يعيش الاقتصاد الليبي وضعًا صعبًا بعد توقف جزئي للحرب الدائرة بين الثوار ونظام القذافي، حيث وصف محافظ البنك المركزي الليبي المكلف محمد الزروق رجب الوضع الإقتصادي الليبي بأنه quot;معطل تمامًاquot; بسبب توقف إنتاج تصدير النفط الذي يشكل 98% من الإيرادات العامة.
تونس: للتعرف على الوضع الحقيقي للإقتصاد الليبي التقت quot;إيلافquot; الخبير المالي والإقتصادي عبدالرحمن اللاحقة الذي تحدث في هذا اللقاء عن الحرب الخفية القائمة بين الدول الكبرى حول النفط الليبي وإمكانية قيام شراكة حقيقية بين ليبيا وتونس.
س: كيف يبدو وضع الإقتصاد الليبي بعد ستة أشهر من الحرب و الخراب وبعد نجاح الثورة الليبية؟
ج: الإقتصاد الليبي يعتبر اقتصادا هشّا لأنه يعتمد أساسا على المداخيل المتأتية من بيع البترول وليس اقتصادا يتضمن قطاعات صحية وتعليمية وصناعية متطورة و بالتالي لا بد من البناء من جديد فالثورة الليبية تفرض على الليبيين أن يعملوا من جديد على بناء اقتصاد جديد والإمكانيات المادية متوفرة وهو ما يساعدهم على ذلك،وما ينقص الليبيين هو الخبرات والإمكانيات البشرية عموما ذات الخبرة العالية، لأن الكفاءات الليبية مهاجرة في عهد القذافي والمتوفر حاليا في ليبيا لا يفي بالحاجة، وبالتالي هناك طلب كبير على الخبرات العربية خاصة والقادرة على بناء اقتصاد ليبي جديد ومتنوع وخاصة في مجالات التعليم والصحة و الصناعة. وبالتالي لا يمكن في الواقع الحديث عن اقتصاد ليبي يعتمد أساسا على الريع البترولي.
س: وهل يمكن للإقتصاد الليبي أن يسترجع عافيته بسرعة؟
ج : إذا تحدثنا عن المنوال الإقتصادي الليبي الحالي فذلك يمكن أن يسترجع عافيته ويعود للإشتغال من جديد في الأشهر القليلة القادمة وذلك مرتبط بعودة الإنتاج النفطي و بدء عمليات التصدير والإفراج عن الأموال الليبية المجمدة في بنوك الدول الغربية و لكن إذا فكر الليبيون في منوال جديد لاقتصادهم يبنى على التنوع ما يمثل قوة لهذا الإقتصاد فإن ذلك يتطلب وقتا أطول.
هذا المنوال الجديد للآقتصاد الليبي يعتمد أساسا على التنمية البشرية بمعنى نظام تعليمي ونظام صحي متطور لأنهم يفتقدون الآن إلى ذلك فالجامعات الليبية لا تخرج خبرات من أعلى مستوى والأغنياء فقط هم الذين يصرفون ويرسلون أبناءهم للتعليم خارج ليبيا . إذا فأسس الإقتصاد تتمثل في تنمية بشرية أي المجالين الصحي و التعليمي إلى جانب صناعة متطورة حتى يتمكن الإقتصاد الليبي في حدود 40 سنة أن يستغني عن الريع البترولي الذي يعتمد عليه أساسا حاليا ويمثل 98% من الإيرادات وتقريبا 1% من السياحة ..
س: في ظل اعتماد الإقتصاد الليبي أساسا على انتاج النفط . كيف تبدو المرحلة القادمة في ظل صراع خفي بين الدول الغربية على النفط الليبي؟
ج: في ظل انتاج النفط و ضرورة تطوير حقول النفط لا مفرّ من الإعتماد على الخبرات الغربية لكن ما يهمّ الليبيين هو كيفية التوزيع بين الشركات الغربية التي ساهمت بلدانها في نجاح الثورة الليبية،شركات فرنسية و ألمانية وايطالية وأميركية ورغم ذلك تبقى ليبيا في حالة من التجاذبات بين الدول الغربية للإستحواذ على النفط الليبي والأكيد أن الحكومة الليبية ومدى ولائها لأي طرف من الأطراف فهناك تجاذبات داخلية في ليبيا بين مختلف الشركاء السياسيين الليبيين حول من سيشرف على الفترة الإنتقالية وأي سياسة سيتم اتباعها ولكن سيتم الإقتسام بين الشركات الغربية المختلفة ..
س: وهل يمكن لهذه التجاذبات السياسية بين الشركاء الليبيين أن تقلب الوضع الداخلي إلى ما يشبه quot;عراقا جديداquot;؟
ج: لا يمكن ذلك و لن نصل إلى ما يشبه ما حصل في العراق ما بعد صدام فتكوين الشعب الليبي لا يضم ذلك الإستقطاب الطائفي الذي يميز مكونات الشعب العراقي وفي ليبيا الوضع مختلف فيمكن أن تحصل بعض المشاكل والتجاذبات بين الأطراف السياسيين ولكن سيتغلب أحد الأطراف وتستقر الأمور دون أن يحدث ما حصل في العراق كما أن الجميع واعون بخطورة ما حصل في العراق وهو ما يؤكد أنّ ذلك السيناريو العراقي لن يعاد في ليبيا .
س: وهل يمكن لتونس البلد المجاور أن تستفيد من إعادة إعمار ليبيا؟
ج: ليبيا في حاجة إلى تنمية بشرية ومع التقارب التونسي الليبي و الدعم الذي قدمته تونس لليبيا خلال الثورة يمكن أن تجد تونس المخرج لمأزق البطالة التي تعشش في المجتمع التونسي بما يقارب 700 ألف عاطل عن العمل وستكون السوق الليبية في حاجة إلى الإطارات العاملة التونسية وخاصة في قطاعي الصحة و التعليم أما بالنسبة إلى ما تتطلبه السوق الليبية في قطاعي البترول و التكنولوجيا فذلك سيبقى حكرا على الدول الغربية، و إلى جانب ذلك فالتطور سيحصل في قطاع التجارة البينية بين البلدين التي كانت مهمة قبل الثورة كذلك ولكنها ستشهد قفزة نوعية في الأشهر القادمة بعد أن تعود الأوضاع إلى طبيعتها .
س: إذن هناك امكانية لإرساء شراكة حقيقية بين تونس وليبيا؟
ج: امكانيات الشراكة متوفرة بين تونس و ليبيا و الإخوة الليبيون يمكن لهم أن يستفيدوا من الخبرات التونسية وبالتالي يمكن ارساء شراكة حقيقية في عديد الميادين لأن السوق الليبية واعدة وحسب التقديرات الأولية يمكن أن تستقطب في السنوات القادمة نحو 200 ألف مواطن شغل تونسي، كما أنّ الشراكة تعني في الواقع استفادة الطرفين منها أي من التجارة البينية و الخبرات التونسية التي سيستفيد منها المجتمع التونسي.
التعليقات