الرياض: أسعار النفط التي تراوح عند مستوى 100 دولار للبرميل توفر للمملكة العربية السعودية إيرادات نفطية ضخمة مما يهيء لأوضاع مالية قوية في ظل ديون حكومية متدنية للغاية واحتياطيات حكومية مرتفعة. وقد جاءت هذه الموارد مواتية على نحو خاص خلال فورة ما عرف quot;بالربيع العربيquot; عندما أتاحت للدولة تعزيز مستويات الإنفاق والصرف على المواطن السعودي.

ستظل المملكة تحقق إيرادات نفطية تفوق متطلباتها للإنفاق على المدى المنظور على الأرجح، حيث يفوق سعر النفط الحالي السعر المطلوب لموازنة الميزانية بنحو 20 دولاراً للبرميل.

إلا أن ما لا تدركه الغالبية هو أن هناك ثلاث تحولات رئيسية تنذر بتحديات فيما يتعلق بمستقبل الطاقة والإيرادات النفطية في المملكة إذا استمرت في مساراتها الحالية المرجحة، هي كالتالي:

middot; الارتفاع الحاد جداً في الاستهلاك المحلي للنفط (والغاز) في المملكة على حساب كمية النفط المتاحة للتصدير. ومن شأن أسعار النفط المنخفضة- يباع النفط محلياً بسعر يتراوح ما بين 3 إلى 20 بالمائة من الأسعار العالمية- أن تؤدي إلى تدهور مستوى الكفاءة في توظيف الموارد النفطية؛ حيث ينمو الاستهلاك المحلي بمعدل يفوق ضعفي النمو في الناتج الإجمالي غير النفطي.

middot; نمو الإنفاق الحكومي السعودي السنوي بواقع 7 بالمائة أو أكثر وهو معدل مرشح للاستمرار، مع تواصل الاعتماد على إيرادات النفط كمصدر رئيسي للدخل.

middot; لم يسجل إنتاج النفط السعودي ارتفاعاً كبيراً خلال 30 عاماً، ولا نرجح أن يرتفع انتاجه بصورة مضطردة خلال السنوات العشر القادمة أو أكثر.

ومن شأن تضافر هذه التحولات ألا تترك حيزاً لتلبية الاحتياجات المالية للمملكة إلا من خلال الارتفاعات الكبيرة والمضطردة في أسعار النفط. ورغم اعتقادنا بأن أسعار النفط ستواصل الارتفاع لكننا نستبعد أن يأتي ذلك بالقدر الذي يستوفي نقطة التعادل بالنسبة للميزانية. وبالطبع من شأن تواصل ارتفاع الأسعار لفترة عقد كامل كما شهدت الأسواق في الماضي أن يؤدي إلى تدهور سريع في الأوضاع المالية المستقبلية للمملكة.

يستهلك العالم اليوم حوالي 88 مليون برميل من النفط يومياً تنتج منها المملكة قرابة 9 مليون برميل وتسهم دول أوبك مجتمعة بحوالي 29 مليون برميل (أي ما يعادل 33 بالمائة من إجمالي الاستهلاك العالمي). وينمو الاستهلاك العالمي بنحو نصف وتيرة نمو الناتج الإجمالي العالمي أي ما يتراوح بين 1,5 إلى 2 بالمائة سنوياً. وبما أن الاقتصاد العالمي لا يزال في مرحلة الخروج من حالة الركود فإن وكالة الطاقة الدولية تقدّر أن ينمو الطلب العالمي على النفط بمعدل 1,3 بالمائة في السنة في المتوسط للسنوات الخمس القادمة، أي ما يعادل 1,1 مليون برميل من النفط يومياً في العام.

لكن تبرز خلف هذه الأرقام العديد من التغيرات المؤثرة في أنماط الاستهلاك العالمي للنفط، أولها انحسار استخدام النفط بصورة كبيرة في إنتاج الكهرباء لصالح الغاز الطبيعي والفحم والطاقة النووية، حيث هبطت مساهمة النفط في إنتاج الكهرباء العالمية من 25 بالمائة عام 1973 إلى 4 بالمائة فقط عام 2010. كذلك يمر النفط بمرحلة ثبات فيما يتعلق بالاستخدامات الصناعية، ما أدى إلى أن يصبح النفط وقوداً للنقل بالدرجة الأولى. فإذا ما خسر النفط جزء كبير من السوق العالمية كوقود للنقل، فإن تداعيات ذلك على اقتصاد المملكة قد تكون وخيمة.

هناك وفرة في الموارد النفطية الأساسية العالمية، حيث يبلغ حجم الاحتياطي من النفط الخام التقليدي وغير التقليدي (كخام النفط الثقيل جداً والحجر النفطي والرمل النفطي) نحو 9 تريليون برميل تقريباً حسب مصلحة الجيولوجيا الأمريكية. تتأثر امكانية استخراج هذه الأنواع بسيناريوهات التسعير المختلفة، لكن معظمها قابل لتحقيق الربح إذا تعززت مستويات الأسعار فوق 80 دولاراً للبرميل بصورة مستمرة كما يحدث الآن. وفي ضوء حجم الإنتاج العالمي الحالي الذي يبلغ 88 مليون برميل في اليوم فإن 9 تريليون برميل من النفط تمثل حوالي 280 عاماً من العرض.

وفرت المملكة طيلة الـ 50 عاماً الماضية إمدادات نفطية مستقرة على نحو غير متوقع بلغت 10 بالمائة في المتوسط من إجمالي الإنتاج العالمي. وكان الإنتاج السعودي، خلال فترات تذبذب أسواق النفط في سبعينات وثمانينات القرن الماضي عندما تكرر انقطاع الإمدادات النفطية وأدى بالتالي لارتفاع الأسعار، قد تفاوت بين 16 بالمائة من إجمالي الإنتاج العالمي عام 1980 (للتعويض عن تراجع الإنتاج الإيراني أثناء الثورة الإيرانية) إلى 6 بالمائة عام 1985 عندما أقدمت السعودية باعتبارها quot;المنتج المرجحquot; ضمن منظومة أوبك على خفض إنتاجها إلى مستوى 2 مليون برميل في اليوم. أما خلال الـ 20 سنة الماضية فقد تراجعت حصة المملكة من إجمالي إنتاج النفط العالمي بصورة معتدلة لحد ما من 12 بالمائة عام 1991 إلى 10 بالمائة حالياً.

استخدمنا عبارة quot;مستقرة على نحو غير متوقعquot; في الفقرة أعلاه لأن محللي النفط ولسنوات طويلة دأبوا على تقدير حاجة العالم من النفط السعودي مستقبلاً بأعلى من حجم انتاجها الفعلي. وقد ساهمت عدة عوامل في انخفاض الحاجة الفعلية للنفط السعودي مقارنة بالتكهنات أهمها التطور التقني والاحتياطيات النفطية الجديدة وارتفاع الكفاءة في استخدام النفط والأحداث الجيوسياسية والتغيرات في السياسة النفطية. وقد ظل التوجه السائد هو المبالغة في تقدير حجم الطلب العالمي على النفط من جهة وفي بخس حجم النمو في إمدادات النفط من خارج الشرق الأوسط من جهة أخرى، ثم افتراض أن المملكة بما لها من احتياطيات نفطية ضخمة تربو على 260 مليار برميل ستقوم بسد الفجوة التي لم تحدث أبداً في الواقع.

ونعتقد أن السيناريو الأقرب إلى الواقع هو أن تظل السعودية تساهم بحصة في إنتاج النفط العالمي تتراوح ما بين الاستقرار إلى التراجع التدريجي. لذا نتوقع أن يبلغ حجم إنتاج المملكة نحو 11,5 مليون برميل في اليوم بحلول عام 2030 مقابل 9 مليون برميل حالياً بافتراض نمو الإنتاج العالمي بواقع 1,4 بالمائة في العام واستمرار المملكة في الاستحواذ على حصة من السوق العالمي بنسبة 10 بالمائة. ولا يعتبر ذلك تغير كبيراً لأنه لا يزال في نطاق قدرة المملكة الانتاجية البالغة 12,5 مليون برميل في اليوم حالياً.

بينما ظلت الدول المستهلكة للنفط تبدي مخاوفها المبررة بشأن تأمين الإمدادات النفطية، عبّر المسئولون السعوديون في السنوات الأخيرة كثيراً عن حاجتهم إلى quot;تأمين الطلبquot;. لذا تنفق المملكة مبالغ ضخمة لبناء طاقة كبيرة لإنتاج النفط توفر لها فائضاً يتيح استيفاء النمو في الطلب وتأمين القدرة على تعويض أي نقص ينجم عن أي خلل في منظومة الإمدادات النفطية، كما يحدث اليوم بسبب توقف الإنتاج الليبي.

يمثل العقد الماضي مثالاً جيداً لصعوبة التناغم بين توقعات الطلب العالمي وبين الزيادة في الطاقة الإنتاجية للنفط في السعودية. وكانت المملكة قد شرعت في تنفيذ خطة لرفع طاقتها لإنتاج النفط من 10 مليون برميل في اليوم إلى المستوى الحالي البالغ 12,5 مليون برميل في اليوم في ضوء الطفرة الاقتصادية العالمية في أوائل القرن الحادي والعشرين، لكن بمجرد اكتمال تلك التوسعة دخل الاقتصاد العالمي في مرحلة ركود وانهارت أسعار النفط وانكمش حجم الطلب. نتيجة لذلك، بلغت الطاقة الإنتاجية غير المستغلة منذ عام 2009 وحتى الانقطاع الأخير لإمدادات النفط الليبية نحو 4 مليون برميل يومياً، مقابل 1,5 إلى 2 مليون برميل في اليوم تمثل السياسة الرسمية المعلنة لإحتياطي الانتاج.

ونعتقد، في ضوء ارتفاع الاستهلاك العالمي أن السياسة التي ستتبناها المملكة تتلخص غالباً في المحافظة على طاقة إنتاجية احتياطية تمثل نسبة معينة من إجمالي الإنتاج العالمي عوضاً عن الإبقاء على رقم معين ثابت. فإذا أخذنا الطاقة الإنتاجية الفائضة على مستوى العالم كمعيار على شح المعروض من النفط، نجد أن الرسم البياني على الهامش يشير إلى أن حجم الطاقة الفائضة كنسبة مئوية ليس مريحاً بنفس القدر كما لو نظرنا إليه كرقم مجرد. لذا نعتقد أن المملكة التي ربما يبلغ إنتاجها نحو 11,5 مليون برميل في اليوم بحلول عام 2030 ستسعى أيضاً لتكوين طاقة احتياطية غير مستغلة في حدود 2,5 إلى 3 مليون برميل في اليوم عند ذلك الأجل، أي ما يعادل نفس النسبة المئوية من حجم السوق العالمي التي يمثلها فائض الإنتاج الحالي البالغ 2 مليون برميل في اليوم.

إذا حافظ إنتاج النفط السعودي على مجرد ارتفاع تدريجي خلال السنوات القادمة كما نرجح، تصبح الأسعار هي العامل الحاسم في تحديد مدى قدرة الإيرادات النفطية على استيفاء احتياجات البلد. وقد صرّح المسئولون السعوديون عن عدم ارتياحهم لمستويات الأسعار عندما تخطى خام غرب تكساس مستوى 100 دولار للبرميل ولمحوا إلى أن السعر المناسب للنفط يتراوح بين 70 إلى 90 دولار للبرميل. لكن بصفة عامة، يتفادى المسئولون السعوديون الخوض في تحديد سعر مستهدف بعينه ويفضلون التأكيد على أن سياستهم تقوم على مراقبة معطيات العرض والطلب الأساسية وضمان توفير كميات كافية من الامدادات في الأسواق.

لقد أصبح خفض احتياجات الإيرادات المالية لدولة منتجة للنفط وفقاً لسعر النفط quot;التعادليquot; أمراً شائعاً. ويبدو أن هذا الأمر هو انعكاس لواقع أن الحاجة لإيرادات نفطية فورية وكافية في ظل الاضطرابات التي يشهدها العالم العربي هذا العام أصبحت أحد أهم العوامل المحركة للسياسات النفطية في الدول المنتجة. وفي ضوء ذلك فإن اهتمامنا في الجزء التالي سينصب نحو القضايا المالية للمملكة بالتركيز على دور النفط في الموارد المالية للحكومة السعودية. كذلك خصصنا فقرات لمناقشة موضوع السعر التعادلي بشيء من التفصيل بسبب أهمية توخي الدقة فيما يتعلق بهذا المفهوم.

تتمتع المملكة حالياً بوضع مالي متين بفضل الاستغلال الأمثل لفوائض الميزانية التي تحققت خلال السنوات الأخيرة. لقد أدى الارتفاع الحاد في أسعار النفط من متوسط 31,1 دولار للبرميل عام 2003 إلى متوسط 99,7 دولار للبرميل عام 2008 إلى ارتفاع إيرادات النفط من 231 مليار ريال (62 مليار دولار) إلى 983 مليار ريال (262 مليار دولار) خلال نفس الفترة، وقد نتج عن ذلك تحقيق فوائض في الميزانية على مدى ست سنوات متتالية في أعقاب فترة طويلة ظلت خلالها الميزانية تسجل بصفة عامة عجزاً. ورغم تسجيل الميزانية عجزاً عام 2009 بسبب انخفاض أسعار النفط وزيادة الإنفاق الحكومي لتخفيف آثار الركود العالمي إلا أنها عادت لتحقق فائضاً العام الماضي. ويشكل النفط نحو 85 إلى 90 بالمائة من إيرادات الميزانية

يعتبر ارتفاع أسعار النفط السبب الرئيسي في تعزيز المركز المالي للمملكة، لكنه يقف أيضاً وراء الارتفاع الهائل في الإنفاق الحكومي. وتشير التجارب التاريخية إلى أن تخفيف حدة النمو في الإنفاق مثل دوماً تحدياً للحكومة، بغض النظر عن أوضاع سعر النفط. وقد بلغ متوسط النمو السنوي للإنفاق الحكومي بين عامي 2003 و2010 نحو 13 بالمائة. وكانت الحكومة قد حققت فائضاً في الميزانية قدره 36 مليار ريال (10 مليار دولار) عام 2003 عندما بلغ متوسط سعر سلة صادرات الخام السعودي 28 دولاراً للبرميل، بينما سجلت عام 2009 عجزاً بلغ 86 مليار ريال (23 مليار دولار) رغم أن متوسط سعر خام الصادر كان عند مستوى 62 دولاراً للبرميل.

يعود جزء من نمو الإنفاق الحكومي إلى الارتفاع الهائل في الصرف على البنيات التحتية، حيث قفز إجمالي الإنفاق على المشاريع الرأسمالية من 33 مليار ريال (9 مليار دولار) عام 2003 إلى 180 مليار ريال (48 مليار دولار) عام 2009 بسبب خطط الإنفاق الحكومي المتتالية التي استهدفت إحداث تطورات كمية ونوعية في البنيات التحتية المادية والاجتماعية. هذا الإنفاق الاستثماري مهيأ ليظل مرتفعاً حتى عام 2014 على أقل تقدير نتيجة لخطة التنمية الخمسية 2010-2014، ومن المرجح أن يتواصل لعدة سنوات قادمة جراء التزام الحكومة الأخير بإنفاق نحو 250 مليار ريال (67 مليار دولار) لتشييد 500,000 وحدة سكنية جديدة. ونتوقع حدوث انخفاض في هذا الشق من الإنفاق الحكومي خلال النصف الثاني من العقد عندما تكون معظم عمليات ترقية البنيات التحتية قد اكتملت. أما الإنفاق الجاري فسوف يرتفع بسبب استمرار تكاليف أعمال الصيانة والتشغيل التي تتطلبها المرافق الجديدة.

نتوقع أن يبلغ متوسط نمو الإنفاق الحكومي نحو 7 بالمائة للعام لفترة الـ 20 عاماً القادمة. ورغم أن هذه النسبة تساوي فقط نصف معدل نمو الإنفاق خلال العقد الماضي، لكنها تأتي متسقة مع نمو الإنفاق خلال الـ 20 عاماً الماضية التي تتضمن دورة كاملة شهدت فترات من الارتفاع والإنخفاض في أسعار النفط وتعكس ما سنراه على الأرجح خلال الـ 20 عاماً القادمة. وقد اخذنا ذلك في الاعتبار في تقديراتنا أدناه الخاصة بتحديد سعر النفط التعادلي للمملكة حتى عام 2030.

هناك ثلاث اتجاهات تشكّل مع بعضها البعض تحدياً كبيراً للمملكة بسبب اعتمادها المتواصل على إيرادات النفط. وقد استعرضنا اثنان فيما تقدم هما ميل إنتاج النفط في المملكة للارتفاع بصورة متدرجة جداً وتسارع وتيرة الإنفاق الحكومي وتزايد اعتماده على إيرادات النفط. ثالث هذه الاتجاهات هو تواصل الارتفاع الحاد في الاستهلاك المحلي للطاقة وخاصة النفط الرخيص ما يؤدي إلى انخفاض كبير في كمية النفط المتاحة للتصدير. وترسم هذه الاتجاهات مجتمعة ملامح صورة تكسوها تحديات مستقبلية كبيرة تواجه المملكة.

استهلاك النفط في المملكة آخذ في الارتفاع وبوتيرة متسارعة، حيث قفز الاستهلاك المحلي وفقاً لبيانات قدمتها الحكومة إلى المبادرة المشتركة لبيانات النفط إلى 2,4 مليون برميل في اليوم في المتوسط في عام 2010 مقارنة بمتوسط 1,9 مليون برميل في اليوم عام 2007 ومتوسط 1,6 مليون برميل في اليوم عام 2003، بحيث بلغ متوسط النمو السنوي منذ عام 2003 نحو 5,2 بالمائة. كذلك، جاء الاستهلاك المحلي خلال الربع الأول لعام 2011 أعلى بنسبة 2,9 بالمائة مقارنة بالربع المماثل من العام الماضي، رغم انها تدنت خلال الشهرين التاليين. ويبلغ الاستهلاك يبلغ ذروته خلال فصل الصيف بسبب الاستخدام المكثف للكهرباء في تشغيل أنظمة التكييف، ففي عام 2010 بلغ الاستهلاك الذي سجل ذروته في أغسطس نحو 2,9 مليون برميل في اليوم بينما انخفض إلى 1,9 مليون برميل وهي أدنى نقطة له في نوفمبر نتيجة لانخفاض درجة الحرارة وإغلاق المكاتب والمحلات بعض أيام الشهر بمناسبة عطلة الحج وعيد الأضحى.

من الطبيعي أن يرتفع استهلاك دولة ما من الطاقة مع زيادة نموها الاقتصادي، إلا أن المملكة تختلف مع هذا النموذج في أنها أصبحت أقل كفاءة من حيث استخدامات الطاقة. ويقارن الرسم البياني على الهامش بين استخدام الطاقة وحجم الاقتصاد، فعلى مستوى العالم نجد أن الاقتصاد قد نما بوتيرة أسرع من استهلاك الطاقة كدليل على أن العالم أصبح أكثر كفاءة في استخدام الطاقة، حيث يكلف إنتاج 1,000 دولار من الناتج المحلي ما يعادل 1,3 برميل من النفط يومياً عام 2009 مقابل 1,95 برميل كان يكلفها عام 1988. وقد سجلت الصين أفضل مستوى في كفاءة استخدام الطاقة عالمياً رغم أن استهلاكها للطاقة سجل أسرع معدل نمو في العالم خلال تلك الفترة، حيث انخفضت تكلفة إنتاج 1,000 دولار من الناتج المحلي عام 2009 إلى ما يعادل 1,2 برميل من النفط يومياً مقابل 3,2 برميل في عام 1988.

يكمن السبب الرئيسي وراء ارتفاع استهلاك الطاقة في المملكة في أسعارها المنخفضة جداً، حيث يبلغ سعر الغاز 0,75 دولار لكل مليون وحدة حرارية وسعر البنزين حوالي 0,45 دولار أو 0,61 دولار للجالون (نوع 91 أوكتان و95 أوكتان على التوالي) بينما تتراوح أسعار الكهرباء من 0,013 دولار للكيلواط ساعة للاستخدام المنزلي إلى 0,036 دولار للكيلواط ساعة للاستخدام التجاري، لذا تعتبر أسعار الطاقة في المملكة من أدنى الأسعار على مستوى العالم. وبالتأكيد لايشجع بيع الطاقة بهذه المستويات السعرية المنخفضة على الترشيد في الاستهلاك أو معاقبة سوء الاستخدام. من ناحية أخرى، فإن الأسعار شديدة الانخفاض تقتضي كذلك مستويات إنفاق مرتفعة على تشييد وصيانة المنشآت ذات الصلة مثل محطات المياه والكهرباء.

لجأنا هنا إلى دمج التحولات والتيارات التي استعرضناها فيما تقدم - وهي تباطؤ النمو في إنتاج النفط السعودي وتسارع وتيرة الإنفاق الحكومي وتزايد استهلاك النفط محلياً بصورة كبيرة - بهدف استخلاص نتائج دقيقة بتداعيات ذلك على الأوضاع المالية للدولة وتحديد السعر التعادلي للنفط خلال السنوات حتى عام 2030. وقد كشف لنا هذا التحليل أن الأوضاع المالية للمملكة ستتصف بالاستقرار خلال السنوات الـعشر القادمة، لكنها ربما تتدهور بصورة حادة بنهاية حقبة العشرة سنوات التي تليها.

في تقديرنا، بناءً على الافتراضات أعلاه، لن يرتفع السعر التعادلي للنفط المطلوب لمعادلة الإيرادات الفعلية للحكومة مع نفقاتها الفعلية فوق مستوى 100 دولار للبرميل (لصادر الخام السعودي) حتى عام 2017 وسيظل دون مستوى 120 دولار للبرميل حتى عام 2021. ويبدو أن الأسعار ستظل قريبة من ذلك المستوى طيلة تلك الفترة، لذا نتوقع أن تشهد المملكة نحو عقد من الزمان لن تتعرض فيه إلا إلى مستويات عجز صغيرة نسبياً بما لا يؤثر بصورة كبيرة على موجوداتها الأجنبية.

لكن يبدأ السعر التعادلي في الارتفاع بسرعة بعد تلك الفترة ، حيث تحتاج المملكة بحلول عام 2025 لسعر للنفط عند مستوى 175 دولاراً للبرميل لتحقق التعادل بين إيراداتها ونفقاتها الفعلية، ثم يرتفع السعر التعادلي إلى أكثر من 320 دولار للبرميل بحلول عام 2030. عندها سيكون حجم الصادرات النفطية أقل من حجم الإستهلاك المحلي بنحو 1,5 مليون برميل في اليوم.

بالطبع، يمكن تفادي تدهور الأوضاع المالية للدولة من خلال تغيير مسار الاتجاهات الحالية لإنتاج النفط واستهلاكه محلياً والإنفاق الحكومي على المشاريع. وتستطيع المملكة تقليص النمو في الاستهلاك المحلي للنفط عن طريق رفع أسعار الطاقة محلياً مع تنفيذ خططها الرامية إلى إنشاء مصانع لتوليد الكهرباء باستخدام الطاقة النووية والطاقة الشمسية فضلاً عن مجموعة أخرى من التدابير للمحافظة على الطاقة. كذلك يمكن خفض معدلات نمو الإنفاق الحكومي تدريجياً خاصة وأن لدى المملكة وسادة مالية تكفيها لسنوات قادمة. ومن شأن إجراء تغيير في النظام الضريبي أن يساهم في تعزيز الإيرادات غير النفطية. وأخيراً، تستطيع المملكة من خلال موقعها في أوبك إيجاد وسائل للنأي بحصتها من التراجع التدريجي الذي يشهده إنتاج النفط العالمي حالياً.

إخلاء المسؤولية

ما لم يشر بخلاف ذلك، لا يسمح إطلاقا بنسخ أي من المعلومات الواردة في هذه النشرة جزئيا أو كليا دون الحصول على أذن تحريري مسبق ومحدد من شركة جدوى للإستثمار.

لقد بذلت شركة جدوى للإستثمار جهدا كبيرا للتحقق من أن محتويات هذه الوثيقة تتسم بالدقة في كافة الأوقات. حيث لا تقدم جدوى أية ضمانات أو إدعاءات أو تعهدات صراحة كانت أم ضمنا، كما أنها لا تتحمل أية مساءلة قانونية مباشرة كانت أم غير مباشرة أو أي مسئولية عن دقة أو اكتمال أو منفعة أي من المعلومات التي تحتويها هذه النشرة. لا تهدف هذه النشرة إلى استخدامها أو التعامل معها بصفة أنها تقدم توصية أو خيار أو مشورة لاتخاذ أي إجراء/إجراءات في المستقبل.