شرعت نقابات الموظفين العمومية واتحاد النقابات الصحية واتحاد المعلمين في فلسطين بخطوات احتجاجية واضرابات عن العمل احتجاجا على سياسة الحكومة المالية ومنعا للمسّ بالرواتب واقتطاع أجزاء منها.

رام الله: صرّحت مصادر فلسطينية متعددة أن السلطات الإسرائيلية ستقوم بتحويل أموال الضرائب المستحقة للسلطة الفلسطينية عن شهر كانون الأول الماضي والتي تحتجزها لأسباب سياسية خلال اليومين القادمين.
وبحسب أحمد الحلو مدير عام الجمارك والمكوس وضريبة القيمة المضافة في وزارة المالية فإن قيمة هذه الأموال تعادل زهاء 425 مليون شيقل ما يعادل نحو 111 مليون دولار.
ورغم ذلك تواصل الحكومة الفلسطينية البحث عن مخارج لأزمتها المالية الخانقة التي انعكست على مختلف القطاعات، وفي ظل عجز مالي لموازنة العام الجاري قدرت بنحو مليار و350 ألف دولار، وتسعى الحكومة للقيام ببعض الإجراءات التي ترى أن من شأنها تقليص النفقات كوقف العلاوات والترقيات وبدل المواصلات وإقرار التقاعد المبكر إلا أن النقابات رفضت هذا التوجه وهددت بالتصعيد حال القيام بذلك.
وأكدت المتحدثة باسم الحكومة الفلسطينية نور عودة، في اتصال هاتفي مع quot;إيلافquot; أن اللقاءات بين الحكومة ومختلف القطاعات والنقابات تتواصل لبحث الحلول والآفاق التي يمكن من خلالها التغلب على هذه الأزمة.
وأوضحت عودة، أن الحكومة تسعى جاهدة إلى تأمين الرواتب كونها تدرك أهميتها بالنسبة إلى الموظفين ونظرا للأوضاع الصعبة التي وصلت لها شريحة كبيرة منهم جراء تأخر صرفها، مؤكدة أن الحكومة نجحت في توفير المستحقات السابقة للموظفين ولم يتبق سوى أقل من نصف الرواتب بعد صرف دفعة خلال نهاية الأسبوع الماضي.
وشددت المتحدثة باسم الحكومة، على أهمية الحوار ما بين الحكومة وبقية القطاعات سعيا لتجنيب أبناء الشعب الفلسطيني ويلات الإضراب وانعكاسات ذلك على المرضى والطلبة وبقية فئات المجتمع.
الرئيس يحترم حرية الرأي والتعبير
وفي سياق ذي صلة، التقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ممثلي النقابات الصحية والعمومية واتحاد المعلمين في مقر الرئاسة في مدينة رام الله، مؤخرا، للاستماع إلى مطالبهم ولوضعهم في صورة المستجدات السياسية والحصار المالي المفروض على الشعب الفلسطيني جراء توجهات القيادة الفلسطينية والذهاب للأمم المتحدة والضغوطات الممارسة على القيادة.
وحضر اللقاء أمين عام الرئاسة الطيب عبد الرحيم، ووزير العمل أحمد مجدلاني، ومسؤول المنظمات الشعبية في منظمة التحرير الفلسطينية محمود إسماعيل، ورئيس ديوان الموظفين موسى أبو زيد.
وأكد الرئيس عباس، احترامه لحرية الرأي والتعبير والحريات النقابية واحترامها، مشددا على ضرورة ممارسة دورها بحرية وديمقراطية.
وأشاد بتكاتف أبناء الشعب الفلسطيني وفئاته المختلفة لمواجهة الحصار السياسي والمالي المفروض على الفلسطينيين جراء خيارهم السياسي بالتوجه للأمم المتحدة، مثمنا في الوقت ذاته، تفهم النقابات للأوضاع الصعبة التي تمر بها دولة فلسطين جرّاء الحصار المالي.
وخلال اللقاء، دعا الرئيس عباس، ممثلي النقابات المختلفة إلى ضرورة رفع المعاناة عن أبناء الشعب الفلسطيني والعمل على تقديم الخدمات بأفضل صورة والحفاظ على المسيرة التعليمية وتقديم الخدمات الصحية بما يكفل تعزيز صمود المواطنين في هذه الظروف، كما تم الاتفاق على مواصلة الحوار مع اللجنة الحكومية والمنظمات الشعبية في منظمة التحرير الفلسطينية لتحقيق مطالب الموظفين.
النقابات تشرع بخطوات احتجاجية
وكانت نقابة الموظفين العمومية والنقابات الصحية واتحاد المعلمين قد أعلنت مؤخرا، سلسلة من الاحتجاجات والتوجه نحو اضراب عن العمل نتيجة عدم تلبية الحكومة لمطالب هذه القطاعات، ورفضا لسياسات الحكومة المالية وتأخر صرف الرواتب وتصريحات وزير المالية المتعلقة بتوجهات قد تطال الرواتب والعلاوات وبدل المواصلات.
وقال بسام زكارنة، رئيس نقابة الموظفين العمومية في اتصال هاتفي مع quot;إيلافquot;: quot;إن اللقاء الأخير مع الرئيس محمود عباس كان بناء وإيجابيا، منوها في الوقت ذاته إلى أن لقاءات متواصلة تعقد مع الحكومة وهناك توافق بين ممثلي النقابة واللجنة الوزارية المكلفة بمتابعة مطالب الموظفينquot;.
وأوضح زكارنة، أن النقابة طالبت الحكومة بضرورة الإسراع في صرف بقية راتب الشهر الماضي نظرا للأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعانيها الموظفون جراء تأخر صرف الرواتب وانعكاسات ذلك على حياتهم اليومية.
وبين أن اتفاقا مبدئيا قد تم التوصل إليه يتمثل باعتماد مطالب الموظفين الموقعة من ممثلين الحكومة ووزارة المالية والديوان بشكل كامل تم رفعها لمجلس الوزراء لإقرارها.
إلى ذلك أعلن الاتحاد العام للمعلمين في الضفة الغربية الاضراب عن العمل مدة يومين خلال الأسبوع الماضي نظرا لعدم صرف الرواتب وبسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي وصل لها المعلمون، كما هدد الاتحاد بإضراب مفتوح اعتبارا من يوم الأربعاء القادم وحتى يتم التوصل لاتفاق ينصف المعلمين.
وأكد بسام نعيم، نائب رئيس الاتحاد العام للمعلمين، في بيان صحافي حصلت quot;إيلافquot; على نسخة منه، أن الإضراب جاء احتجاجا على تصريحات وزير المالية الأخيرة المتعلقة بقضية الرواتب ومنها موضوع التقاعد المبكر وذلك لأن المعلم أساسا راتبه غير كاف.
وقال عصام دبابسة، أمين سر اتحاد المعلمين في نابلس في اتصال هاتفي مع quot;إيلافquot;: quot;إن اللقاء مع الرئيس عباس وضع النقاط على الحروف وشكل نقطة انطلاقة حقيقة نحو تحقيق المطالب الخاصة بالمعلمين، حيث سيتم المتابعة مع اللجان المخصصة سعيا للوصول إلى تحقيق المطالب والحقوقquot;.
إلى ذلك، شدد أسامة النجار، رئيس اتحاد نقابات المهن الصحية، على ضرورة تدبير الحكومة لاحتياجات الموظفين بأسرع وقت ممكن، لافتا إلى أن تعمد الحكومة لإغلاق باب الحوار يزيد من حالة الاحتقان بالشارع.
وقال النجار في تصريح لـquot;إيلافquot;: quot;إن نقابة المهن الصحية لجأت لإقرار الإضراب لمدة أسبوعين باستثناء الحالات الطارئة والإبقاء على تقديم الخدمات العلاجية والطبية وبعض الأقسام الضرورية وكل الاستثناءات المقررة للحالات الخاصةquot;.
وحملت النقابات الصحية، في بيان لها حصلت quot;إيلافquot; على نسخة منه، الحكومة 'المسؤولية الكاملة عن توقف الخدمات الصحية، بسبب ما اعتبرته تنكرا لحقوق العاملين في هذا القطاع ومن بينها توظيف العدد الكافي من الكوادر البشرية في وزارة الصحة، وإعادة دفع علاوة المخاطرة، وضرورة إعادة العمل بالترقيات والعلاوات والدرجات الخاصة بموظفي الوزارة وبحث علاوة طبيعة العمل للمهن الطبية.
سياسات الحكومة تثير حفيظة القطاع الخاص
هذا وأثارت السياسات التي عرضها وزير المالية الفلسطيني نبيل قسيس، مؤخرا، حفيظة القطاع الخاص الفلسطيني وكذلك النقابات الممثلة للمهن الصحية والوظيفة العمومية واتحاد المعلمين.
ووجه القطاع الخاص انتقادات للحكومة لطبيعة تعاملها مع الأزمة المالية وجاء ذلك خلال حلقة نقاش نظمها معهد ماس ضمن الطاولة المستديرة المخصصة لنقاش مشروع الموازنة العامة.
وعرض قسيس، خلال هذا النقاش التوجهات والسياسات التي حكمت بناء مشروع موازنة للعام الجاري للحوار حولها، ومحاولة الحصول على توصيات تسهم في خلق حلول تساعد في تخفيض العجز.
وبحسب ما نشرته وكالة الأنباء الفلسطينية quot;وفاquot; فقد قال مدير عام معهد أبحاث السياسات الاقتصادية سمير عبد الله: quot;إن إقرار موازنة هذا العام يأتي في أصعب الظروف المالية التي تمر بها السلطة، والموازنة هي أداة لإعادة توزيع الموارد وفق الأولويات التي تستدعيها السياسات الاقتصادية للحكومةquot;.
وأعاد الأزمة لاتفاقيات أوسلو التي فرضت على الحكومة تحمل أعباء الفلسطينيين 100% في حين لم تحصل إلا على 40% من الأرض و20% من الموارد المائية، عدا عن تحملها التزامات منظمة التحرير.
بدوره، قال قسيس: quot;إن وزارته تولي الأهمية للشق التشغيلي في الموازنة، لأن الجانب التطويري يتم تمويله من الدول المانحة على الرغم من أن السياسات التي تبنى عليها الموازنة يعكسها الشق التطويريquot;.
وأضاف: quot;أن موازنة العام تقدر قيمتها بـ3.6 مليارات دولار، ويبلغ العجز فيها حوالي 1.350 مليار دولار، والمشكلة في تمويل هذا العجز، ونحن نناقش ونتحاور حول تمويله مع كافة الفئاتquot;.
وحول الإجراءات التي تسعى الحكومة لاتخاذها، أوضح وزير المالية أن الحكومة ليس لديها نية لفرض ضرائب جديدة، وإنما سيكون التوجه لزيادة الجباية الضريبية، وتخفيض النفقات موضحا أن أي عملية تقشف حكومي لن تعود بأكثر من 50 مليون دولار سنويا، وبالتالي لا مناص من المس بفاتورة الرواتب لأنه لا يمكن تخفيض الإنفاق دون هذه الخطوة.
ولفت إلى خيارات الحكومة بزيادة الجباية من خلال تحسينها، وحول فاتورة الرواتب قال: نحن نفكر بتجميد العلاوة الدورية وغلاء المعيشة، وصافي الإقراض وهو ما نقوم بإقراضه للهيئات المحلية بدل فواتير الماء والكهرباء.
ووجه القطاع الخاص انتقادات لاذعة للسياسات المالية والاقتصادية للحكومة، ورأى أنها تبحث عن حلول جزئية، وتضر بالقطاع الخاص وبالاقتصاد من حيث لا تدري.
ولخص المدير التنفيذي لشركة 'بديكو' القابضة سمير حليلة موقف قطاعه وقال: 'الموضوع لا يتعلق فقط بأوضاع الموظفين، المشكلة بنيوية، والحكومة لا ترى الصورة الكلية لأنها تقع تحت ضغط النفقات والإضرابات، المشكلة اقتصادية سياسية، الاقتصاد يتراجع في النمو وهناك 40-45 ألف عامل يدخلون سوق العمل في ظل انكماش في النمو.
وطالب حليلة، بتغيير سياسات الحكومة التطويرية، وتحويل مشاريع التطوير في البنية التحتية للقطاع الخاص بالتعاون مع البلديات لتمويلها من خلال البنوك، مطالبا باستحداث وزارة للبنية التحتية وتحويل أموال المانحين للتطوير لمجالات أخرى.