عقد مسؤولون من منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" اجتماعًا في فيينا، الاثنين 2 مايو، لصياغة استراتيجية طويلة المدى. ولم تتمكن منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) من التوصل إلى اتفاق بشأن استراتيجية مشتركة طويلة المدى.

لندن: لا تزال السعودية، أقوى أعضاء أوبك نفوذًا، متمسكة بموقفها القائل إن التحرك الجماعي لكل المنتجين هو الحل الأمثل لسوق النفط، التي هوت منذ منتصف عام 2014. غير أن ما حدث في اجتماع مندوبي "أوبك" الاثنين 2 مايو في فيينا، يشير إلى أن الموقف السعودي شهد تحولًا كبيرًا، حيث تعتقد الرياض حاليًا أن استهداف مستوى محدد للأسعار بات بلا فائدة، لأن ضعف السوق العالمية يعكس تغييرات هيكلية أكثر من كونه اتجاهًا موقتًا.

كبح الإمدادات
وتعاني "أوبك" من انقسام فعلي بشأن كيفية التعامل مع انخفاض أسعار النفط، كما تسبب التوتر بين السعودية وإيران في انهيار أول اتفاق خلال 15 عامًا لتجميد إنتاج الخام، من أجل المساعدة على تعزيز الأسعار العالمية.

حسب مصادر مطلعة في أوبك، فإنه بينما يحرز أعضاء المنظمة تقدمًا في بعض القضايا، لم توافق السعودية، أكبر منتج في أوبك، على اقتراح طهران بوضع "الإدارة الفعالة للإنتاج" ضمن التحديات التي تواجه المنظمة. 

وأشارت إيران إلى التحدي في استدامة أسعار النفط عند المستويات الأمثل، والحفاظ على الإدارة الفعالة للإنتاج، في ضوء الظروف الديناميكية للسوق. والمثير للجدل هو طبيعة دور أوبك التقليدي في كبح الإمدادات لتعزيز الأسعار، وهذا ما تفضله إيران والجزائر. التساؤل الآخر هو هل ستتراجع أوبك عن محاولة إدارة السوق، في ضوء تزايد إمدادات المعروض من خارج المنظمة، وهي رؤية تنسجم مع الموقف السعودي، التي قادت التحول في استراتيجية أوبك في نوفمبر 2014 حين أحجمت المنظمة عن خفض الإنتاج.

هذا التحول في السياسة ما زال يثير شقاقًا في المنظمة، حيث يختلف الأعضاء بشأن الحاجة إلى دعم سعر عادل للنفط وتعزيز الإيرادات. ومن المعروف أن السعودية وحلفاءها الخليجيين في أوبك يعارضون العودة إلى نظام الحصص الذي تخلت عنه المنظمة في 2011.

ومن المقرر أن يجتمع مسؤولو أوبك مجددًا هذا العام، في مسعى إلى التوصل إلى اتفاق على استراتيجية الأمد الطويل، رغم فشل كبار المنتجين في أوبك وخارجها خلال الشهر الماضي في الدوحة في الاتفاق على تثبيت الإنتاج، بعدما طالبت السعودية بمشاركة إيران.

التعنت الإيراني
ورفضت إيران الحدّ من الإنتاج في الوقت الذي تسعى فيه إلى استعادة حصتها السوقية في أعقاب رفع العقوبات الغربية عنها في يناير، وإن كانت مصادر قالت إن طهران ستوافق على تقييد الإنتاج، فور عودتها إلى مستويات ما قبل العقوبات.

ولا تزال سياسة إيران المعلنة في رفع إنتاجها إلى 4 ملايين برميل يوميًا قبل الدخول في أي نقاش حول تثبيت أو تجميد الإنتاج مصدر قلق وتوتر داخل أوبك وخارجها. وتعهدت إيران بزيادة إنتاجها عقب رفع العقوبات عنها، ورفضت المشاركة في الاجتماع الذي عقده المنتجون في أوبك وخارجها في الدوحة يوم 17 أبريل، بهدف التوصل إلى اتفاق على تثبيت الإنتاج لتعزيز الأسعار. 

وتحرص كل من إيران والسعودية على أن تحقق نصرًا بفرض وجهة نظرها على منظومة أوبك، من حيث السياسة والخطوات الأمثل للتعامل مع حالة الأسعار المنخفضة. فما زالت السعودية ترى من خلال حصتها الإنتاجية، التي تتراوح 10.3 ملايين برميل يوميًا، أنها العامل المرجح لأسعار النفط، بينما ترى إيران أنها لن تدفع ثمنًا لاتفاق يحرمها من ثمار رفع العقوبات، والالتزام بحصص إنتاجية تقلل من العوائد النفطية المحتملة. واتجهت إيران، أخيرًا، نحو زيادة حصتها الإنتاجية لتحقيق 4 ملايين برميل يوميًا. وهذا ليس بالأمر السهل كما سنرى.

إحباط خطط طهران
كما يرى خبراء أن الخلاف النفطي يرتبط ارتباطًا مباشرًا بالخلافات السياسية، وتطرقت صحف غربية في الشهر الماضي إلى هذه الخلافات، وأشارت الفايننشال تايمز إلى خطوات سعودية لعرقلة خطط إيران في زيادة صادراتها النفطية، مثل منع الناقلات الإيرانية من عبور المياه السعودية الإقليمية، وفقًا لتجّار وسماسرة الشحن. 

كما تمت الإشارة إلى إشعار سعودي يقول إن الناقلات أو السفن التي زارت إيران تحتاج موافقة مسبقة من السلطات السعودية والبحرينية قبل دخول المياه الإقليمية التابعة للدولتين. من جهة أخرى، أعرب مسؤولون إيرانيون عن استيائهم وقلقهم من هذه الإشعارات التي يتم تداولها في أسواق الملاحة والتأمين، ويقولون إنها تزيد من حجم العراقيل التي تواجهها إيران في بيع نفطها في الخارج. ورفضت أرامكو والشركة الوطنية السعودية للنقل البحري التعليق على الموضوع.

وتواجه إيران صعوبات في تأمين الموافقة للاستفادة من تسهيلات مصرية في مجمعات التخزين على ساحل البحر الأبيض المتوسط، والتي تشارك السعودية في امتلاك تلك المجمعات.

ونفت رابطة ناقلات النفط، المعروفة بالاسم المختصر "أنترتانكو"، والمشاركون في صناعة النقل البحري للنفط الخام، أن تكون السعودية أصدرت إخطارًا رسميًا بهذا الخصوص، ولكن المجهولية التي تحيط بالموضوع أجبرت مستأجري السفن والناقلات على التردد في نقل النفط الخام الإيراني.

لكن استمرار حالة الفائض النفطي في السوق لا تخدم أوبك وأعضاءها، بل تساعد الدول المستهلكة الكبيرة مثل الولايات المتحدة والصين واليابان على بناء مخزوناتها الاستراتيجية نظرًا إلى انخفاض الأسعار. ومن الجدير بالذكر أن الصين والهند بدأتا ببناء خزانات عملاقة لزيادة مخزونها الاحتياطي الاستراتيجي.

وسيعقد وزراء نفط دول أوبك اجتماعهم المقبل في الثاني من يونيو في فيينا لبحث سياسة الإنتاج، ومن غير المتوقع أن يأتي الاجتماع المقبل بالنتائج المرجوة نتيجة لعمق الخلاف السعودي الإيراني. الموقف السعودي ثابت وواضح بأنه يتعيّن على جميع أعضاء أوبك بالالتزام بما يتم الاتفاق عليه من تثبيت الإنتاج. لكن استمرار الخلافات من شأنه أن يؤدي إلى تصدعات داخل أوبك، وهذا ليس في مصلحة الأعضاء المنتجين.