العام وقطاع الأعمال، حيث كان الوزراء ورؤساء مجالس إدارات الشركات يبالغون في منح أقاربهم رواتب خيالية تحت مسمى مستشار.

ويكفي القول إن التحقيقات مع بعض الوزراء أثبتت أن رئيس شركة الإتصالات المصرية عيّن أحد أقارب وزير الإتصالات مستشاراً براتب 100 ألف جنيه.. والمفاجأة كانت في كون عمره لم يتجاوز 30 عاماً.

الغريب في توقيت صدور القانون والإعلان عنه أنه جاء بعد يوم واحد فقط من إعلان هشام رامز نائب محافظ البنك المركزي عن قيام البنوك المصرية العامة برفع الحد الأدنى للأجور إلى 3000 جنيه، وذلك لتنمية الموارد البشرية وتحفيزها على زيادة الإنتاج، حسب قوله ، وشتان الفرق ما بين راتب الجهات الحكومية الجديد ورواتب البنوك الحكومية.

القانون سيعمل على تطبيق نظام خاص للعلاوات، يجمع ما يحصل عليه الموظف من علاوات وحوافز وبدلات في أجر أساسي وأجر مكمل، وهو ما يكفل زيادة الدخول، كذلك سيتم منح علاوة خاصة سنوياً ترتبط بمعدلات التضخم، ومن المتعارف عليه في مصر أن الموظفين لا يعتمدون على أساس الراتب، بل الحوافز، التي قد تصل في بعض الأحيان إلى ضعفي الراتب الرسمي وأكثر، ووتتجاهل الحكومة عادة إضافة هذه البنود إلى الأجر الأساسي، لتجنب إضافتها في أجور المعاشات، وهو ما يؤدي إلى فجوة كبيرة ما بين الرواتب الخاصة بالموظف وراتبه التقاعدي.

ويخشى مراقبون إقتصاديون ـ إستطلعت إيلاف رأيهم ـ من أن يؤدي رفع الحد الأدنى للرواتب من إحتجاجات وقضايا من أصحاب المعاشات الذين سوف يتضررون بشدة من جراء هذا الرفع، كما إنهم يبدون قلقهم ـ على الرغم من ترحيبهم بهذه الخطوة ـ من أمرين آخرين، الأول أن يتم تمويل هذا الرفع من قبل القروض والمساعدات التي سوف تحصل عليها الدولة، وذلك لإرضاء الرأي العام.

الأمر الثاني هو أن يؤدي ذلك إلى قيام التجار والمصنعين برفع الأسعار بهدف تغطية التكاليف، إذا ما طالب العمال بتطبيق القانون الجديد عليهم، وهو أمر يخشاه القطاع الخاص بشدة، خاصة في المصانع التي تعتمد على عمالة هامشية غير مدربة أو مؤهلة للعمل الإحترافي، وتعمل في أعمال هامشية، مثل التغليف والتحميل وغيرها، وهو ما سيؤدي في النهاية إلى إمتصاص هذه السيولة لمصلحة التجار، وليس لمصلحة المواطن.

ويرى الإقتصاديون أن المرحلة الحالية تتطلب ضبط الإقتصاد الإستهلاكي قبل زيادة الأجور وزيادة الإنتاج وموارد الدولة قبل النظر في المطالب الفئوية، ويؤكد ذلك الإقتصادي الشهير حازم الببلاوي، الذي يرى أن مصادر الإقتصاد المصري ضعيفة، وكلها تدعو إلى القلق، فكيف يمكن بناء توقعات إقتصادية عليها مع كون مصر بلد مستورد، وليس مصدراً.

منبهاً الدولة إلى ضرورة البحث عن مصادر جديدة للدخل القومي وسرعة إعادة الأوضاع إلى أفضل مما كانت، حتى يمكن الإعتماد على مصادر دخل حقيقية لزيادة الدخول للمواطنين، مشيراً إلى أن مصر تستورد سنوياً بما مقداره 50 مليار دولار، في حين إنها تصدّر بما مقداره 24 مليار دولار فقط، وهو خلل لابد من القضاء عليه، خاصة وأن الصادرات البترولية (وهي من المواد الخام) تصل إلى 10 مليار دولار فقط، والباقي صادرات منوعة، وهو دليل على ضعف الصناعات التصديرية.

الوقت قد حان لعلاج الإقتصاد المصري من أمراضه المستعصية، التي عاناها على مدار الـ 60 عاماً الماضية، خضعخلالهالكثير من العلاجات المؤقتة، والآن لابد من إدخاله غرفة العمليات لإجراء جراحة عاجلة، ولكنيجب أن تتم العملية الجراحية على يد طبيب مختص وماهر، يراعي فيها ضرورة الإبقاء عليه حياً، وإعادته إلى نشاطه، وأفضل مما كان، مهما كانت الآلام التي سيشعر بها، وحتى لا يدخل المريض في غيبوبة قد تفقده حياته.