إهتدت الصين إلى وسيلة مثالية تتيح لها، من جهة، تهدئة مشاعر مواطنيها المسلمين المهملين والساعين إلى الاستقلال، ومن الجهة الأخرى استغلال هذا الترتيب نفسه لزيادة حصتها في السوق العربية. أما الوسيلة نفسها فهي laquo;اللحم الحلالraquo;.


لندن: لطالما بادل مسلمو الصين بكين مشاعر العداء، سواء بسبب الاختلاف العرقي أو الأيديولوجي أو فقط لكونهم مسلمين يتطلعون إلى وطن مستقل لهم من دولة تتعامل معهم كحفنة من الإرهابيين لا أكثر.

لكن، بالنسبة إلى بكين، فيبدو أنها اهتدت إلى أن بوسعها معاملتهم ndash; خاصة في أقاليمهم الرئيسة في غرب البلاد، من زاوية مختلفة. فبدلاً من أن يظلوا عبئاً على اقتصاد الدولة باستنزافهم طاقات laquo;مكافحة الإرهابraquo;، يمكن في الواقع الاستفادة من كونهم laquo;يذبحون ماشيتهم على الطريقة الإسلاميةraquo;.

الغرض من هذا هو غزو سوق الشرق الأوسط، ووفقًا لصحيفة laquo;واشنطن بوستraquo;، التي أوردت هذا التقرير، فمما لا شك فيه هو أن تراخي قبضة الغرب، وسط متاعبه الاقتصادية الجمّة، على السوق العربية يعني أيضا مزيداً من المساحة أمام بكين لتغلغلها في هذه السوق عبر ما لا يستطيع الغرب تقديمه على أية حال، وهو اللحم الحلال.

من جهتها فإن دول الشرق الأوسط الغنية نفطيًا هي الأقرب جغرافيًا إلى أقاليم غرب الصين الفقيرة، التي لم تشهد نوع الازدهار الاقتصادي الذي شهدته مناطقها الشرقية خلال العقود الثلاثة الماضية. وهذا يعني ndash; من ناحية استراتيجية مهمة ndash; أن بوسع بكين توظيف هذا العامل لغرض التجارة من أجل النفط العربي المهم لمشاريع التنمية الصينية، بما فيها تلك الموجّهة إلى المناطق الغربية أيضًا.

لا يخفى على أحد أن الصين خصصت قدرًا كبيرًا من جهودها الدبلوماسية خلال السنوات الخمس الماضية من أجل بناء جسور صلدة مع دول العالم العربي.

وعلى هامش هذه السياسة رعت بكين سلسلة طويلة من المؤتمرات والمنتديات، استضافت فيها المندوبين العرب في طول البلاد وعرضها، ومضت إلى حد رعايتها الاحتفالات العرقية، التي تمجّد التراث الصيني المسلم. وتمثل أسطع دليل على اهتمام بكين بالمنطقة العربية في زيارة الرئيس الصيني نفسه، هو جينتاو، للمملكة العربية السعودية.

وكانت أكبر مناسبة قريبة من حيث الحجم في ذلك الاتجاه هي منتدى ينشوان (عاصمة إقليم نينغزيا) الاقتصادي، الذي ضم ممثلين رفيعي المستوى من دولة الإمارات في خريف العام الحالي. وأتى هذا المؤتمر تتويجًا لسياسة الصينية الناجحة في المنطقة العربية.
فقد شهدت في العام الماضي تزايد حجم التجارة بنسبة 35 في المائة إلى 196 مليار دولار وفقًا لأرقام المسؤولين الصينيين أنفسهم. كما ارتفع في النصف الأول من العام الحالي بنسبة 22 في المائة إلى 111.8 مليار دولار.

ومع أن التجارة بين الطرفين ظلت تدور في إطار النفط العربي من جهة والنسيج والأدوات المنزلية الصينية من الجهة الأخرى، فقد تنبّهت بكين الآن إلى أن بوسعها فعلاً استغلال حاجة السوق العربية من اللحم الحلال لربح تجاري يكفي لتنمية أقاليمها الغربية شبه المهملة، بما تستطيع هذه الأقاليم نفسها توفيره من هذه السلعة.

خذ إقليم نينغزيا نفسه على سبيل المثال. فهو يضم أقلية عرقية تسمّى laquo;هويraquo;، تمثل ثلثي عدد السكان، ويٌعتقد أن أفرادها يتحدرون مباشرة من أصول التجار العرب والفرس، الذين استقر بهم المقام في هذه المنطقة منذ أيام laquo;طريق الحريرraquo;.

من هذا المنطلق تسعى السلطات الصينية إلى تحويل هذا الإقليم إلى أكبر منتج منفرد للحم الحلال في العالم. وهذا على مدى الخطط قريبة المدى. أما على البعيدة فثمة طموح ndash; والبعض يقول إنه طموح جامح ndash; لأن يصبح متخصصًا في التجارة مع العالم العربي دون سواه في العالم، فيكفي سائر الاحتياجات العربية من مختلف المستوردات.

لكن التقرير الصحافي يقول إن مشروع اللحم الحلال نفسه ليس بدون عوائق خارجية من طرف الجهات المستورِدة المحتملة. ويتمثل أبرز هذه العوائق في حصول هذا المنتج على الترخيص من دول عربية يمكن وصف سياساتها الاستيرادية بأنها laquo;حمائيةraquo; في أفضل الأحوال وlaquo;بيزنطيةraquo; في بعضها الأسوأ... على أن الصين معتادة على هذا النوع من العوائق، والأرجح أنها لن تستغرق وقتًا طويلًا في تخطيها.