يشهد العراق طفرة في إنتاج النفط وتطوير البنى التحتية، لكن على الرغم من أن ذلك يمثل نجاحاً للحكومة، إلا أنه يزيد من تضخيم الأزمات في البلاد.


في نيسان الماضي صدّر العراق كميات قياسية من النفط

لميس فرحات: على مدى العقود الأربعة الماضية، سارت عربة الإنتاج النفطي العراقي باندفاع شديد نحو الأعلى، ثم سقطت إلى الأسفل تحت وطأة الحروب والعقوبات الاقتصادية. وفي أعقاب الغزو الأميركي في العام 2003، أخفق الإنتاج العراقي حتى اليوم في الوصول إلى المستوى الذي وصل إليه في عهد الرئيس الراحل صدام حسين.

وفي نيسان/إبريل الماضي، صدّر العراق كميات من النفط لم يسبق له أن صدّرها في أي شهر منذ غزوه الكويت في العام 1990. ويرى محللون والعديد من صانعي السياسات أن هذا النجاح يمكن أن يحرّك الاقتصاد العالمي، ويساعد في إعادة توازن نقص الإمدادات النفطية من إيران.

في هذا السياق، اعتبرت صحيفة الـ quot;واشنطن بوستquot; أن تطور قطاع النفط العراقي علامة على بروز العراق بوصفه دولة نفطية، مع كل ما تجلبه هذه الثروة الهائلة من قوة ومشاكل في الوقت نفسه.

ونقلت الصحيفة عن لاري غولدستين، مدير مؤسسة أبحاث سياسة الطاقة، وهي منظمة غير ربحية، قوله إنه quot;على مدى خمس إلى سبع سنوات، سيكون بإمكان العراق أن يجهز ما يقرب من نصف النمو المتزايد في الطلب العالمي على النفطquot;.

تمثل حجر الزاوية في تقدم العراق بقدرة الحكومة منذ العام 2008 على الحد من نسبة العنف، ثم الحفاظ على الأمن بعد انسحاب القوات الأميركية بنهاية العام الماضي. لكن هذا لا يعني أن أعمال العنف توقفت بشكل نهائي، فالميليشيات والجماعات الإرهابية ما زالت تنفذ تفجيرات، وتهاجم قوات الأمن، وتستهدف مسؤولين حكوميين بعمليات اغتيال.

على الرغم من هذا العنف، إلا أن عدد القتلى انخفض بشكل كبير. وساعدت هذه المكاسب على دفع القطاع النفطي إلى الأمام، فالخط الاستراتيجي إلى تركيا كان في السابق غير قابل للإستخدام بسبب تعرّضه لتفجيرات في كثير من الأحيان. وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، نقل هذا الخط نحو 20 % من صادرات البلاد.

وتدفقت العائدات في الاقتصاد العراقي، فالحكومة التي تعتمد على مبيعات الخام في ما يزيد على 95 % من دخلها، بدأت تمويل مشاريع إعمار طموحة، من بينها مشاريع طرق ومستشفيات ومحطات كهربائية.

وبما أن للنفط وجهين، الأول سلبي والآخر إيجابي، فقد أدى النفط إلى تضخيم العديد من مشاكل العراق، فالمال الذي تدفق فاجأ المؤسسات الوليدة، الأمر الذي أدى إلى مظاهر فساد على نطاق واسع. وادعت المنطقة الكردية العراقية سلطتها في تطوير الحقول النفطية بنحو مستقل عن المركز، ما أجّج التوترات مع بغداد.

وأشارت الـ quot;واشنطن بوستquot; إلى أن الطفرة النفطية العراقية بدأت بنحو جدي في العامين 2009 و2010، عندما أبرم العراق 11 عقداً مع شركات من ضمنها quot;بريتش بيتروليومquot;، quot;وإكسون موبيلquot;، وquot;رويال دويتش شلquot;. وفي العام 2011، بدأت هذه الشركات بضخّ كميات من الخام أكثر مما يمكن للبنية التحتية القديمة أن تحتمل، وغالباً ما كانت وزارة النفط العراقية تطلب من الشركات أن تقلّص حجم الإنتاج.

الزيادة الكبيرة في الصادرات العراقية أثرت في الحكومة الأميركية عندما كانت تنظر في فرض عقوبات تستهدف قطاع إيران النفطي. وكان هناك سؤال واحد رئيس يدور حول ما إذا كان باستطاعة منتجي النفط الآخرين في العالم تعويض النقص، وإلا سيرتفع سعر النفط، ما يلحق ضرراً بنمو الاقتصاد العالمي.

نقلت الصحيفة عن مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية، اشترط عدم الكشف عن هويته، قوله إن quot;البعض من محللي السفارة الأميركية في بغداد نقلوا إلى واشنطن أن العراق سوف يضيف 500 ألف برميل يومياً إلى إنتاجه في العام الجاري، أي ما يعادل نحو ربع صادرات إيران الحالية.

تنسجم هذه الأرقام مع تقديرات محللين آخرين، من بينهم غولدستين، الذي قال إن الإنتاج العراقي له أهمية خاصة، لأن السعودية لا تبدو مستعدة لتقديم أكثر مما تقدمه الآن. فعلى الرغم من أن السعوديين عادة ما يستخدمون احتياطياتهم النفطية الضخمة لتعويض النقص العالمي، فهم قد زادوا فعلاً من إنتاجهم بنحو كبير في العام الماضي. وأضاف: quot;إن طاقتهم التصديرية تتعرّض لضغوطاتquot;.

لكن الإنتاج العراقي يبدو مستعداً لزيادة أكثر، فمن منظور تقني تأخر حدوث طفرة نفطية في البلاد. ولطالما نظر الجيولوجيون بإعجاب إلى بحار النفط الموجودة تحت أرض العراق، إلا أن العامل الذي يحدّ من حدوث الطفرة كان يتمثل في انعدام الاستثمار.

وتنفق الشركات العالمية حالياً مليارات الدولارات في الحقول النفطية، والحكومة العراقية تحقق تقدماً كبيراً باتجاه بناء البنية التحتية الداعمة لهذا القطاع.

لكن العديد من المحللين يشككون في القطاع النفطي العراقي بوصفه سلسلة من الاختناقات التي يمكنها خنق تدفق النفط الخام. إلا أن هؤلاء المحللين لا يشكون في قدرة الحقول العراقية الغزيرة الإنتاج، لكنهم كانوا حذرين من حالة الأنابيب غير الملائمة، ومحطات الضخ ومنشآت التخزين التي تنقل النفط من رأس البئر إلى الناقلات. فمثلاً، هناك منشأة في كركوك تقدم نحو عشر الخام العراقي، يبلغ عمرها 80 عاماً، وتغلق أحياناً بسبب تسرّب الغاز السام منها.

لكن التدابير الأخيرة التي خففت أخيرًا من واحدة من الاختناقات الأساسية، بعثت بعض التفاؤل. ففي آذار/مارس الماضي، افتتحت وزارة النفط منشأة تصدير في الخليج الفارسي، قبالة ساحل البصرة. واستغرق الأمر أياماً لتحميل ناقلة عملاقة بالنفط الخام، لكن بعد بناء منصات إضافية، صار بإمكان العراق الآن ضخ النفط لأكثر من سفينة في وقت واحد.

ونظراً إلى بناء منشآت جديدة، ارتفعت صادرات العراق إلى مليونين ونصف مليون برميل يومياً في نيسان/إبريل الماضي، وفقاً لفلاح العامري، مدير مؤسسة التسويق النفطي الحكومية.

واعتبرت الصحيفة أن التقدم على صعيد البنية التحتية قد يبعث على التفاؤل العالمي، لكن العراق ما زال يعاني تبعات الحرب، والصراع السياسي والبيروقراطية غير الفعالة ـ وهذا ما يدعوه بعض المسؤولين أحياناً بـquot;عوامل فوق سطح الارضquot;، مقارنة بالتحديات البسيطة نسبياً التي تمثلها أعمال الحفر في آلاف الأقدام تحت الأرض. وتقول صحيفة واشنطن بوست إن النفط يميل إلى تفاقم هذه المشكلات بدلاً من حلها.

الشرخ العميق في نظام الحكم في العراق يعزل منطقة كردستان عن الحكومة المركزية ذات الغالبية العربية. فالجانبان طالما اختلفا على كيفية توزيع السلطة على نفط البلد، وقد أبرما عقوداً على أساس اختلاف تفسيراتهما للقانون العراقي، وأدى هذا الصراع إلى عدد من الخلافات التي تصاعدت في 1 نيسان/إبريل، عندما قطعت كردستان صادراتها النفطية، التي تشكل نحو 8 % من مبيعات النفط العراقي العالمية.

على الرغم من ذلك، حقق العراق رقم صادراته في الشهر الماضي من دون كمية نفط كردستان، مع أن هذا النزاع يسلط الضوء على قدرة النفط على التسبب بالاختلال الوظيفي. ورأت الصحيفة أن نقطة مركزية في الخلاف بين الجانبين كان سببها قرار كردستان بتوقيع 6 عقود مع شركة quot;إكسون موبيلquot; على الرغم من تحذيرات بغداد بأن مثل صفقات كهذه ستعدّ غير شرعية.

وعند قطع كردستان صادراتها، هدد القادة في بغداد بحرمان المنطقة الكردية من حصتها في الميزانية الفيدرالية، فيما كرر الرئيس الكردي مسعود بارزاني، تهديداته المبطّنة بإعلان الاستقلال. بناء على ما سبق، فمن المرجّح أن تسفر هذه المواجهة عن أعمال عنيفة. وإذا حدث ذلك، فقد تهوي عربة الإنتاج العراقي من جديد.