أصبح تأثير العقوبات محسوسًا في سوريا خلال الأسابيع القليلة الماضية. إذ لم يتمكن السوريون من استخدام بطاقات ائتمان دولية منذ أشهر. ويقال إن أسعار السلع الأساسية غير المدعومة ارتفعت بنسبة 30 %. لكن أخيرًا حتى الطبقات المتوسطة بدأت تنظر بقلق إلى آفاق المستقبل وراحت تكتنز المال.


يستقبل الزائر الأجنبي، الذي يدخل سوريا من لبنان، ملصق رسمي، في وسطه حمامة بألوان العلم السوري، وتحيط بها بنادق عليها أسماء قنوات فضائية، مثل العربية والجزيرة وفرنسا 24، تطلق النار على الحمامة من كل الاتجاهات، ولكن الطلقات ترتد بعد اصطدامها بريش الحمامة، الذي لا يخترقه الرصاص، تعبيرًا عن الصمود بلغة النظام السوري.

وأعلن الرئيس السوري بشار الأسد في خطابه الأخير خلال الأسبوع الماضي أن سوريا تواجه مؤامرات دولية وإقليمية، وأن نظامه أقوى من أن يتأثر بهذا التآمر.ولكن مراقبين يرون أن الآثار التي يتركها الضغط الخارجي على الوضع في سوريا تتجسد عبر أشكال ظاهرة.

خارج البنك التجاري السوري، الذي شملته الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وأخيرًا الجامعة العربية، بالعقوبات، يقف رجل أمام لوحة كُتب عليها سعر الصرف الرسمي للدولار، وهو سعر مغر للباحث عن العملات الأجنبية، يزيد على سعر صرفه في السوق السوداء، رغم القيود الشديدة المفروضة على بيع الدولار.

إلى جانب هذا الرجل، يقف سوري آخر، يبيع مصابيح تعمل بالبطارية، نظرًا إلى أن أزمة المحروقات، بتأثير العقوبات من بين أسباب أخرى، تؤدي إلى انقطاع الكهرباء لساعات متواصلة حتى في العاصمة.

ونقلت صحيفة فايننشيال تايمز عن جهاد يازجي رئيس تحرير نشرة quot;سيريا ريبورتquot; الاقتصادية الإخبارية إن تأثير العقوبات أصبح محسوسًا خلال الأسابيع القليلة الماضية.إذ لم يتمكن السوريون من استخدام بطاقات ائتمان دولية منذ أشهر.ويقال إن أسعار السلع الأساسية غير المدعومة ارتفعت بنسبة 30 %.ولكن في الأسابيع الأخيرة بدأت، كما قال يازجي، quot;حتى الطبقات المتوسطة تنظر بقلق إلى آفاق المستقبل، وراحت تكتنز المال.فإنها أخذت تشعر بوطأة الوضعquot;.

وكان الأسد اعترف في خطابه الأخير بالأضرار، التي ألحقها الضغط الخارجي بالاقتصاد، ولكنه قال إن الحل يكمن في quot;الإنتاجquot;، مشيرًا إلى أن فترة العزلة الاقتصادية في الثمانينات شجّعت علىquot;الاكتفاء الذاتيquot;.

لكن يازجي يرى أن سياسة الاكتفاء الذاتي لا يمكن أن تستمر، حتى من دون انقطاع سلسلة الإمداد والتموين، بسبب الأحداث.وهو يقول إن الاستمرار في ظل اشتداد العزلة الاقتصادية على المدى البعيد لن يكون ممكنًا، إلا بمعنى أن المواطن سيبقى قادرًا على الأكل والشرب فقط.

ومن الواضح أن روح التحدي، التي عبّر عنها الأسد في خطابه، تتردد بين مؤيديه، متجاهلين الآثار الاقتصادية للضغوط العربية والدولية.ونقلت صحيفة فايننشال تايمز عن سوري من سكان دمشق، طلب عدم ذكر اسمه، القول حين سُئل عن دعوة أمير قطر إلى إرسال قوات عربية quot;إن قطر لا تهمّنا.فهم يتكلمون، طوال الوقت يتكلمون.ولا أعتقد أن المشكلة هي قطر، بل المشكلة هي إسرائيل وأميركاquot;.

لكن مع نضوب قنوات الاعتماد في غمرة مخاوف من تردي قيمة الليرة السورية عندما يحين دفع المستحقات الآجلة على المستورد من البضائع، فإن ثمن العزلة الدولية، التي يعيشها النظام السوري، يصبح محسوسًا بصورة متزايدة، حتى في العاصمة.

صحيح أن قهوة لاتيه والساعات المستوردة متوافرة في المركز التجاري قرب فنادق العاصمة الفاخرة، التي أصبحت رمز دمشق الجديدة من خلال سياسة الأسد في الانفتاح الاقتصادي،ورغم أن التجار ما زالوا يجدون طريقة لاستيراد البضائع، رغم العقوبات الدولية ردًا على حملة النظام المستمرة في البطش بالمحتجين... لكن على بعد أمتار من هذه الرقعة، التي تعيش حياة طبيعة في الظاهر، تنهض شواهد تعيد التذكير بالضغوط الاقتصادية التي تتعرّض لها سوريا.