الإيرانيون يعانون من الأزمة الإقتصادية نتيجة عقوبات الغرب

من الواضح أن الايرانيين باتوا يعانون وبشكل ملحوظ من الأزمة التي لحقت بهم جراء العقوبات الاقتصادية المفروضة عليهم من الغرب، وبات الكثيرون يمارسون مهنًا متعددة لكسب دخل اضافي.


لندن: تنوء إيران تحت وطأة تضخم جامح من جراء تخبط الحكومة في إدارة الإقتصاد والعقوبات الدولية بسبب برنامجها النووي. وخير شاهد على هذا الوضع بائع الفاكهة علي الذي أُصيبت تجارته بالركود منذ أشهر. إذ قال علي متسائلاً: quot;مَنْ في إيران قادر على شراء حبة اناناس مقابل 15 دولارًا؟quot; وأجاب عن سؤاله بنفسه قائلاً: quot;لا أحدquot;.

ولكن علي لا يشكو من كساد بضاعته لأنه يربح من عمله الآخر في المضاربة بالعملات، وقال: quot;إن الدولارات التي اشتريتها على الأقل تحقق لي ربحًاquot;.

ويرى محللون أن العقوبات الدولية التي فُرضت على إيران يوم الأحد بهدف الحد من صادراتها النفطية، التي تشكل مصدر الدخل الرئيسي للخزانة الإيرانية، تهدد بمفاقمة التشوه الذي يعاني منه الإقتصاد الإيراني. وبعد أن فقدت العملة الإيرانية 50 في المئة من قيمتها العام الماضي مقابل العملات الأخرى، أخذت أسعار السلع الاستهلاكية ترتفع بوتائر متسارعة، وبلغت رسميًا 25 في المئة سنويًا، ولكنها حتى أعلى في الواقع، كما يقول اقتصاديون.

ويزداد اعتماد الاقتصاد على المضاربات، ويغتنم الرابحون في هذا الكازينو المتسع فرص الكسب من تقلبات العملة في حين يراقب الخاسرون ثرواتهم تتبخر بين ليلة وضحاها تقريبًا.

ويبدو من الوهلة الأولى أن طهران، مركز إيران السياسي والاقتصادي، مدينة مزدهرة كما كانت منذ زمن، مدينة بلغت مبيعات سيارة بورش فيها عام 2011 أكثر من مبيعاتها في أي مكان آخر في الشرق الأوسط، مدينة تحظى حدائقها العامة بعناية دائمة ومصابيح شوارعها قلما تتعطل، مدينة أسواقها ومخازنها عامرة بالمنتجات المستوردة، والمشردون مشهد نادر في شوارعها.

ولكن تناقص قدرة إيران على تصدير نفطها وهبوط احتياطاتها النقدية وسياسات الرئيس محمود أحمدي نجاد الاقتصادية المتخبطة تضافرت، لإشاعة جو بدأ فيه المواطنون والمصارف والأعمال والمؤسسات يكافحون من أجل البقاء بما ملكت أياديهم.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن الخبير الإقتصادي حسين رغفر، من جامعة الزهراء في طهران قوله: quot;إن الحقيقة الماثلة في أن كل هذه السيارات من طراز بورش تُباع هنا، انما هي مؤشر إلى أن البعض يتربح من التردي الاقتصاديquot;. وأضاف quot;أن الجميع بدأوا يمارسون مهنة ثانية إلى جانب المهنة الأصلية لتحقيق دخل اضافي، والجميع يضاربونquot;.

ويعمد البعض مثل بائع الفاكهة علي الذي امتنع عن إعطاء إسمه الكامل، إلى مبادلة ما لديه من ريالات إيرانية، بدولارات وعملات أجنبية أخرى بأسرع ما يمكن.لكنّ آخرين يعملون على مستوى أعلى باستثمار أموالهم في الأراضي والشقق والأعمال الفنية والسيارات وغيرها من الأصول التي ترتفع قيمتها مع هبوط قيمة الريال الإيراني.

أما الخاسرون في هذا الوضع، فكل يوم يأتيهم بالمزيد من الأنباء السيئة. وأخذ ارتفاع الأسعار يحوّل زيارة أصحاب البيوت الإيرانيين لسوق الحي إلى امتحان عصيب بعد أن ارتفع سعر الخبز مثلاً 16 ضعفًا منذ الغاء دعم الدولة في عام 2010.

وقال داريوش نمازي الذي يعمل مدير مكتبة لمراسل صحيفة نيويورك تايمز quot;إن حياتي تبدو وكأنني أحاول السباحة لتسلق شلالquot;، مشيرًا إلى أنه بعد سنوات من الإدخار لشراء شقة صغيرة، اكتشف أن قيمة مدخراته هبطت إلى النصف بسبب التضخم وأنها مستمرة في الهبوط. وقال نمازي: quot;تقدمتُ بعض الخطوات الىأعلى الشلال ولكني سقطتُ الآن وها انا أدور في الماءquot;.
ويؤكد اقتصاديون أن العقوبات الغربية أضرت بالاقتصاد الإيراني، وأنها على الأخص حرمت إيران من العملات الأجنبية التي استخدمتها في السابق لتدعيم الريال الإيراني. لكنّ الاقتصاديين يتفقون أيضًا على أن كثيرًا من الضرر ناجم عن أسباب داخلية قائلين إن حكومة أحمدي نجاد شرعت في البذخ على الاستيراد بعد أن بدأت عائدات النفط تحقق مستويات قياسية منذ عام 2005.

وبسبب إقدام الحكومة على استيراد الكثير من البضائع الأجنبية، أُجبرت الصناعات المحلية على تسريح عمال وغلق معامل. ويقول الاقتصاديون إن هذا بدوره زاد من تأثر إيران بالعقوبات الدولية. فالشركات التي ربما كان بمقدورها أن تسهم في إنتاج البضائع البديلة عن تلك التي اختفت بسبب العقوبات، توقفت منذ زمن وراح أصحابها يستثمرون ثرواتهم في المضاربات أو بناء العقارات وبيعها أو في العملات الأجنبية أو المواد الأولية.

وتمتد قرب مدينة باكدشت الصناعية خارج طهران صفوف من المعامل العاطلة وقد وضعت أقفالاً ثقيلة على بواباتها. وعلى مبعدة مرت طوابير من الشاحنات التركية تهدر مثيرة سحبًا من الغبار أثناء مرورها، ولكنها لم تكن حافلات تنقل العمال إلى المصانع. وبدلاً من ضجيج الآلات يُسمع نباح الكلاب الضالة من بعيد.

وفي واحد من المعامل القليلة التي ما زالت تعمل، يتذكر المهندس منوشهر (60 عامًا) الذي تحول إلى صناعي أنه قبل عقد لا أكثر كان امتلاك معمل لا يعني تحقيق دخل مضمون فحسب، بل ونيل إعجاب المجتمع لأنه يوفر فرص عمل للآخرين ويبني مستقبل إيران ايضًا. ولكن امتلاك معمل اليوم يعني خسارة، بحسب منوشهر. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن منوشهر الذي امتنع عن ذكر اسمه الكامل لأنه يبيع منتوجه إلى شركة حكومية، إنه يشعر بالمسؤولية عن عماله الذين كانوا ينظرون إلى مكتبه بتوجس ربما خوفًا من تسريحهم في اليوم التالي.

وقال منوشهر إن وضعه صعب لأن الشركة الحكومية لن تدفع الفواتير المستحقة عليها منذ ستة أشهر، وأضاف: quot;إن عائلتي وجميع شركائي سيكونون اثرياء لو استثمروا أموالهم في البناء والأراضي والعملات الأجنبيةquot;.

وحتى الوظيفة في قطاع الدولة لم تعد تحقق الأمان المنشود. واعترف مسؤول في الحرس الثوري الإيراني خلال مقابلة مع صحيفة quot;صبح صادقquot; الناطقة باسم قوات الحرس الثوري، قبل أيام بأن الحكومة تأخرت في دفع رواتب الجنود.

وسارع مسؤولون وأعضاء في البرلمان إلى القاء المسؤولية عن متاعب إيران على الغرب. وفي الأسبوع الماضي اتهم رئيس البرلمان علي لاريجاني الرئيس احمدي نجاد بالفشل في اتخاذ إجراءات quot;تتصدى لسياسات العدوquot;.
ولكن العديد من الاقتصاديين يقولون إن إيران كانت ستواجه مشاكل كبيرة حتى من دون عقوبات دولية، مشيرين إلى أن الآثار الناجمة عن الاستيراد الباذخ من أموال النفط ودعم الدولة لأسعار المواد الغذائية والبنزين وسلع ضرورية أخرى، شجعت على الاستهلاك المفرط وعملت على تقويض قاعدة إيران الصناعية باطراد.

وقال الاقتصادي رغفر من جامعة الزهراء: quot;إن العديد من المؤشرات الأساسية لاقتصاد بلدنا دُمرت خلال السنوات الماضية والآن بدأنا ندفع الثمن ببطء، ولكن على نحو مؤكدquot;.