توقف المشروع القطري في دعم المستثمرين في الأحياء الشعبية الباريسية، فجأة، أفرز تساؤلات عدة حول هذه العملية، والتي صاحبها منذ بدايتها جدل كبير في الأوساط الإعلامية الفرنسية. قراءات تقول إن أطرافًا في المعارضة السياسية تنظر بقلق إلى الدعم القطري للإسلاميين في عدد من البلدان العربية.


الرئيس الفرنسي والأمير القطري

بوعلام غبشي من باريس: أصبح اسم قطر مثار العديد من الاستفهامات التي يطرحها الفرنسي العادي، ويحاول أن يجد لها جوابًا كبار النخبة من المحللين والمتخصصين في القضايا الدولية، لاستثمارات الإمارة الخيالية، في بعض الأحيان، في العديد من المجالات، بدءًا بالرياضة ومرورًا بالإعلام ثم وصولاً إلى الأحياء الشعبية في باريس.

لقد خصصت الإمارة 50 مليون يورو لدعم مشاريع أبناء الأحياء الشعبية التي لغالبية ساكنيها انتماءات مغاربية، وهذا بعد زيارة إلى جمعية تجمع نخبة من شباب هذه المناطق السكنية، رابطهم المشترك تمثيلية ساكنة الأحياء المذكورة في المجالس المحلية.

جمعية منتخبي التعدد الثقافي، المشكلة من هؤلاء السياسيين الشباب، استقبلت من قبل أمير قطر قبل أشهر استقبالاً خاصًا تحدثت عنه وسائل الإعلام الفرنسية بكثافة، وتعددت حوله التأويلات، لكن السؤال الكبير الذي يظل يطرحه الجميع من دون أن يلقوا له إجابة، هو ما الهدف الذي تتطلع إليه قطر من خلال مدها للجسور المالية مع الأحياء التي يقطنها فرنسيون مسلمون ومهاجرون؟.

زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان لعبت على هذا الوتر، معتبرة أنه تشجيع للطائفية في بلد كفرنسا الذيلا يعترف بها، لأن التركيز على هذه الأحياء، الغرض منه، بحسب تحليلها، التوجّه إلى المسلمين فيها فقط دون غيرهم من الفرنسيين بأصولهم ودياناتهم المختلفة.

المعارضة الفرنسية غير متحمسة للمشروع القطري
ذكرت صحيفة لوفيغارو أن قطر كانت مستعجلة لإطلاق هذا الصندوق الداعم للاستثمارات التي يعتزم الدخول فيها أبناء الأحياء الشعبية، لكن السلطات الفرنسية طلبت منها الانتظار حتى ما بعد الرئاسيات والتشريعيات، يقول مصدر مقرب من الملف، تكتب لوفيغارو.

وبرر سفير الإمارة في باريس هذا التأخر، كما يقول موقع زنقة 89، بسبب التوافد اليومي للملفات على السفارة، كما أن لجنة الخبراء التي كان مقررًا أن تبث فيها لم تشكل بعد، في حين كان المفروض أن توضع قبل مدة بحسب الموقع نفسه المقرب من اليسار الفرنسي.

وعزا البعض هذا التأجيل في الإطلاق الفعلي لهذه المبادرة من قبل السلطات القطرية إلى الانتقادات التي جاءت على لسان مارين لوبان لهذه العملية، بل إن الاشتراكيين بدورهم لا ينظرون إليها بعين الارتياح، وهو ما صرح به أحد المنخرطين في العلمية من المنتخبين المنحدرين من الهجرة.

الموقع نفسه فسر جمود المشروع القطري بتخوفات الدوحة من وصول فرانسوا هولاند إلى الإليزيه، ويبدو أن المرشح الاشتراكي لا يحمل الرؤية نفسها بخصوصه، بل إن العلاقات بين باريس والدوحة ستتغيّر في حال وصول هولاند إلى الرئاسة، يقول الباحث نبيل الناصري.

إيلاف اتصلت بكمال حمزة مسؤول جمعية quot;أنالدquot;، التي تقدم إعلاميًا على أنها كانت وراء استقطاب المال القطري للأحياء المذكورة، إلا أنه لم يكن متحمسًا للرد على أسئلتنا، لأنه quot;يفضل عدم الدخول في نقاش عقيم مع اليمين المتطرفquot;، على حد قوله.

ويرفض الرئيس المرشح نيكولا ساركوزي اتهامات المعارضة بكون غالبيته الحكومية تخلت عن الأحياء الشعبية التي يقطنها بكثرة الفرنسيون من أصول مغاربية والمهاجرون، ودخل مع مطلع الأسبوع الجاري في مناوشات كلامية مع مرشح الاشتراكيين في هذا الشأن.

فرانسوا هولاند، الذي قام بجولة في إطار حملته الانتخابية في هذه الأحياء، حاول أن يستهزئ من خصمه السياسي الأول في هذه الانتخابات نيكولا ساركوزي بقوله، quot;إنه غير قادر على زيارة هذه الأحياءquot; بسبب شعبيته المتدهورة فيها، وفي اليوم التالي يقوم ساركوزي بزيارة إلى أحد هذه الأحياء متهمًا المعارضة بأنها quot;لم تصرف فيها ولو حتى سنتيم واحد، فيما صرفت غالبيته الحكومية 46 مليار يوروquot;.

دعم قطر للإسلاميين والأحياء الشعبية
يتحدث الصحافي والمحلل السياسي مصطفى طوسة عن quot;تساؤلات عدة وراء قرار قطر الاستراتيجي الاستثمار في أحياء الضواحي الباريسية، ليس أهمها محاولة تحقيق أرباح ماليةquot;.

وأوضح طوسة في لقاء مع إيلاف، quot;فإذا ما استثنينا المحاولة القطرية الساذجة لتقديم مساعدة سياسية واقتصادية لحليف استراتيجي كالرئيس نيكولا ساركوزي، فيجب علينا تصويب النظر نحو أهداف أخرى، كمحاولة تأكيد وفود سياسية ودينية على مناطق يسكنها مهاجرون مسلمون وفرنسيون من أصول عربية، وعلى هذا الأساس تكون قطر، التي تحاول القيام بدور دبلوماسي إقليمي ينافس دولاً خليجية كبرى، تخطو على خطى السعودية والمغرب والجزائر، والتي وضعت في استراتيجيتها ممارسة نفوذها على أكبر جالية مسلمة في أوروباquot;.

ويفسر طوسة أن سبب توقف هذا المشروع quot; يعود إلى عاملين أساسيين، الأول حين بدأت استطلاعات الرأي ترجّح فوز اليسار في السباق الرئاسي، فقد بدا واضحًا أن سيد الإليزيه المقبل لن يتعاطف مع حكام قطر بالعواطف الجياشة نفسها التي عبّر عنها نيكولا ساركوزي تجاه طموحات الدوحةquot;.

أما quot;العامل الثانيquot;، يضيف محدثنا، quot;فعندما ظهرت فرضية أن تستعمل أنشطة القطريين في الضواحي الفرنسية كوسيلة لانتقاد خيارات ساركوزي وعجزه الواضح عن تقديم حلول ناجعة لأزمة ما يسمّى بالأحياء الصعبة، لدرجة أنه أرغم على الاستعانة ببلد أجنبي له أجندته الخاصةquot;.

ويؤكد طوسة quot;ليس فقط اليمين المتطرف الذي انتقد مبادرة القطريين، وإن كان هو الوحيد الذي أطلق أقوى صيحة معادية لها. مشروع القطريين أثار حفيظة أوساط مختلفة، التي عبّرت عن استيائها ودهشتها لخلفياته. ومما زاد الطينوالأمور تعقيدًا انخراط الدبلوماسية القطرية العلني في دعم الحركات الإسلامية في العالم العربيquot;.

ويخلص إلى القول: quot;فهناك من يطرح هذا التساؤل البسيط... قطر التي تدعم سياسيًا ومعنويًا وماديًا الإسلاميين في تونس وليبيا على سبيل المثال لا الحصر، هل هي مؤهلة لكي تقترب من جاليات تغلي داخلها حرقة الهوية ويهدد كيانها شبح التطرف؟quot;.