فجّر التقرير الذي أعدته اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد في تونس ملفات خطرة وقضايا تورطت فيها أطراف عدة، بعضها يتعلق بعائلة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وأصهاره، وبعضها الآخر يتعلق بتورّط بعض المسؤولين في الحكومة السابقة في الصفقات العمومية المشبوهة والفساد والرشوة في مختلف هياكل الدولة والقطاعات العامة والخاصة.
الثورة في تونس كشفت عن حجم الفساد المستشري في الأسرة الحاكمة |
زمردة دلهومي محمدي من تونس: حجزت اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد في تونس العديد من الوثائق التي تم العثور عليها في إطار قيامها بالزيارات الميدانية، ولعل العنصر الأبرز والأخطر الذي تعرّضت له اللجنة في تقريرها هو الفساد في قطاع الطاقة والبترول في تونس.
يذكر في هذا السياق أن اللجنة قامت بدراسة 5 آلاف ملف من مجموع 10 آلاف في غاية التعقيد والخطورة، عرضت على أنظارها، وأحالت 320 ملفا على النيابة العمومية. كما قامت اللجنة بـ 120 جلسة استماع في إطار تحقيقاتها، واستدعت بشأنها العديد من الشخصيات السياسية في البلاد.
ممارسات مشبوهة
كشفت التحريات التي قامت بها اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الفساد والرشوة، من خلال الوثائق التي عثرت عليها في مصالح رئاسة الجمهورية، عن وجود شبكة quot;مافياquot; من الضالعين في ممارسات مشبوهة على حساب منشآت عمومية تعمل في ميدان الطاقة بمشاركة أفراد موجودين في الخارج.
جدير بالذكر أن شقيق زوجة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي سبق أن حوكم يوم 5 تشرين الأول/أكتوبر 2011 في قضية مهمة لم يتعرّض لها هذا التقرير، وتتعلق باعترافه بالحصول على عمولة كبيرة من شركة quot;بتروفاكquot; البريطانية بقصد التوسط لها للحصول على امتياز استغلال حقل غاز في جزيرة قرقنة، وقد حوكم هذا الشقيق وبمفرده، وأغلق هذا الملف من دون التعرض إلى بقية الأطراف، التي قد تكون متورطة في هذه العملية.
وأكد التقرير استفادة شقيق زوجة الرئيس من إفشاء أسرار مهنية تتعلق بالصفقات، التي تبرمها الشركة التونسية للأنشطة البترولية أو كذلك الشركة التونسية لصناعات التكرير عن طريق مسؤولين يوفرون له معلومات عن الصفقات في الشركات المذكورة.
كما كشف التقرير الوطني أن القرارات الحاسمة في الصفقات العمومية كانت تتخذ في القصر الرئاسي، حيث يتم استدعاء المعنيين بالأمر والتفاوض معهم مباشرة، لإسناد الرخص من دون طلب عروض، وإطلاع الناقلين البحريين على المعطيات المتعلقة بالأسعار المزمع تقديمها من قبل المنافسين، وعلى العديد من المعطيات السرية الأخرى، للحصول على صفقات تتعلق بالبترول والغاز.
وعن المبالغ التي تم تحويلها، وجدت اللجنة ملفًا لمتابعة المبالغ التي تُحوّل من قبل مصالح وزارة الداخلية والرئاسة عبر التجسس على المراسلات الإلكترونية، ويتبين من خلال الملف وأعمال التقصي، التي قامت بها اللجنة في هذا الصدد، ضلوع شبكة كبيرة في هذه الممارسات، تتكون من مسؤولين في شركات وطنية وأجنبية.
ورغم أن التقرير تعرّض إلى أسماء عدد من المسؤولين المتورطين في قضايا الفساد في القطاع، إلا أن معظمهم لا يزال في منصبه أو ربما حصل على ترقيات.
محاسبة الفاسدين
حول أبرز ما جاء في التقرير من نقاط تتعلق بالفساد في قطاع الطاقة والبترول، بيّن سفيان الرقيقي مدير إداري في الشركة التونسية للأنشطة البترولية أنه من الضروري فرض حد أدنى من الشفافية مع الالتزام بالمعايير الدولية في مجال الطاقة وعدم تسييس القطاع ومحاسبة الفاسدين وإبعادهم.
وأورد في حديثه أنه رغم وصول بعض قضايا الفساد إلى القضاء وتواتر التقارير الصحافية حول بعض التجاوزات في قطاع الطاقة، ظلت الإدارة صامتة، ورافضة لمطلب فتح تحقيق في الملفات الكبرى، كما بقيت النقابات صامتة، وهو ما ولّد ظاهرة جديدة، تتمثل في بعث لجان حماية المؤسسات، التي تحركت في مؤسسات عدة، ونجحت في عزل بعض المسؤولين.
وقال إن التقرير لم يقدم أي معلومة حول كيفية اتخاذ القرارات في ما يتعلق بالصفقات والعقود الكبرى في مجال الطاقة، وأوضح محدثنا أنه للفوز بأية رخصة امتياز إنتاج بترول، فإنه يستوجب المرور بإجراءات عدة وهياكل إدارية، سواء في المؤسسة أو الإدارة العامة للطاقة، وكلها تفتقد حاليًا الشفافية المطلوبة.
وأكد أن قطاع الطاقة له علاقات مشبوهة بعدد من رموز الفساد السياسي والنقابي، وأن التغيير الشامل، الذي قدمته الثورة، لم يغير قيد أنملة من سير القطاع، الذي ظل على حاله، سواء في ما يتعلق بالمسؤولين أو بالسياسات المعتمدة، أو خاصة في ما يتعلق بالاعتماد على شبكة من الأقارب والشركات الوهمية والخدمات غير المباشرة.
وقال سفيان الرقيقي إن قطاع الطاقة يتسم بعدم الشفافية، حيث لا يمكن للعموم الحصول على أي رقم أو معلومة تهمّ المجال، رغم مطالبة المجتمع المدني حديث التكوين بذلك، ومطالبته بانخراط تونس في المعايير الدولية للشفافية في قطاع الطاقة.
وأفاد المسؤول بأن المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية، التي تم إفراغها من الطاقات الكفوءة، لا تمارس الرقابة المفترضة على فروعها، ما يسمح بوجود ثغرات وتلاعب بالتكلفة الحقيقية للإنتاج والمشاريع، وقال إن صيغ التحايل في مجال البترول تعتمد على شبكات دولية مكونة من خبراء لهم كفاءة عالية، ولا يمكن مجابهتهم أو التفطن إلى ألاعيبهم بإدارة متخلفة ومسؤولين يتقاضون أجورًا متواضعة، لكنهم يمضون صفقات بالمليارات في غياب شبه كلي لهياكل المراقبة الداخلية الناجعة.
التعليقات