بيروت:توقع اللبنانيون، بعد بدء الثورات العربية ان يكون بلدهم الوجهة الاساسية للسياح الذين سيتجنبون الدول المجاورة المضطربة، لكن حساب الحقل لم ينطبق على حساب البيدر، لا سيما في ظل شلل سياسي وفراغ حكومي مستمر منذ خمسة اشهر.وتدنى عدد الزوار الذين دخلوا لبنان خلال الاشهر الاربعة الاولى من السنة بنسبة 15.5 في المئة بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، بحسب ارقام وزارة السياحة.
وكان لبنان حقق ارقاما قياسية في القطاع السياحي خلال السنوات الثلاث الماضية. وفي 2010، استقبل اكثر من مليوني زائر، وهو رقم تاريخي حتى بالنسبة الى الفترة الذهبية للسياحة قبل الحرب الاهلية (1975-1990). واعتقد اصحاب الفنادق في لبنان ان السياح الذين سيترددون في الذهاب الى تونس ومصر اللتين شهدتا ثورتين انتهتا بسقوط رئيسي البلاد السابقين، ولا تزالان تعانيان صعوبات مرحلة الانتقال الديمقراطي، سيتوجهون الى لبنان. لكن ذلك لم يحصل.


ويقول رئيس نقابة اصحاب الفنادق في لبنان بيار الاشقر ان 'الحركة الفندقية تراجعت بنسبة 40' خلال الاشهر الستة الاولى'، مضيفا 'في بداية السنة، لم تتعد نسبة اشغال فنادق بيروت 35'، بعد ان الغيت معظم الحجوزات'. وسقطت حكومة الوحدة الوطنية برئاسة سعد الحريري في 12 كانون الثاني/يناير، ما اثار مخاوف من احتمالات عودة العنف الى البلد الصغير ذي التركيبة السياسية والديموغرافية الهشة. ولم يتمكن رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي من تشكيل حكومة حتى الآن بسبب عمق الانقسامات السياسية والتأثيرات الاقليمية على السياسة اللبنانية. ويسجل تدن حتى في نسبة السياح الخليجيين الذين يعتبر لبنان اجمالا وجهتهم الرئيسية للسفر خلال فصل الصيف، وحدث تراجع واضح في حجوزاتهم عبر شركات الطيران المختلفة، بحسب ما افاد عدد من وكالات السفر وشركة طيران الشرق الاوسط الوطنية.


ويرى نقيب اصحاب المطاعم بول العريس ان السياح القادمين من الخليج 'يخشون ان يقفل مطار بيروت بسبب زعزعة الاستقرار لسبب او لآخر. فلا يمكنهم الفرار عن طريق سورية، ولا يوجد طريق بحري للسفر من لبنان'. يضاف الى كل ذلك ان شهر رمضان يصادف هذه السنة بداية شهر آب/اغسطس، اي في اوج موسم الصيف، ويفضل الزوار العرب ملازمة بلدانهم اجمالا في شهر الصيام. كما ان عملية خطف سبعة سياح استونيين في البقاع في شرق لبنان في آذار/مارس الماضي اثارت مخاوف لدى بعض الغربيين من وجود خطر على حياتهم في حال قيامهم بزيارة هذا البلد. ويقول العريس 'سيكون الوضع مأسويا' بالنسبة الى الحركة السياحية خلال فصل الصيف، مضيفا ان 'حجم اعمال المطاعم تراجع بنسبة اربعين في المئة، وقد اقفل حوالى عشرين مطعما ومؤسسة في وسط المدينة وفي حي الجميزة' اللذين يعتبران رمزا للحياة الليلية البيروتية.


واشار الى 'حصول فورة مطاعم خلال السنوات الماضية للتجاوب مع الطلب المتزايد، وقد بدأت هذه المطاعم يوم تطرد عددا من موظفيها'. وتقدر بعض المصادر في قطاع الفنادق الخسائر بملايين الدولارات.
ولم تقتصر تأثيرات الاحداث المتسارعة اقليميا والازمة السياسية الداخلية على القطاع السياحي، بل ان عمليات البيع والشراء في القطاع العقاري تراجعت بنسبة 21'، وواردات الجمارك بنسبة 20'، ما يؤشر الى هشاشة وضع التجار حاليا في بلد يعتمد على الصادرات الى حد بعيد. وتراجعت قيمة المداولات في بورصة بيروت بنسبة 78' حتى نهاية ايار/مايو.


وكان لبنان سجل نسبة نمو قياسية في 2010 وصلت الى 7.5'، لكن منذ بداية هذه السنة بدأت توقعات النمو بالتراجع، لتصل الى 2.5'، بحسب صندوق النقد الدولي. ويقول رئيس قسم الابحاث والتحليل في بنك بيبلوس نسيب غبريل 'هناك انقلاب في المعطيات: ثقة المستهلك تتراجع بسبب الازمة السياسية، ما يؤدي الى تباطؤ الاقتصاد'. ويضيف 'الاعمال كلها في وضع المراوحة. البعض يفضلون عدم صرف اموالهم على شراء منزل من اجل الاحتفاظ بالسيولة'. ويخشى الخبراء الاقتصاديون ان يؤدي انخفاض الواردات الذي يزيد من عجز الموازنة الى زيادة حاجة الدولة الى الاقتراض، علما ان ديون لبنان العامة تتجاوز حاليا الخمسين مليار دولار. كما ان غياب الاصلاحات والشلل الحكومي قد يؤديان الى عودة حجم الدين العام بالنسبة الى اجمالي الناتج الداخلي الى الارتفاع، بعد ان كان تراجع من 180' في 2006 الى 135' في 2010.
ويرى غبريل ان لبنان الذي يتمتع بوضع مصرفي متين ساعده في البقاء في منأى عن الازمة المالية العالمية خلال السنوات الماضية، 'هو في طور اضاعة فرصة ذهبية'.