يجمع الخبراء الماليون والإقتصاديون على أهمية إدراج المالية الإسلامية في السوق المالية التونسية نظرًا إلى الفائدة التي ستحصل في هذا القطاع، الذي يظل مهمشًا وفي حاجة إلى التطوير. فمنذ وصول حركة النهضة إلى الحكم، بدأ الحديث يتصاعد عن التمويل الإسلامي والبنوك الإسلامية، التي لن تكون بديلاً من البنوك التقليدية، ولكنها ستكون منافسة لها، وهو ما يساهم في تحقيق نموّ اقتصادي مهمّ، وبالتالي استفادة أكيدة للمستثمر والمواطن.


نصيب التمويل الإسلامي في تونس لا يمثل سوى 2.2% من مجموع أصول البنوك التونسية

محمد بن رجب من تونس: من خلال دراسة أعدها البنك الأفريقي للتنمية حول الخدمات البنكية والتمويل الإسلامي في بلدان شمال أفريقيا تبيّن أنّ نصيب التمويل الإسلامي في تونس لا يمثل سوى 2.2% من مجموع أصول البنوك التونسية، مقابل 100 % في إيران، و61 % في المملكة العربية السعودية، و42 % في الإمارات العربية المتحدة، وغيرها من الدول الإسلامية الأخرى.

فقد تم تسجيل ثلاثة بنوك إسلامية في الساحة المالية التونسية وهي quot;بنك الزيتونةquot; وquot;بنك البركةquot; وquot;بنك نورquot;، وهو غير مقيم. وقد موّلت المالية الإسلامية في تونس ثلاثة مشاريع، وهي quot;المشروع الهندي للأسمدةquot; بتكاليف بلغت 150 مليون دولار، ومشروع تطوير الري بقيمة 12.3 مليون دولار، والمشروع الثالث هو المرفأ المالي، وتبلغ تكاليفه 3 آلاف مليون دولار.

الرئيس المدير العام لبنك الأمان أحمد الكرم وفي ندوة نظمت أخيرًا حول quot;المالية الإسلامية وآفاق تطويرها في منطقة شمال أفريقياquot;، أوضح أنّ عملية إدراج المالية الإسلامية في السوق المالية التونسية عملية مهمة جدًا لما يمكن أن تنتج من فوائد بتكاملها مع الوضع المالي الحالي من خلال البنوك الحالية، وهو ما يعود بالفائدة على الإقتصاد الوطني، وذلك بتشجيع عمليات الإدخار من طرف المواطن التونسي، إلى جانب أهمية عملية جلب الإستثمار الأجنبي، وما فيه من مزايا لمصلحة الإقتصاد في تونس.

ودعا أحمد الكرم الحكومة الجديدة إلى إدراج المالية الإسلامية في تونس على أساس أنها منتوج، وليست منظومة وحدها، نظرًا إلى وجود منظومة حالية قائمة، تجمع البنوك الموجودة على الساحة، وبالتالي لا بد من وضع إطار تشريعي وتنظيمي، يكون قادرًا على تنظيم هذا المنتوج بعد إدراجه في السوق المالية التونسية.

الكرم أشار إلى أنه يصعب تحويل بنك عادي، يعمل بالطرق التقليدية، إلى بنك إسلامي أو تخصيص قسم خاص بالمالية الإسلامية في بنك عادي لتداخل على مستوى التنظيم.

وطرح الكرم عملية غياب مصادر تمويل البنوك الإسلامية في تونس، التي لا تعتمد نسبة الفائدة، والتي تعتبرها ربا، أي إنه لا يمكن لها اللجوء إلى السوق النقدية في البنك المركزي، وهو ما يعطل نمو هذه البنوك، وبالتالي لا بد من البحث عن سبل لتمويلها.

الخبير الإقتصادي د. رضا شكندالي أوضح مفهوم التمويل الإسلامي، فقال في حديث لـquot;إيلافquot;: quot;لقد تزامنت الثورة في تونس مع آثار سيئة على الإقتصاد العالمي والإقتصاد الأوروبي، وخاصة على البنوك التقليدية، التي تتعامل بنسب الفائدة، وكان أن أعطت الأزمة المالية العالمية نتائج سلبية على مستوى هذا النوع من البنوك، وانهارت أعتى البنوك العالمية، وكانت البنوك الإسلامية موجودة في أميركا وأوروبا، ولم تمسسها الأزمة بأي سوء، لأنها على عكس البنوك التقليدية، فهي لا تتعامل بنسب الفائدةquot;.

وأضاف quot;نسبة الفائدة كانت السبب الرئيس في اندلاع الأزمة المالية العالمية لمّا ضرب مقر التجارة العالمية في أيلول (سبتمبر) 2001، فكان أن تهدمت المنازل القريبة، وبالتالي فقد تدخل الرئيس الأميركي جورش بوش ليخفض نسب الفائدة، حتى إنه تم تخفيضها 11 مرة بين 2001 و2003 حتى بلغت 1%، أي نسبة ضعيفة، لم يعرفها الإقتصاد الأميركي منذ 1954، وهو ما جعل أصحاب الدخل الضعيف يحصلون على قروض كبيرة بنسبة فائدة ضعيفة جدًا، وفي 2005 قرر جورج بوش رفع نسب الفائدة إلى مستوى 5.4%، فكان عجز أصحاب الدخل الضعيف عن تسديد الديون، ولم يجدوا غير تسليم منازلهم إلى البنوك، واندلعت الأزمة المالية العالمية، التي لا تزال تبعاتها إلى حد الآن، وبدأت البنوك في بيع تلك المنازل بأسعار منخفضة لاسترجاع الديون، وكانت بالتالي أزمة الرهن العقاريquot;.

ويؤكد د. شكندالي أن نسبة الفائدة كانت السبب وراء اندلاع هذه الأزمة المالية العالمية فيقول: quot;نسب الفائدة بالتالي كانت وراء هذه الأزمة، كما إنها كانت كذلك السبب وراء أزمة المديونية التي ضربت أوروبا حاليًا، وهذا ما جعل الإتحاد الأوروبي يقرّ للنهوض بالإقتصاد اليوناني بالتخفيض بنسبة 50% من الفائدة على الدين العمومي اليوناني. وبالتالي فإننا نرى الآن أن أميركا وأوروبا تنهاران، بينما الشق الشرقي المتمثل في الصين واليابان وكوريا الشمالية، تحافظ على قوتها، ولم تصبها الأزمة، لأن نسب الفائدة عندها ضعيفة جدًا، ولا تتجاوز 1%quot;.

ويوضح شكندالي أنّ البنوك الإسلامية لا تتعامل بنسب الفائدة، وهي لا تعتبر المال سلعة تباع وتشترى، بينما في الأزمة المالية العالمية المال أصبح سلعة (توريق المال)، ومن هذين المبدأين فقد نأت البنوك الإسلامية عن هذه الأزمة، كما إن مردودية هذه البنوك كبيرة جدًا مقارنة بالبنوك الكلاسيكية، وهو ما يحتم علينا اليوم إدراج المالية الإسلامية في السوق النقدية التونسية، لإدخال نوع من المنافسة على السوق النقدية، حتى تتحرك البنوك الكلاسيكية، وتعمل على تنويع منتوجها وتحسينه، لتحافظ على حرفييها، لأننا نعيش حاليًا في سوق بدون منافسة، والمنتوج هو نفسه في كل البنوك.

وبالتالي، اليوم وليس غدًا، من الضروري أن يتم إدراج المالية الإسلامية في السوق النقدية التونسية، والنتيجة ستكون بدون شك ذات فائدة كبيرة على الإقتصاد التونسي وعلى المواطن، فشق من التونسيين لا يرغبون في التعامل مع البنوك الكلاسيكية التونسية، التي تتعامل بالربا، وتكنز الأموال، بينما البنوك الإسلامية تعمل على إخراج هذه الأموال المكتنزة، وتضعها في خدمة الدورة الإقتصادية في البلاد، فتكون الفائدة كبيرة بخلق فرص عمل.