بدأت تونس تفقد بريقها كوجهة سياحية مفضلة لغالبية الدول الأوروبية، وانعكس هذا الوضع على أداء هذا القطاع، الذي سجل أعلى نسبة تراجع شهدها على مدى السنين، بلغت 33 % بالمقارنة مع ما سجلته في سنة 2010. كما انخفض عدد السياح بنحو 30 %، مما تسبب في فقدان 23 ألف وظيفة.


بوادر الانفراج السياحي في تونس ما زالت بعيدة

تونس: ساهم العديد من العوامل في فقدان السياحة التونسية لبريقها ولحرفائها الاستراتيجيين، لعل أهمها تداعيات ثورة 14 يناير، وما خلفته من نتائج سلبية على كل القطاعات وانتشار الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى بروز العنف بدعوى نشر الدعوة الإسلامية التي تبنتها مجموعات تدّعي أنها سلفية، وترويج الأسلحة عبر الحدود، واعتقال بعض الأطراف المتورطة في هذه العمليات، واهتزت صورة تونس كوجهة سياحية، وبشكل خاص لدى الأوروبيين، الذين كانوا يغطون 60 بالمائة من سوق السياحة.

واقع متردّ
في تصريح لـquot;إيلافquot; يقول عبد الباسط البريكي، ناشط في القطاع الفندقة والسياحة، إن واقع السياحة التونسية اليوم متردّ جدًا، ويبعث على التخوف، فبعدما كانت تونس برمالها وبحارها ومرافقها السياحة المميزة أجمل وجهة يتهافت السياح من مختلف دول العالم إلى زيارتها والاستمتاع بمناخها المتوسطي الجميل، أصبحت وجهة غير محبذة، فالبلاد تكاد تكون خالية من السياح، والفنادق لا تستقبل إلا أعدادًا قليلة منهم، وخاصة الشيوخ والمتقاعدين، بعدما كانت حلم الزائر من كل صوب وحدب.

ويرى البريكي أنه يجب على الدولة أن تسرع في طمأنة الدول الأخرى عبر فرض الأمن والاستقرار الشامل في البلاد، وتكثيف الحملات الترويجية الضخمة، خاصة في أوروبا، التي أصبحت غالبية دولها ترفض التوجه إلى تونس.

ويفيد أن الكل يعلم أن السياحة هي عصب الاقتصاد في البلاد، حيث إنها المصدر الأول للعملة الصعبة، وتوفر مئات الآلاف من فرص العمل، لكن منذ قيام الثورة التونسية وما تبعها من اعتصامات ومطالب اجتماعية وأعمال عنف، شهدت البلاد، وخاصة خلال السنة الماضية، إقبالاً من الجزائريين والليبيين، الذين أدخلوا انتعاشًا إلى سوق السياحة.

ويؤكد أنه رغم المجهودات التي تقوم بها الدولة لإنعاش السياحة التونسية، من خلال تسويق مفاهيم جديدة للسياحة التونسية، ضمن الحملة الترويجية في الخارج، عبر مراحل عدة، من بينها الإعلان في ميترو الأنفاق، والترويج في المجلات والصحف الفرنسية والتعريف بالمدن التونسية، إلا أن بوادر الانفراج ما زالت بعيدة، خاصة بعد انتشار ظاهرة العنف وترويج السلاح عبر الحدود التونسية والاضطرابات السياسية والاجتماعية وسيطرة التيار الإسلامي على المشهد السياسي في البلاد، ما شكل ترددًا كبيرًا لدى السياح في إقبالهم على تونس كوجهة سياحية مميزة، إضافة إلى خطر المنافسة، الذي يشكله بعض دول حوض المتوسط، كالمغرب واليونان والبرتغال.

فراغ رهيب
من جهته أفاد برهان بن غربال رئيس النقابة الأساسية لتجار المدينة العتيقة بأن السوق العتيقة تشكو فراغًا رهيبًا لم يسجل له مثيلاً، حيث أكد أن الحركة التجارية في البلاد تراجعت بنسبة 80 %، ما اضطر معظم أصحاب المحال إلى تسريح العمال أو تغيير النشاط.

وقال إن السوق اليوم تكاد تكون مقفرة إلا من بعض المتجولين والحرفاء المحليين، وأضاف أن بعض السياح الوافدين عبر الرحلات البحرية لتمضية 24 ساعة في البلاد أصبحت توجههم مجموعات ووكالات أسفار إلى أماكن بعينها من دون أن تترك لهم الحرية في اختيار المكان والمنتج، مشيرًا إلى أن الأوضاع السياسية والأمنية والاجتماعية المتردية في البلاد ساهمت بشكل كبير في تغيير صورة البلاد السياحية، ما أثر سلبًا على القطاع ككل، وساهم في تراجع عائداته.

ويقول أحمد الجابري وكيل أسفار إن شركة ldquo;توماس كوكrdquo;، أكبر شركة أسفار أوروبية، تكبدت بسبب الاضطرابات في تونس ومصر خسائر مالية كبرى تقدر بنحو 24 مليون يورو، وهي تعتزم تسيير رحلات إضافية إلى جزر الكناري، بدلاً من منطقة شمال أفريقيا.

ويفيد أنه وفي تصريح أدلى به لإحدى وسائل الإعلام الألمانية أكد فرنك هاوزا المدير التنفيذي لشركة quot;توماس كوكquot; أن ثورتي تونس ومصر كلفتا الشركة خسائر مالية كبيرة، وأنه تم تحويل وجهة ثلاثين بالمائة من حجوزات تونس ومصر إلى كل من إسبانيا، واليونان وتركيا، وهي حسب رأيه ضربة موجعة إلى السياحة التونسية.

وفي اقتراحه لحلول جذرية تواجه بها البلاد هذه الأزمة، قال إنه يجب القطع فورًا مع التطرف الفكري، الذي يرهب السيّاح، وفرض الاستقرار الأمني في الابلاد أولاً وقبل كل شيء.