تصدعت العلاقة بين وزارة المالية وهيئة الخبراء المحاسبين في تونس بعد إصدار وزارة المالية قراراً بالتدقيق المالي لثلاثة بنوك وطنية عن طريق مكاتب أجنبية دون إستشارة الهيئة، ما اعتبرته الأخيرة تجاوزاً لوجودها.

تونس: دعت هيئة الخبراء المحاسبين في تونس، إلى مقاطعة وعدم المشاركة فيالعرض الذي تقدمت به وزارة المالية للتدقيق في حسابات ثلاثة بنوك وطنية، وذلك إلى حين إعلام أعضائها بالمستجدات وطالبت الخبراء المشاركين بوجوب سحب ترشحاتهم والتضامن داخل المهنة لمقاومة محاولات ضرب صفوفها، ووجوب إحترام قرارات مجلس الهيئة.
كما كلفت الهيئة فريقاً من المحامين للقيام بجميع إجراءات التتبع الإدارية والمدنية والجزائية ضد الأطراف المساهمة في إطلاق طلب العروض للتدقيق الشامل في ثلاث مؤسسات بنكية عمومية وكل من حاول المساس بالقوانين المنظمة لمهنة الخبير المحاسب وخاصة عمليات إنتحال صفة خبير محاسب أو ممارسة غير قانونية لمهام خبير محاسب مهما كانت صفة الشخص أو المؤسسة المتورطة وجنسيتها.
سيادة تونس
صرح نبيل عبد اللطيف رئيس هيئة الخبراء المحاسبين في البلاد التونسية لـquot;إيلافquot; أن الخبراء مستعدون لحماية سيادة تونس المالية من أي تدخل أجنبي بكل الطرق والوسائل الممكنة، وأن الإخلالات والتجاوزات وصلت إلى درجة خطيرة يجب الوقوف عندها بجدية لأنها تهدد التوازنات المالية والاقتصادية في تونس وبلغت الخطورة التدخل في المعطيات والمقدرات الاقتصادية الوطنية بأيادٍ أجنبية لا تنتمي لأي هيكل منظم ومراقب محلياً.
وسجل رئيس الهيئة أهم التجاوزات والثغرات في إسناد مهام تقييم المؤسسات المصادرة وفي تعيين مراقبي حسابات البنك المركزي وصندوق الودائع وفي تعطيل إصلاح شروط مراجعة المنشآت العمومية وكلها مهام ضبطها القانون في نصوص تشريعية واضحة.
وأشار إلى أن خطورة فوز طرف أجنبي بطلب العروض هو نفاذ الأجانب إلى المعطيات والأسرار الوطنية من جهة، كما أن كثرة التمويلات والقروض جعلت الصناديق الممولة تفرض على تونس سياسات وإملاءات خطيرة لا تتماشى في كثير من الأحيان مع المصلحة الإقتصادية الوطنية.
وبيّن أنه بعد أشهر من التروي ومحاولة الحوار مع الأطراف المسؤولة والمشرفة وأمام غياب أي إجراء لإلغاء الشروط يبقى القضاء هو الفيصل للتصدي لهذه الممارسات التي من شأنها أن تعرض التوازنات المالية للبلاد لأخطار الإرتجال والتسرع خاصة مع التأخير الحاصل والواضح في معالجة ملف العدالة الإنتقالية والحوكمة الرشيدة ومقاومة الفساد.
إقصاء وإنعدام الثقة
يبدو أن تصدّع العلاقة بين هيئة الخبراء المحاسبين ووزارة الإشراف وإنعدام الثقة والإقصاء كان حاضراً في أكثر من مناسبة وتحديداً منذ إعداد وثيقة قانون المالية التكميلي لسنة 2012، فمنذ تلك الفترة يشكو الخبراء المحاسبون عدم تشريكهم وإستثناءهم من أهم الملفات الإقتصادية الحيوية ومن إستنقاص وزارة المالية من الكفاءات التونسية بصفة مباشرة أو غير مباشرة رغم تألق الخبير المحاسب التونسي في جميع أنحاء العالم من بينها إنتخاب تونس بالإجماع، ممثلة في هيئة الخبراء المحاسبين، عضواً في مجلس إدارة الجامعة العالمية للخبراء المحاسبين الفرنكفونيين.
حول مسألة الحوكمة والشفافية في القطاع العمومي أوضح أنيس الوهابي خبير محاسب في هيئة الخبراء المحاسبين في تصريح لـquot;إيلافquot; أن الحوكمة الرشيدة ليست بالخلافة الراشدة فالحكم الرشيد هو مجموعة القوانين والقواعد والمعايير التي تهدف إلى ترشيد إدارة المؤسسات وضمان مصالح المالكين فهي آلية لضمان الشفافية في التصرف في المال العمومي، واعتمدت هذه المنظومة في الولايات الأميركية المتحدة منذ السبعينات وظهور المصطلح أساساً مرتبط بالأزمة المالية والإقتصادية التي عرفها العالم في الثلاثينات.
وأكد الوهابي أن الحوكمة تهم كل مكونات المجتمع وجميع الأطراف ذات العلاقة من بنوك ومزودين ومؤسسات .. وأكد على ضرورة إعتماد آليات المساءلة والشفافية المالية وإعتماد المعايير الدولية للمحاسبة في القطاع العمومي وهي معايير إعتمدت ونجحت في أكثر من 100 دولة أفريقية وأوروبية وطبقتها منظمات عالمية غير ربحية مثل المنظمة العالمية للزراعة والمنظمة العالمية للصحة ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية.
ودعا الوهابي إلى ضرورة اعتماد هذه المعايير لمحاسبة المؤسسات العمومية ومساءلة المجالس الجهوية والمحلية لدعم شفافيتها وتنمية مواردها وضمان تنميتها، وذلك بجرد أصولها وممتلكاتها ومداخيلها ومصاريفها وعدم الإلتجاء إلى المدققين الأجانب مادامت بلادنا تزخر بالكفاءات التي يشهد لها على الصعيدين المحلي والدولي بالقدرة والتميّز.