يلجأ السوريون بصورة متزايدة إلى مواردهم الذاتية للصمود في وجه ضائقة اقتصادية تشتد وطأتها عليهم وعلى نظام الرئيس بشار الأسد مع اتساع رقعة النزاع وتزايد العقوبات الدولية.


مواطنون سوريون في مقهى الروضة في العاصمة دمشق

إعداد عبد الإله مجيد: تحاول الشركات السورية والسوريون عمومًا، الذين اعتادوا منذ زمن طويل على التقشف وما يقرب من العزلة الدولية، تخفيف الآثار الاجتماعية، واستثمار ما بوسعهم استثماره من فرص متناقصة، وهم يصارعون التضخم، وهبوط قيمة العملة وانخفاض الإنتاج الصناعي بمعدلات خطرة.

ورغم الآثار الكارثية للأزمة المستمرة منذ 16 شهرًا على الاقتصاد، فإن الحكومة والمواطنين على السواء أبدوا صلابة ليست مستغرَبة بالنسبة إلى السوريين، بقدر ما هي مستغربة بنظر العالم الخارجي، كما أفادت صحيفة فايننشيال تايمز في تقرير من دمشق، ناقلة عن مسؤول إداري في مؤسسة صناعية، قوله إن الأجانب quot;لا يفهمون العقلية السوريةquot;، متذكرًا كيف كان السوريون يقطعون 80 كلم لشراء سجائر مهرّبة من لبنان. وقال المسؤول الصناعي quot;إن هذه أمّة نشأت وتطورت، بحيث لا تؤثر فيها العقوباتquot;.

وفي حين إن مثل هذا الإدعاء ينطوي على مبالغة تشير إلى قدرة كثير من السوريين على التحمّل وشعورهم بالعزة القومية، فإن المعنى نفسه يردده مواطنون آخرون وسط مؤشرات اقتصادية سلبية أوسع. إذ تسببت المقاطعة الدولية للنفط السوري في هبوط إيرادات الدولة بحدة، وزاد معدل التضخم السنوي على 30 في المئة في نيسان/إبريل، ومن المتوقع أن ينخفض إجمالي الناتج الوطني بنسبة تزيد على 8 في المئة هذا العام، ولكن نظام الأسد تمكن في الوقت الحاضر من وقف هبوط الليرة السورية، وحال دون نشوء أزمات حادة في توافر البضائع الأساسية في مدينتي دمشق وحلب.

وقالت الدكتورة سلوى عبد الله، التي تحدثت لصحيفة فايننشيال تايمز في عيادتها وسط دمشق، إنه لا توجد أزمة في الإمدادات الطبية، لأن غالبيتها تتوافر من معامل محلية، والباقي من بلدان لا تطبّق عقوبات مثل الهند. وتابعت الدكتورة، مشيرة إلى النظام quot;إنهم يجدون طريقة، وحتى الآن ليس لدينا أي مشاكلquot;. ولكنها أضافت أن الحصول على أجهزة طبية غربية يزداد صعوبة.

وكان لسوريا، التي تحكمها أسرة الأسد منذ أربعة عقود، ارتباط اقتصادي محدود بالعالم الخارجي حتى وفاة حافظ الأسد والد بشار في عام 2000. وفي حين إن بشار الأسد قاد فترة من الإلغاء المحدود للضوابط المفروضة على التعامل الاقتصادي مع الخارج، وقدْر من الانفتاح، فإن سوريا ظلت مشمولة بعقوبات أميركية، كما هي الآن منذ ما يربو على 25 عامًا.

وقال ديفيد باتر المحلل الاقتصادي والرئيس السابق لقسم أبحاث الشرق الأوسط في وحدة معلومات الإيكونومست إن الأزمة والعقوبات الجديدة ألحقت ضررًا بالغًا بالاقتصاد السوري، ولكن سوريا لم تتأثر تأثرًا خطرًا مثلما كان سيتأثر بلد أكثر اندماجًا بالتجارة العالمية وبالنظام المالي العالمي.

ونقلت صحيفة فايننشال تايمز عن باتر quot;إن الوضع صعب للغاية على كثيرين في سوريا، وصعب على الحكومة بطبيعة الحال، ولكنه وضع يمكن التعامل معه في الوقت الحاضرquot;. وأشار باتر إلى تمكن السلطات السورية من تثبيت الوضع، كما يتضح من سعر صرف الليرة السورية، ولكنه أضاف quot;إن ما لا نعرفه هو إلى متى يمكن أن يستمر ذلكquot;.

وفي حين أن النشاط الاقتصادي سجل هبوطًا في سائر القطاعات منذ اندلاع الانتفاضة في آذار/مارس من العام الماضي، فان حجم الآثار التي تركها النزاع والعقوبات على قطاع الأعمال يتفاوت تفاوتًا واسعًا. وفي ساحات مواجهة، مثل حمص، ثالث المدن السورية، تعطلت الحياة الاقتصادية بعد قصف قوات النظام ونزوح السكان.

وفي حين أن المدينتين الرئيستين، دمشق وحلب، لم تتأثرا بالقدر نفسه، فإنهما تعانيان من انقطاع الكهرباء ونقص المحروقات ومشاكل في توفير المواد الأولية والبضائع المصنعة، لأن النزاع والعقوبات قطعت خطوط الإمداد.

ويبدو أن المصالح التي تتعامل بالسلع غير الضرورية أو المستوردة في السوق المحلية كانت الأشد تضررًا. وقال صاحب شركة لمستلزمات الإنارة الداخلية في دمشق إن الطلب على بضاعته انخفض بنسبة 90 في المئة، quot;لأنها سلع كمالية، والناس يقبلون الآن على شراء المواد الغذائية والسلع الأساسيةquot;.

وقال صاحب شركة منسوجات في حلب لصحيفة فايننشيال تايمز إن مبيعات إنتاجه، الذي كان معدًا للتصدير في السابق، سجلت هبوطًا بلغ 20 إلى 30 في المئة، ولكن صديقًا له يستورد اللعب الصينية شهد هبوط إيراداته بنسبة 80 في المئة.

وتسبب هبوط النشاط الاقتصادي هذا في تسريحات بين عمال بعض الشركات، ولكن أصحاب شركات أخرى قالوا إنهم أبقوا على عمالهم، لأنهم يعرفون أن فرص العثور على فرصة عمل أخرى معدومة خلال الأزمة. وأكد مدير مكتب سفريات في دمشق الاحتفاظ بموظفيه الخمسة، رغم انهيار السياحة، الذي حصر عمل مكتبه الآن على الحجوزات وبيع التذاكر للسوريين المسافرين إلى الخارج والداخل.

وقال رجل الأعمال عبد الرحمن العطار، الذي تمتد مصالحه من قطاع الإنشاء إلى صناعة الأدوية، إنه يمنح عماله وموظفيه إجازات استثنائية مدفوعة الأجر لمدة 10 أيام quot;لأنهم إذا جاءوا لم يفعلوا شيئًا، وحين تفرض عقوبات على أصحاب الأعمال، فإنك تجبرهم على تسريح عمالهم، وحين تسرحهم تخلق مشكلة إنسانيةquot;.

وفي نظام سلطوي، حيث يقول سوريون إن الموز كان أحيانًا بعيد المنال في عهد حافظ الأسد، فإن مثل هذه القصص والمعاناة الاقتصادية الأوسع التي تسلط عليها الضوء ليست غريبة تمامًا، ولا حيلة بيد المواطنين أمامها. وكما قال المسؤول الصناعي في دمشق فإن quot;سوريا كانت تحت العقوبات منذ فتحتُ عيني على هذه الدنياquot;.