اقتربت السعودية كثيرًا من البدء الفعلي في تطبيق نظام الرهن العقاري، بعدما شارفت اللجان المشتركة من الوزارات المعنية بالرهن العقاري على الانتهاء من وضع اللوائح التنظيمية.
محمد العوفي من لندن: تسارعت خطوات الحكومة السعودية لاحتواء أزمة السكن، التي تعود جذورها إلى الثمانينات، حيث شهدت السعودية ازدهارًا اقتصاديًا، وتمّ توزيع مساحات كبيرة من الأراضي، مع ترك القليل من الأراضي للتطوير العمراني من قبل الحكومة، مما ولد في الوقت الراهن ضغطًا كبيرًا عليها كمشرع ومنظم ومموّل من جهة، وعلى الدخل الفردي للمواطن السعودي من جهة أخرى، حيث يستأثر السكن بما يقارب الـ33% من دخلها.
وتشير التصريحات والتقارير، التي تصدرها الحكومة السعودية، إلى أنها وضعت قضية السكن وتعقيداتها على قائمة أولوياتها، حيث خصصت ما يقارب الـ67 مليار دولار، لحل قضية السكن ولاستيعاب عدد السكان المتزايد في السعودية، التي تعدّ من أعلى الدول عالميًا في النمو السكاني.
نوعية وجودة أفضل
بدأت هذه التحركات منذ أن أصدرت الحكومة السعودية حزمة أنظمة الرهن العقاري، ليكون البديل المالي الفاعل، الذي سيمكن المواطن من تملك المسكن الملائم، كما إنها قد تسهم في رفع جودة الأحياء والمساكن، باعتبار أن التمويل والرهن العقاري يكونان لسنوات طويلة، ما سيؤدي إلى اهتمام الشركات العقارية بنوعية وجودة المساكن.
لكن مؤسسة النقد السعودي (ساما) سارعت في وقتها إلى خفض سقف التوقعات من أنظمة الرهن العقاري، والحدّ من موجة التفاؤل المفرط التي صاحبتها، حيث قالت إن أنظمة الرهن العقاري لن تساهم في خفض أسعار العقارات في السعودية، وإن هناك تحديات تواجه البنوك بعد البدء في تنفيذ نظام الرهن العقاري، وأكدت أن التعامل مع مثمّنين عقاريين غير مؤهلين أكبر خطأ قد ترتكبه البنوك في الفترة المقبلة.
وأضافت quot;ساماquot;، التي تمارس دور البنك المركزي في السعودية، أن الشركات التمويلية القائمة في السعودية، لن تتأثر من تنفيذ هذا النظام، مشيرة إلى أنه في حال وجد تعارض بين العقود القديمة، والجديدة، بعد تطبيق النظام، فمن الممكن تعديلها، وأن أنظمة الرهن ليست أداة لتملّك المواطنين مساكن، وإنما أداة لتسهيل تملك المقتدرين، وذوي الدخول المرتفعة للمساكن. أما توفير المسكن، فهو مسؤولية وزارة الإسكان، التي تسعى إلى ذلك.
ورغم مضي ما يقارب 15 شهرًا من صدور النظام، لا تزال اللجان المشتركة من وزارات العدل، والإسكان، والمالية، ومؤسسة النقد تواصل اجتماعاتها لصياغة اللوائح التنظيمية المفسرة لآلية عمل أنظمة التمويل الشامل.
وكشفت مؤسسة النقد العربي السعودي quot;ساماquot; على لسان محافظها الدكتور فهد المبارك أنها استقبلت 13 طلبًا من شركات وبنوك لممارسة أنشطة وخدمات التمويل والرهن العقاري، وأن مؤسسته تدرس هذه الطلبات تمهيدًا لمنح الترخيص لها، من دون أن يحدد تاريخ بدء عمل هذه الشركات أو البنوك.
قروض تسهيلية
لكن مصادر قريبة من quot;ساماquot; والجهات ذات العلاقة في نظام الرهن العقاري أشارت إلى أن البنوك المحلية ستبدأ بعد 18 شهرًا في تقديم قروض مالية لعملائها تتواكب مع التنظيمات الجديدة للرهن العقاري، بعد إقرارها من وزارة العدل، وتهيئة المحاكم والجهات العدلية، من خلال تنويع قاعدة محفظة تمويل الأفراد، لتشمل إضافة إلى برنامج التمويل العقاري، كما كشفت مصادر تمويلية داخل البنوك وشركات التمويل العقاري في السعودية أنه تم الانتهاء من دراسة التصور العام لتمويل الرهن وفق أسعار العقارات وتقدير نسبة الفائدة.
لكن الدراسات التي تناولت الأفراد الذين يمكنهم الاستفادة من نظام الرهن العقاري، أشارت إلى أن أصحاب المرتبات التي تقل عن 10 آلاف ريال لن يسمح لهم بالدخول في نظام الرهن العقاري عبر برنامجه التمويلي أو التأجير المنتهي بالتملك. وأرجع خبراء ومستشارون في البنوك ذلك إلى ارتفاع أسعار العقارات، مقارنة بالمرتبات، إذ تشترط مؤسسة النقد السعودية أن يكون حسم القرض لا يقلّ عن ثلثي الراتب، ويعني ذلك ثلاثة آلاف ريال للمرتب الشهري البالغ 10 آلاف ريال. ويرى مراقبون أن 60% من المواطنين دخلهم أقل من 7 آلاف ريال، وهو ما يقلل فرصهم في الحصول على التمويل.
وفقًا لساما، فقد زاد النمو في القروض العقارية للأفراد في السعودية من 8% في العام 2008 إلى 18% في العام 2012، وارتفع حجم هذه القروض من 14 مليارًا في عام 2007 إلى 37 مليارًا في عام 2012، ومن المتوقع أن يرتفع حجم هذه القروض مع إقرار النظام، وبدء العمل على إنشاء شركة تمويلية ضخمة متخصصة في إعادة تمويل الشركات التي تقوم بمنح التمويل العقاري من خلال إعادة بيع ما لديها من مديونيات لضخ السيولة المالية لأنظمتها المختلفة.
في سياق متصل، كشفت دراسة حديثة أُجريت في السعودية أن الأشخاص الذين يبلغ متوسط دخلهم 15 ألف ريال سعودي يمكنهم تحمل دفع تكاليف شراء منازلهم الخاصة، وأن حوالى 60% من العائلات تتوقع امتلاك منازل خاصة بها خلال السنوات الأربع المُقبلة.
التعليقات