خبير الموارد البشرية عبد الوهاب سكفالي

يشدد quot;عبد الوهاب سكفاليquot; الخبير في الموارد البشرية على أنّ آفة سوء التسيير وراء شلل الاقتصاد الجزائري، ولا يتردد عن الجزم بأنّ المكلفين بحماية الاقتصاد الجزائري يقومون بقتله لعدم احترامهم قواعد التسيير.


الجزائر: في حديث خاص بـquot;إيلافquot;، يقترح سكفالي تطهيرا شاملا وخطة مغايرة لتوظيف الموارد البشرية بإشراف مباشر من الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، معتبرا أنّ تصحيح وضع القضاء ووضع مسيرين نزهاء على المحك، سيمنح الجرعة المطلوبة للتنمية في الجزائر.

bull;بصفتكم خبيرا في الموارد البشرية، كيف تقيمون واقع هذه الموارد في الجزائر حاليا؟

-لما تحررت الجزائر من الاحتلال الفرنسي قبل نصف قرن، لم يتم تحكيم الكفاءات ولم يتم الاستناد إلى كفاءات وبرامج عالية، لأنها لم تكن موجودة أصلا وهنا المشكلة الأمّ طالما لم تكن هناك أرضية، وأسند الأمر بطريقة حتمية لأي كان.

للأسف وانطلاقا من معاينات ميدانية، ليس هناك استغلال كبير للكوادر ذات الكفاءة العالية، ومشكلة الجزائر الكبرى بنظري تكمن في استبعاد معايير الكفاءة وهو ما أدى إلى تعطل الأجهزة، وهذا ناتج عن أسلوب التسيير الاشتراكي الذي توخته الجزائر في سيتينيات وسبعينيات القرن الماضي.

وما يحدث في الجزائر هو محض تمويه تمارسه السلطات من خلال مجموعة مظاهر خادعة كالعمران والتجارة، بينما لو نذهب إلى نمط المعيشة والتوزيع نجد نقصا كبيرا، ومن البديهي أنّ النمو لا يمكن أن يكون جزئيا.

الأمر ذاته ينسحب على حال الموارد البشرية في القطاع الخاص، هذا الأخير لا يزال خاضعا في الجزائر إلى عقليات من قبيل البعد العائلي والمصلحي ووو، طبعا مع استثناءات قليلة لمؤسسات جار تسييرها من لدن كفاءات غزيرة.

bull;أين مصدر الخلل في استغلال الموارد البشرية في الجزائر؟

-الإشكال الأفدح برأيي يكمن في كون الكفاءات الجزائرية غير محمية ضد التعسف الوظيفي، فضلا عن عدم توزيع هذه الكفاءات بكيفية مدروسة ووفق استيراتجية واضحة المعالم، حيث لا تزال عقلية التوظيف الاجتماعي المبني على تبادل المصالح والمحسوبية هي المسيطرة في الجزائر.

كما يوجد هناك تكوين كمي كثيف لكنه ليس بالنوعية المطلوبة، ويفتقر إلى أجهزة إدماج في عالم الشغل الذي يبقى ضعيفا جدا من حيث العرض.

bull;ماذا بشأن إرجاع ما يحدث في الجزائر بنظر المتعاملين والمراقبين إلى ما يسمونه quot;بيروقراطيةquot;؟

-ليس هناك بيروقراطية في الجزائر، بل ما يحدث هو محض تعطيل للأجهزة، حيث نلاحظ أنّ توزيع الوظائف غير متكامل ولا يراعي طريقة سليمة تكفل تجسيد أهداف المؤسسات.

البيروقراطية في عمقها مستوى تنظيمي محكم يُراعي التوازن بين الوظائف والموظفين، بينما في الجزائر المسألة قائمة على وجود فائض كبير في الموظفين قتل البيروقراطية ومن شأنه القضاء على أي مستوى تنظيمي آخر.

والطامة الكبرى في افتقاد الجزائر لجهاز يسمح باستظهار حصيلة الكفاءة التي تمكّن صاحبها من المطالبة بحقوقه وتجاوز مطبات التوظيف الغير مناسب، والنهاية المحتومة أنّ الغير أكفاء يسعون دوما لتحطيم كل الكفاءات، ويعملون على تكييف المؤسسات بحسب قدراتهم ومصالحهم.

bull;كم خسرت الجزائر جراء عدم استغلالها الجيد لمواردها البشرية؟

-الخسائر ليست بالمليارات فحسب، بل مجال الخسارة مفتوح، وأؤكد لكم أنّ تبذير الأموال الذي حصل في عملية تصفية المؤسسات خلال السنوات الأخيرة، كان أعلى قيمة من الخسائر التي تكبدتها الجزائر جرّاء سوء التسيير، نظرا لغياب أي رقابة أو برنامج.

الحاصل أنّ المسؤولين المكلفين بالتسيير لا ينزلون إلى الميدان ولا يهمهم تحقيق الأهداف القائمة على ضمان البنى الحقيقية للمؤسسات، حيث يشعرون بالاكتفاء ويمارسون سلوكات سياسية أكثر منها اقتصادية، ويبررون لا كفاءتهم ميدانيا بأشياء لا علاقة لها بالواقع.

والحقيقة العارية أنّ المكلفين بحماية الاقتصاد الجزائري، يقومون بقتله تبعا لعدم احترامهم قواعد التسيير السليم.

bull;وهل لسوء التسيير واستبعاد الكفاءات صلة بما حصل للجزائر مع صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي، وما يمكن أن يقع مستقبلا مع منظمة التجارة العالمية؟

-بالفعل، ذاك واضح فما حصل في أواسط تسعينيات القرن الماضي راجع لاستبعاد الكفاءات عن خطة إعادة جدولة الجزائر لديونها الخارجية، ما أفرز شروطا مهينة فرضها صندوق النقد الدولي على الجزائر آنذاك.

والأمر ينسحب أيضا على مسار الشراكة الجزائرية الأوروبية، حيث لم تكن هناك الكفاءة اللازمة لحماية مصالح الجزائر الاقتصادية، تماما عندما ارتضت الدوائر الرسمية خطة الانفتاح وخوض اقتصاد السوق، فمن غير المعقول الدخول في تنافسية وصراعات مع الأجانب دون كفاءة تحمي البلد، وعليه أقول: هل من المنطقي خوض منازلات براقصين؟

أستطيع أن أجزم بشأن مشكلة المتعامل المصري quot;أوراسكوم تيليكومquot; وعلامته التجارية (جازي)، أنّه لو جرى ترجيح كفة الأكفاء لما كان هناك مشكل أصلا، وكان ممكنا حل النزاع في أسبوع أو في شهر وليس ترك الأمر عالقا بشكل جعله يستمر للعام الثاني على التوالي، وبلوغ النزاع بين الحكومة الجزائرية ومجموعة أوراسكوم المنحنى الذي وصله والتداعيات المترتبة عن ذلك.

أتساءل هنا: صفقة المتعامل الفرنسي quot;لافارجquot; مع فرع أوراسكوم للإسمنت تمت تحت أنظار الجزائر، أين كانت الكفاءات حينذاك؟

bull;هل حل معضلة استغلال الطاقات الناشطة في الجزائر مرهون بالتكوين فحسب، أم بتشكيل نواة جديدة؟

-أي حديث عن استغلال الموارد البشرية كلام فارغ إن لم يتم تحكيم المعايير العلمية والأخذ بعين الاعتبار متطلبات الواقع وإيجاد الحلول المنهجية والفعالة لتحقيق التغيير المنشود وضمان النمو المستدام.

ووجود البطالة دليل على وجود الأجهزة في حالة تعطيل حتى تلك المؤسسات التي جرى استحداثها لمواجهة البطالة.

إذن برنامج تنمية الموارد البشرية يجب أن يكون رئيسي ومحمي، على أن تتشكّل نواته من النخبة الحقيقية المسلّحة بالكفاءة والخبرة، لأنّ جهاز المعلومات في الجزائر بثوبه الحالي مبني على الديماغوجية، حيث هناك رفض للمعلومات الحقيقية بشأن سوء توزيع الموارد البشرية وسوء تسيير المؤسسات وابتعادها عن المردودية الفعلية والأهداف المرسومة فعلا، وهذه الديماغوجية ناجمة عن احتكار السلطات، ورفض توزيع المهام السلطوية لمستحقيها.

bull;هل بات حتميا تكييف الهياكل والذهنيات مع المهام الجديدة لتسيير الموارد البشرية؟

-أجهزة الموارد البشرية في الجزائر شكلية ولا تراعي مقاييس الأنشطة والوظائف وأنماط توزيعها، وليس هناك الخامات التي يمكنها تجسيد هذا التصور بالاستناد إلى مقاييس الخبرة والرغبة لجعل مناصب العمل أكثر وضوحا وفعالية.

لذا فرئيس البلاد مدعو لإعادة إحياء أجهزة تسيير الموارد البشرية، وإخضاعها للمعايير، بحيث يتم قطع الطريق على أي ممارسات انتهازية في أي نشاط، وعدم ترك المسؤولين يفعلون ما يحلوا لهم في مختلف واجهات وقواعد الحياة في الجزائر.

bull;كيف هو السبيل الأمثل لإدارة الموارد البشرية في الجزائر؟

-الأمر الأساس في خلق موارد بشرية بإمكانها إدارة البلد وذاك يقتضي تكوين جيلا جديدا ذا كفاءة، لذا ينبغي ممارسة عملية تطهير شاملة وإخضاع الوجوه الغير كفؤة إلى دورات تأهيل لرسكلتها وتدارك نقصها، بغرض دفعها لبذل جهد إضافي يمنحها أهلية تبوأ المناصب التي قد تسند إليها، أو استبعادها في حال عدم تجاوبها مع ذلك.
وبرنامج الموارد البشرية يجب أن يتكفل به الرئيس الجزائري شخصيا، لأنّ الأمور تعفنت والفوضى استشرت وليس هناك غير الحاكم من يمكنه تصحيح الوضع وإعادة الاعتبار للمؤسسات والموارد.

وأول خطوة على الطريق الصحيح، تكون بتطهير جهاز القضاء وإعادة هيكلته على أساس يمكّن من تغطية كافة مطالب المجتمع وعلى رأسها حماية الموارد البشرية، لأنّ العدالة هي أساس كل بناء سليم.

ضمن هذا المنظور، أقترح تشكيل لجنة مركزية على مستوى الرئاسة الجزائرية، تكون مكوّنة من قضاة نزهاء فعليا، ويتم تعويض القضاة ذوي السلوكات الغير سليمة عن طريق كيفية منهجية تقوم على تكليف كل قاض نزيه بالإشراف على عشرة شباب من خريجي معاهد القضاء وعملهم تحت وصايته، ويتولى هؤلاء القضاة الشباب أخذ عينات من الأحكام القضائية ودراستها، وكل من يثبت تقصيره أو إهماله يجري استبعاده على الفور.

وفي مرحلة ثانية، يتم تكليف كل قاض شباب بتأطير قاضيين جديدين، ما سينتج فصيلا بديلا فعّالا، بشرط أن يستفيد هؤلاء من كل الامكانات (رواتب مجزية وسكنات ومختلف أسباب الحياة الكريمة) بحيث يؤدي ذلك إلى تحصينهم ضد كل أنواع الفساد.

وتحت الرقابة المستمرة، يكون تغيير راهن الموارد البشرية وتطهيرها من الشوائب، ويمكننا بعد إصلاح حال القضاء، الالتفات إلى قطاعات العمل ثم التعليم وسائر القطاعات.
والظاهرة الصحية في استغلال الموارد البشرية، ستكون لما يتم عرض مناصب عمل على أشخاص ليست لهم الكفاءة اللازمة، وتكون لهم الشجاعة اللازمة لرفض تلك المناصب، لأنّهم غير مؤهلين لها، ويوقنون بأفضلية إسنادها إلى مستحقيها.

bull;كيف تفسرون اشتداد القبضة الحديدية في عدة قطاعات خلال الفترات الأخيرة من التعليم وصولا إلى الصحة؟

-لو كانت هناك كفاءة مركزية ، لما انفجرت كل المشكلات التي تشهدها الجزائر، والهزات الاجتماعية التي تمر بها الجزائر منذ زمن طويل تؤكد عدم نجاح الأوصياء في الاستغلال الذكي للموارد البشرية، كالأطباء الذين يعانون من إشكالات السيرورة والتوزيع والرواتب.

أرى أنّ ما يحدث للكفاءات، جعل الجزائر تنشغل بالمشكلات بدل دفع قاطرة التنمية، ومصداقية الحكومة ستتلاشى حتميا إذا ما نفذت أي برنامج ولم تنجح فيه، وما حصل مع برامج الانماء الاقتصادي هو محض نتاج لتغييب الكفاءات، بما أفرز غموضا، فالسوق الجزائرية خاضعة لآلة الاستيراد، وذلك راجع لموت مؤسسات كان يمكن لإنتاجيتها أن تقلب موازين الأمور.