الأزمة الاقتصادية الاجتماعية في سوريا تستعر في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية والغاز، انقطاع الغاز والتيار الكهربائي، وحركة النزوح السكانية في الداخل، تحديداً من مدينة حمص التي تشهد أسوأ حملة أمنية لقمع المعارضين فيها. يجلس ياسر في الظلام في متجر لبيع الملابس في مدينة دمشق القديمة، ويستمع إلى هدير المولّدات الكهربائية، وهو صوت كان غريباً على سوريا حتى وقت قريب.


دمشق: يقول ياسر إن أحوال التجارة في البلاد سيئة، فالأعمال قليلة والأسعار إلى ارتفاع، مشيراً إلى انقطاع الغاز بسبب ارتفاع سعره، حتى أنه عجز عن استبدال قارورة الغاز في منزله. يشرب ياسر كوباً من الشاي من دون سكر، نظراً لأن مادة السكر تحولت إلى سلعة ثمينة بعد أن قفز سعره ليصبح خمس مرات أكثر من السعر المتعارف عليه. quot;حتى السجائر ارتفع ثمنها، واضطررت إلى تدخين نوع سيئ من السجائر لكن بسعر أقلquot;.انخفضت معنويات الشارع السروري في وسط دمشق منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية ضد الرئيس السوري بشار الأسد، فانتشرت المظاهر المسلحة في الضواحي والبلدات التي تطوّق العاصمة، وباتت هذه المنطقة وكأنها تجلس على فوهة بركان قد ينفجر في أية لحظة.


في هذا السياق، اعتبرت صحيفة الـ quot;غارديانquot; أن مظاهر الحياة الطبيعية ما زالت مسيطرة في العاصمة ndash; إلى حد ما ndash; مشيرة إلى أن الحياة في المدينة تختلف عن أماكن أخرى مثل حمص أو إدلب، والتي اشتعلت في حلقة من الاحتجاجات المسلحة وحملة النظام الأمنية.في يوم مشمس، يتجول الناس في الشوارع ويقفون أمام الواجهات للتفرج على البضائع وآخر إصدارات الهواتف وأجهزة الفيديو الرقمية، ويجلس الأثرياء في المقاهي الراقية حيث يحتسون القهوة - على الأقل في الوقت الراهن.على خلفية الأزمة التي شلّت الحركة اليومية الاعتيادية إلى حد ما، يحاول الدمشقيون إيجاد روتين جديد. لكن الحياة تزداد صعوبة تدريجياً. الاكتئاب والأرق يتزايد، لا سيما في ظل الحكايات عن الموت والتعذيب مع عدم اليقين بشأن المستقبل.


أدت العقوبات التي تطبقها الولايات المتحدة وأوروبا وبعض الدول العربية الى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والتدفئة، وفقدت الليرة السورية نصف قيمتها خلال العام الحالي لتصل إلى سنت أميركي واحد في شهر شباط/فبراير الماضي.انقطاع الكهرباء والغاز الذي كان نادراً في السابق، بات اليوم بمثابة روتين في سوريا، إلى حد تداول البعض النكات للسخرية من الوضع المتردي، منها نكتة متداولة عن زوجة سألت زوجها كيف من المفترض ان تطهو من دون غاز، فأجابها quot;استخدمي الميكروويفquot;، ليكتشف ان التيار الكهربائي مقطوع أيضاً.تغيرت حياة ياسر من عدة نواح، إذ قرر قبل شهر مغادرة منزله في ضاحية زملكا، شرق دمشق، واستئجار غرفة لعائلته أقرب إلى وسط المدينة حيث ينقطع التيار الكهربائي أربع ساعات يومياً، مقارنة مع ثماني ساعات أو أكثر في منزله القديم.


وأشارت الـ quot;غارديانquot; إلى حركة النزوح في سوريا، مشيرة إلى أن المدينة التي يسكنها سبعة ملايين نسمة، تستضيف اليوم نازحين من مختلف المناطق، الذي يبقون لفترات غير محددة بانتظار هدوء الأوضاع. وتقول الامم المتحدة إن هناك أكثر من 200،000 نازح سوري، إضافة إلى 39000 لاجئ في تركيا ولبنان والأردن، وغيرهم ممن اضطروا إلى دفع الأموال من أجل الانتقال إلى دول بعيدة. موجة النزوح الأخيرة انطلقت من حمص التي تدفق الآلاف منها إلى المدن والبلدات البعيدة، هرباً من القصف على حي بابا عمرو وأحياء أخرى، الأمر الذي أدى إلى تمزيق العائلات وتهجيرها.


ونقلت الـ quot;غارديانquot; عن رجل أعمال ثري يقول إنه وأصدقاؤه يشعرون بالاشمئزاز من النظام يوماً بعد يوم. لكن أنصار الرئيس الأسد ما زالوا متعاطفين معه، من بينهم رجل من مدينة اللاذقية يعمل سائق سيارة أجرة، يصف المتظاهرين بـ quot;الكلابquot;، متهماً إيّاهم باستخدام السلاح. أما البعض الآخر، وبغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، فيريدون فقط انتهاء الأزمة في بلادهم. ويقول أحد الشبان المعارضين: quot;أنا مع الثورةquot;، لكنه لا يستطيع أن يخفي غضبه مما يجري في بلاده، فيقول: quot;أحياناً أتمنى أن شيئاً من هذا لم يحدث، وأصلّي كي تنتهي الأزمة بطريقة ماquot;.لكن الـ quot;غارديانquot; رأت أنه لا يوجد أي مؤشر على احتمال انتهاء الأزمة السورية. فبدلاً من ذلك، حركة الناس أصبحت قليلة، في الوقت الذي تتزايد فيه أعمال العنف والقمع.