تراجعت أسعار النفط في نهاية الأسبوع الماضي، لكن بنسبة ضئيلة، وقد تحققت بعض المكاسب، بعدما اتفقت روسيا والسعودية على العمل معًا من أجل إعادة التوازن إلى الأسواق، وعقب انخفاض كبير في مخزونات الخام الأميركية.

إيلاف من لندن: تتجه العقود الآجلة لخام مزيج برنت وخام غرب تكساس الوسيط الأميركي إلى تحقيق مكاسب بنحو خمسة في المئة هذا الأسبوع، عقب انخفاضها لأسبوعين متتاليين.

وانخفض برنت في العقود الآجلة تسليم نوفمبر 1.20 دولار إلى 48.79 دولارا للبرميل، وتراجع الخام الأميركي في العقود الآجلة تسليم أكتوبر 1.03 دولار إلى 46.59 دولارا للبرميل، مع تعرّض كلا الخامين لضغوط بسبب ارتفاع مؤشر الدولار، وسط مخاوف بشأن حالة اقتصاد الاتحاد الأوروبي.

وقالت وكالة الطاقة الدولية إنها تتوقع أن يتجاوز الطلب على النفط المعروض في الربع الثالث من 2016، وهو ما يعني أن مستويات المخزون العالمي القياسية قد تبدأ في الانخفاض.

روسيا رضخت 
ما لا شك فيه أن لدى الرئيس الروسي بوتين رغبة قوية في التوصل إلى اتفاق مع أوبك من أجل تجميد الإنتاج سعيًا إلى رفع أسعار النفط من مستوياتها الحالية. فبينما يلبّي الزيت الصخري معظم احتياجات أميركا الشمالية رفعت أوبك وتيرة الإنتاج للمحافظة على حصصها في السوق. وهذا بدوره ساهم في تخفيض الأسعار، مسببًا خسارات كبيرة في اقتصادات العديد من الدول التي تعتمد على النفط. قبل عامين وصل سعر البرميل إلى 100 دولار للبرميل، والآن السعر أقل من 50 دولارا للبرميل.

روسيا تعاني اقتصاديًا، حيث تشكل الصادرات النفطية حوالى 45% من الإيرادات. وتنظر الحكومة الآن في إجراءات تتعلق بإصلاح نظام الضرائب المفروضة على شركات النفط، ما سيزيد من مشاكل تلك الشركات، ويجبرها على تقليص حجم العمالة في هذا القطاع، وإغلاق الآبار القديمة الهامشية، لأن بوتين كما يبدو مصمم على إنعاش الاقتصاد الروسي المتعثر. 

وكان قد قال أخيرًا "أرجو أن يأخذ كل المشاركين في أسواق النفط القرارات الصائبة للحفاظ على استقرار السوق ولتحقيق أسعار عادلة للطاقة". 

ومع رفع العقوبات دخلت إيران إلى السوق النفطية، وهناك شبه إجماع على أنه يجب السماح لها بزيادة إنتاجها إلى مستويات ما قبل العقوبات، قبل إجبارها على تجميد الإنتاج، لأن ذلك قد يعوق نموها الاقتصادي. 

معضلة نفط إيران
وفي إبريل الماضي كانت إشكالية الإنتاج الإيراني هي السبب في فشل محادثات الدوحة، ومنع ذلك من التوصل إلى أي اتفاق. من الواضح إذا استطاعت إيران استرجاع قدرتها الإنتاجية إلى مستويات ما قبل فرض العقوبات سيؤدي ذلك إلى خسارة دول أخرى جزءا من حصصها في السوق، وخير مثال على ذلك السعودية. إذ أنتجت المملكة في الشهر الماضي ما معدله 10.69 ملايين برميل يوميًا، بينما إيران تنتج حوالى 3.6 ملايين برميل يوميًا.

هناك من يتوقع أن الاتفاق المبدئي، الذي تم التوصل إليه بين السعودية وروسيا في الصين على هامش قمة العشرين، قد لا يرى النور، حيث اتفق الطرفان على تشكيل لجنة مراقبة لرصد تحركات السوق، وطرح توصيات للمحافظة على استقرار السوق النفطية ودعم الأسعار التي تهاوت من 114 دولارا للبرميل في صيف 2014 إلى أواسط الأربعينات في الوقت الراهن.

كلنا نذكر أنه في يناير الماضي هبطت الأسعار إلى أواسط العشرينات بسبب التخمة المتراكمة في السوق، ما أدى إلى فقدان عدد هائل من الوظائف، حيث خسرت الصناعة النفطية 350 ألف وظيفة عالميًا، وخلقت أزمات حادة للشركات النفطية في مختلف أنحاء العالم. 

وكان وزير الطاقة الروسي أليكسندر نوفاك قد أعلن للإعلام أن تجميد الإنتاج هو إحدى الخطوات لخلق حالة من الاستقرار في أسعار النفط، ووصف الإعلان عن اتفاق روسي سعودي بأنه فرصة تاريخية، لأن الاتفاق سيمهّد إلى اتفاق عام في اللقاء الذي سيعقد في الجزائر في أواخر هذا الشهر.

وجهة نظر فوربس
لكن مجلة فوربس الاقتصادية تتبنى وجهة نظر أقل حماسة، إذ تقول إنه حتى لو تم الاتفاق على تجميد الإنتاج في لقاء الجزائر ستبقى المشاكل موجودة، خاصة في روسيا والسعودية، اللتين شعرتا بألم الأسعار المنخفضة خلال العامين الماضيين. 

ويعتقد المنتجون أنهم إذا قاموا بتجميد الإنتاج سيتم وضع حد لهبوط الأسعار، ولكن الحقيقة القاسية هي أن هذا المخطط قد يفشل حسب تقديرات فوربس، لأن التجميد سوف لا يزيل التخمة من السوق النفطية، بل فقط يكسر الحالة القائمة، وسوف لا يؤدي إلى عودة التوازن بين العرض والطلب وعودة المداخيل النفطية إلى المستويات السابقة لروسيا ودول أوبك. 

من الجدير بالذكر أن عجز ميزانية السعودية بلغ 100 مليار دولار تقريبًا عام 2015، ولكن روسيا تعاني أكثر من السعودية بسبب مشكلة انخفاض أسعار الغاز أيضًا والعقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب على روسيا بسبب ضمها القرم إليها عام 2014.

خطورة التجميد
ثمة سبب آخر هو أن التجميد قد لا يكون مثمرًا، لأن روسيا والسعودية وأعضاء أوبك كلهم ينتجون أقصى ما يمكن إنتاجه حرصًا على حماية حصصهم في السوق الأوروبية والآسيوية، وتجميد الإنتاج على هذه المستويات الضخمة سيكون أمرًا خطيرًا. 

حيث أنتجت السعودية 10.50 ملايين برميل في يوليو الماضي، بينما تقول غولدمان ساكس إن الإنتاج الروسي قد يصعد إلى 11.65 مليون برميل خلال الأعوام الثلاثة المقبلة. وحتى لو نجح التجميد في إيقاف الأسعار من الانخفاض، إلا أن هناك احتمالًا كبيرًا بأن تتكرر السيناريوهات السابقة، أي أن يزداد الإنتاج ويخلق التخمة وتهبط الأسعار، لأن الأسعار المرتفعة ستجذب مجددًا المنتجين الهامشيين ذوي التكلفة العالية، لا سيما منتجي الزيت الصخري، إلى السوق الإنتاجية النفطية، ما سيخلق أزمة تخمة جديدة في السوق.

الحل المثالي للخروج من المأزق
يرى بعض المحللين أنه للخروج من مأزق الأسعار المتدنية والإنتاج المفرط يجب أن تتبنى السعودية وروسيا أيضًا نقطة السعر الكافية لتحقيق إيراد معقول يعالج مشاكلهما الاقتصادية، وفي الوقت نفسه لا تجذب المنتجين الهامشيين، مثل منتجي الزيت الصخري، ولكن يعترف المحللون أن تحقيق ذلك صعب للغاية.

لذا الحل الأمثل للخروج من مستنقع التخمة والأسعار المنخفضة هو تقليل الإنتاج وتخفيض الكميات تخفيضًا حقيقيًا. وقد لمّح وزير الطاقة السعودي خالد الفالح عندما قال أخيرًا لإحدى القنوات التلفزيونية في الإمارات إنه "متفائل من ناحية التعاون مع منتجين آخرين في اجتماعات الجزائر لاحقًا هذا الشهر"، مضيفًا أن التجميد ليس الحل الوحيد".

هل كان الفالح يفكر في تنقيص الإنتاج؟، لم يفصح عن ذلك بصراحة، ما ترك الموضوع رهينة التكهنات، ومن الملفت للاهتمام أن مجموعة أوبك وروسيا لم تتفقا على تخفيض الإنتاج خلال 15 عامًا. وتبقى إيران العائق الوحيد ربما أمام أي صفقة نهائية. 

ولا تزال دول منتجة أخرى، مثل ليبيا ونيجيريا والعراق، تعاني مشاكل أمنية، ومن غير المتوقع أن تشارك في مخطط تثبيت الإنتاج أو تخفيضه. تجميد الإنتاج ليس مغريًا جدًا، وسيؤدي إلى انخفاض في الإيرادات وارتفاع نسب البطالة. وإذا ما حصلت إيران على إعفاء من تثبيت الإنتاج فسوف لا تكون جزءًا من الصفقة.

إذا تمكنت دول أوبك من تجميد الإنتاج قد ترتفع الأسعار في العقود المستقبلية. فأوبك أنتجت ما يعادل 33 مليون برميل يوميًا في يوليو، وإذا تم تجميد الإنتاج عند هذا الحد، وعدم رفعه أبدًا، فقد نرى ارتفاعًا في الأسعار بنسبة 20% حسب تقديرات فوربس.