15.5 في المئة من التونسيين تحت خط الفقر
يعيش نحو مليون ونصف مليون من التونسيين حالة فقر تهدّد أمن واستقرار المجتمع التونسي الذي تضاعفت تحركاته واحتجاجاته في الفترة الأخيرة، وفي كل محافظات البلاد تقريباً، منادين ورافعين شعار quot;عمل، حرية، كرامة وطنيةquot;.

تونس: تعتبر مشكلة الفقر من أهم المشكلات الإجتماعية التي تهدد الثورة التونسية في مسارها الإنتقالي الصعب بارتدادات خطرة، فماذا فعلت حكومة الترويكا لمساعدة الفقراء؟ وما مدى مسؤولية الحكومة الحالية في بلوغ هذا الوضع أم إنه تركة ستين سنة من نظامي بورقيبة وبن علي؟ وما هي استراتيجيتها المستقبلية للتقليص من نسبة الفقر في تونس؟.
كشف المعهد الوطني للإحصاء (مؤسسة حكومية) في إحصائيات حديثة أنّ 15.5% من مجموع السكان، أي ما يعادل 1.5 مليون نسمة، يعانون الفقر، فيما يرزح نحو 4.6% من السكان في الفقر quot;المدقعquot;.
وأوضح المعهد في بيانه أنّ quot;الفرد يعتبر فقيراً حين لا يتجاوز مستوى استهلاكه السنوي خط الفقر المحدد بـ1277 ديناراً (حوالى 850 دولاراً ) للفرد الواحد في المدن الكبرى، مقابل 820 ديناراً (حوالى 550 دولاراً ) في الوسط غير البلديquot;.
وحدّد المعهد خط الفقر المدقع بـquot; 757 ديناراً (505 دولارات) للفرد في المدن الكبرى مقابل 571 ديناراً (380 دولاراً) في المناطق البلديةquot;.
مقاومة الفقر ومسألة الرعاية
أوضح محمد الزريبي مدير النهوض الإجتماعي في وزارة الشؤون الإجتماعية في تصريح لـquot;إيلافquot; أنّ مقاومة الفقر ليست مرتبطة بمسألة الرعاية عن طريق مؤسسات الشؤون الإجتماعية، أي رعاية الفقراء غير القادرين عن العمل حتى يتمكنوا من العيش، ولكنها مرتبطة أساساً بمعدّل التنمية في البلاد.
مشيراً إلى أنّ quot;هذه الإستراتيجية تبدأ من ميزانية الدولة أي من التنمية، فالحديث عن مقاومة الفقر يحيلنا مباشرة على الحديث عن التنمية والإستثمار والتوازن الجهوي والبنية الأساسية وإدماج الجهات المحرومة التي نجد فيها نسب فقر أعلى من غيرهاquot;.
وأضاف الزريبي: quot;في 2010 وجدنا أن 80%من ميزانية الدولة تصرف لجهات معينة دون أخرى، ولو نفتح هذا الملف على مدى الخمسين عاما الماضية قد نجد أن جهات معيّنة كانت مستثناة أصلاً من ميزانية الدولة، وبالتالي فإن مقاومة الفقر لا بد أن تعود إلى ميزانية التنمية أساساquot;.
وبيّن عضو القيادة الوطنية لحزب العمال الجيلاني الهمامي في تصريح لـquot;إيلافquot; أنّ quot;محاربة الفقر لا تكون إلا باسترجاع تعافي الإقتصاد التونسيquot; وبالتالي تكثيف الإستثمار في القطاعات المنتجة كالزراعة والخدمات لتحريك نشاط إقتصادي في البلاد قادر على إيجاد حلّ لمشكلة الفقر من خلال توفير العمل في كل الجهات لامتصاص البطالة، ومن ثم زيادة الإنتاج للمحافظة على استقرار الأسعارquot;.
وكان حزب العمال دعا أخيراً مع ما شهدته أسعار مواد الإستهلاك الأساسية ونسبة التضخم من ارتفاع غير مسبوق خلال الأشهر الأخيرة وما أدى إلى تدهور مفزع للمقدرة الشرائية لعمومالمواطنين، إلى المسارعة باتخاذ التدابير اللازمة لتجميدالأسعار والزيادة في الأجور مع ضمان شفافية مسالك التوزيع ومقاومة الاحتكار ومزيد من إحكام المراقبة الاقتصادية من اجل التخفيف من وطأة غلاء المعيشة وإنعاش الإستهلاك العائلي لتنشيط الدورة الاقتصادية.
وأبرز الهمامي أنّ محاربة الفقر لن تكون بالمساعدات المقدمة للعائلات المعوزة والمحدودة الدخل من خلال quot;نظام الصدقةquot; الذي يعمّق الهوّة بين أفراد الشعب ويشجع على الإتكال على الدولة.
أربعة محاور أساسية
أبرز مدير النهوض الإجتماعي رؤيته لهذه المسألة قائلا: quot;من خلال رؤيتنا كفنيين، وكمحور ثان، فإن مقاومة الفقر تستند إلى البنية الأساسية ، فهل يمكن أن نحقق استثمارات في ولايات القصرين وسيدي بوزيد و سليانة وقبلي وتطاوين مثلا دون أن تكون هناك بنية تحتية أساسية التي ستبنى عليها القاعدة الإقتصاديةquot;.
وواصل الزريبي: quot;الفقر يقاوم بالإدماج الذي يمر عبر القروض الصغيرة والمتوسطة. وبرأيي فاليوم من الضروري أن تكون لنا شبكة لتوجيه هذه القروض وتنسيق السياسة المتبعة في هذا الإطار لأن عديد الوزارات تمنح القروض الصغرى بنسب متفاوتة ودون تنسيق في ما بينها، وبالتالي يجب التنسيق والإدماج في موضوع القروض الصغرى والمتوسطة للتشتت الحاصل في المجهودquot;.
ويبرز الزريبي المحور الثالث حول مساعدات وزارة الشؤون الإجتماعية: quot;الآن في مستوى هذه الوزارة نحن بصدد وضع برنامج صادقت عليه الحكومة من أجل إعادة النظر من خلال قاعدة بيانات جديدة للعائلات المعوزة والمحدودة الدخل لمراجعة منهجية العمل والمقاييس وإشراك المجتمع المدني في تحديد هذه العائلات والمقاييس المتفق عليها من أجل ضمان شفافية هذه العملية الحساسة، وقد نقوم حتى بتعليق قائمات المنتفعين للعموم، وقد بدأنا في هذا المشروع الذي سيتواصل على مدى ثلاث سنوات، من تحديد لجنة القيادة حتى يتم تحديد العائلات المعوزة فعلاً في مرحلة أولى ثم توجيه المساعدات إليها مباشرة ومن دون واسطة عن طريق إعانات مالية مباشرةquot;.
والمحور الرابع يتمثل أساساً في تغيير ذهنية المواطن، فلا يمكن مقاومة الفقر دون أن ترسخ عقلية التعويل على الذات بإشراك مباشر للمجتمع المدني والإعلام لأن ما يحصل الآن أنّ المواطن يتحصل على قرض لإقامة مشروع فيصرفه في شأن آخر وبالتالي لابد من مرافقة هؤلاء من طرف المجتمع المدني عن قرب في قراهم وأريافهم وأحيائهم.
وشدد المدير العام للنهوض الإجتماعي على أنّ مقاومة الفقر ليست مسؤولية الوزارة بل مسؤولية الحكومة لأننا نتصور في مستوى وزارة الشؤون الإجتماعية أنه لا بد من برنامج وطني لمقاومة الفقر يتضمن المحاور الأربعة التي تناولناها بالشرح.
منهجية جديدة و مراجعة
أوضح محمد الزريبي نسب المعهد الوطني للإحصاء مؤكداً أنّ: quot;هذه النسب إعتمدت فعلاً منهجية جديدة وأظهرت لنا واقعاً جديداً، وبرنامج العائلات المعوزة في وزارة الشؤون الإجتماعية حاليا يغطي بين 11 و12% من نسبة الفقر في تونس وبالمراجعة التي ستحدث يمكن أن نكون قريبين من النسبة التي حددها المعهد الوطني للإحصاء، وهناك كذلك الإرتداد لمسألة الفقر الذي يجب على الحكومة أن تحتاط لذلك لأن ما حدث قبل الثورة التونسية هو أن الطبقة الوسطى تلاشت تقريبا واهترأت وهو ما جعل الذين شاركوا في الثورة يكونون من هذه الطبقة وليسوا من المهمّشينquot;.
بينما شكك الهمامي في النسب التي أعلن عنها المعهد الوطني للإحصاء مؤكدا أنّ المعهد نفسه كان أعلن في بداية عام 2011 أن نسبة الفقر في تونس تساوي 25% وهذه النسبة مرشحة للزيادة في السنة الجارية لأن quot;عديد المؤسسات أغلقت أبوابها والأنشطة الإقتصادية دخلت في مرحلة ركود وأزمة فكانت زيادة نسب العاطلين عن العمل أي زيادة انتشار الفقرquot;.
مسؤولية حكومة الترويكا
ﻗﺎل وزير الشؤون الإجتماعية خليل الزاوﯾﺔ إننا ﻧﺳﻌﻰ إﻟﻰ ﺗﻘﻠﯾص نسبة الفقر ﺷيئا ﻓﺷﯾﺋﺎ ﻣﺿﯾﻔﺎ أن اﻟوزارة تعيد اﻻﺣﺻﺎﺋﯾﺎت ﻣن أﺟل ﺣﺻر اﻟﻌﺎﺋﻼت اﻟﻔﻘﯾرة واﻟﺗﻲ ﺗﺣﺻرھم اﻟوزارة ﺣﺎﻟﯾﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﺋﻼت اﻟﺗﻲ ﺗﺗﻣﺗﻊ ﺑﺑطﺎﻗﺔ ﻋﻼج ﻣﺟﺎﻧﯾﺔ.
وأﻛد اﻟزاوﯾﺔ أن اﺣﺻﺎﺋﯾﺎت اﻟوزارة ﻗد أﺛﺑﺗت ﻣؤﺧرا أن رﺑﻊ اﻟﻣﺗﺳوﻟﯾن ﻓﻲ ﺗوﻧس ﯾﻣﻠﻛون اﻧﺧراطﺎت ﻓﻲ ﺻﻧدوق اﻟﺿﻣﺎن اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ.
وأشار وزير الشؤون الإجتماعية إلى أن اﻟوزارة ﻗد رﻓﻌت ﻓﻲ ﻋدد اﻟﻌﺎﺋﻼت اﻟﻣﻌوزة ﻟﺗﺻل إﻟﻰ ﺣوالى 235 أﻟف ﻋﺎﺋﻠﺔ ﺿﻣن اﻻﻋﺗﻣﺎدات اﻟﻣﺧﺻﺻﺔ ﻟوزارة اﻟﺷؤون اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﻟﺳﻧﺔ 2012 quot;ﻣﺿﯾﻔﺎً أنّ quot; ھﻧﺎك أﻛﺛر ﻣن 800 أﻟف ﺑطﺎﻗﺔ ﻋﻼج ﻣﺟﺎﻧﯾﺔquot;.
وتحدث مدير النهوض الإجتماعي عن مدى مسؤولية الحكومة الحالية: quot;إن المعهد الوطني للإحصاء سبق أن أعلن عن نسب غير بعيدة عن النسب الأخيرة لكنها حجبت بفعل فاعل، والحكومة الحالية بعد الثورة زادت نحو 100 ألف عائلة أدرجت ضمن برنامج المساعدات القارية حتى تخفف من وطأة الوضع الإجتماعي، المسؤولية ليست للحكومة الحالية لأنها لم تصنع هذا الوضع كما أن الفقر لا يمكن أن نتخلص منه بين يوم وليلة بل على مدى مخططات تنموية، ولكن المسؤولية تتمثل في أن تكون للحكومة الحالية نظرة استراتيجية لموضوع الفقر الذي يرتبط بظاهرة البطالة، وتتداخل فيه عدة عوامل منها التربوي والصحي والمادي والنفسي وغيرها لذلك فمقاومة الفقر تتم على مستوى كل الصّعد، في التربية والعلاج المجاني وضمان الحد الأدنى من المسكن اللائق (برنامج لبناء 30 ألف مسكن)، والوظيفة التي تضمن للأسرة كرامتهاquot;.
وشدّد عضو القيادة الوطنية لحزب العمال على أنّ الوضع الحالي هو في الواقع quot;تركة لنظامين سابقين أوصلانا إلى هذه الحالة الصعبة التي يعيشها الشعب التونسي الذي يعاني الفقر و التهميش وغياب تكافؤ الفرص بين الجهات التي بقيت محرومةquot;، ولكن الإشكال أن مسؤولية الحكومة الحالية تكمن في أنها حافظت على الخيارات القديمة نفسها بينما تعرف جيدا أن هذه الخيارات لن تؤدي إلا إلى مزيد من الفقر والتهميش والبطالة، وهي في الوقت نفسه تريد، وفي نطاق الخيارات نفسها، أن تجري تغييرات جوهرية وهو الأمر المستحيل تحقيقه.
وأكد أنّ المطلوب من الحكومة الحالية هو quot;توفر إرادة حقيقية لإجراء تغييرات عميقة في معدل التنمية الحالي على المدى البعيد مشيراً إلى ضرورة إتخاذ إجراءات تؤكد من خلالها للشعب أنها تنوي القيام بذلك وهذا ما يبعث بالطمأنينة لدى الجميعquot;.