إيلاف من بيروت: سوريا البلاد التي مزقتها الحروب وهجرت أهلها ودمرت بيوتهم وبددت أرزاقهم، لم تسلم أيضاً من تداعيات التغيير المناخي الذي أثقل كاهل المزارعين، خصوصاً بعدما أحكم الجفاف ضرباته، حاصداً محاصيلهم الزراعية بلا هوادة قبل أن تحصدها معاولهم أو يجنوا ثمار بساتينهم وبيَّاراتهم الخضراء، بحسب تقرير نشره موقع "إندبندنت عربية".

العوامل المناخية وخطر المجاعة

فقد خيب الموسم الحالي آمال المزارعين وزاد من خسائرهم المتراكمة والمتلاحقة سنة بعد سنة عجفاء متوالية، ليزيد قلقهم الذي لم ينفك يتربص بهم جراء مخاطر الجفاف وآثاره من تغيرات مناخية، علاوة عن حرائق وكوارث ألمّت بالغابات والمزروعات من أشجار الحمضيات والزيتون، أوقعت المزيد من نكبات دفعت البلاد إلى الاستغاثة بموسكو نهاية المطاف لاستيراد القمح، حيث تقدر حاجة سوريا بنحو مليون طن سنوياً.

وحذرت الأمم المتحدة نتيجة الجفاف والتغير المناخي الحاصل من أزمة جوع في طور التفاقم، ولفت تقرير برنامج الأغذية العالمي إلى خطر مجاعة يحدق بـ 12 مليون سوري، وانعدام أمنهم الغذائي يعود لعوامل مناخية. وأشار تقرير حديث للمنظمة ذاتها عن ترتيب سوريا ضمن تسعة بلدان معرضة لخطر شديد جراء الأحداث المناخية، وتتربع كثالث أعلى معدل لخطر الجفاف.

وبحسب "إندبندنت عربية"، حذرت المنظمة الأممية كذلك من أزمة مياه تلوح في الأفق، وكشفت أن ما يقارب 40 في المئة من المناطق الزراعية المروية لم تعد لديها القدرة بالاعتماد على الري، ولفت البيان إلى تعرض 1.8 مليون آخرين لخطر الانزلاق نحو الجوع، مطالباً في الوقت ذاته بزيادة المساعدات العاجلة لتجنب المزيد من المعاناة.

الجفاف ودوام الحال!

وإزاء ذلك، لم تعد قضايا الجفاف والتغير المناخي من المواضيع الهامشية في حياة السوريين مع أنها تبدو إلى هذه اللحظة كذلك بحكم الحرب والحصار وبحث الناس عن لقمة العيش، بل بدأت دمشق بالفعل تستشعر الخطر المحدق بقطاعها الزراعي، كون اقتصادها يعتمد عليه في المقام الأول كبلد زراعي رفع خلال عقود من الزمن شعار "نأكل مما نزرع"، بل أن أصنافاً من المحاصيل تدخل في حيز التصدير حتى في زمن الحرب.

وبغية تدارك الواقع المرير، سعت سوريا للدخول في اتفاقية المناخ في باريس عام 2017 على الرغم من الانتقادات اللاذعة من واشنطن وقتها، غير أن مشروع أطلق في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري بالشراكة مع صندوق الأمم المتحدة الإنمائي ومنظمة (الفاو) لتعزيز قدرة المجتمعات المحلية لمواجهة التغير المناخي، بحسب "إندبندنت عربية".

تأتي هذه الخطوة الحديثة ضمن بلدة المليحة في ريف العاصمة عانت من معركة طاحنة قبل سنوات، حطت رحالها في الغوطة الشرقية وأدت إلى تضرر مسطحاتها الخضراء ونزوح مزارعيها علاوة عما أصابها من تغير مناخي مترافق مع نقص شديد في المياه.

العامل المناخي أولاً

إن الأخطار التي تتربص بالسوريين مع استمرار آلة الحرب جسيمة، زادها ما أصاب المنطقة بأسرها من تغيير مناخي وحصد منطقتنا تداعياته المختلفة. ويعتقد الباحث في الشؤون البيئية، المهندس حسام الدين شحادة أن أمن السوريين الغذائي ظل على الدوام مرتبط بالعوامل الاقتصادية والاجتماعية بالإضافة إلى الواقع الأمني بسبب الصراع الداخلي، إلا أنه مرتبط اليوم بشكل مباشر بعوامل بيئية ومناخية، لا سيما بعد استقرار نسبي تشهده المناطق.

غير أن الباحث شحادة يرى أبعد من ذلك، بأن العوامل المناخية تشكل اليوم الهاجس الأول في الاستقرار الغذائي، ويتطلب الأمر مكافحة العوز الذي طال شريحة واسعة من السوريين، إلى جانب الكثير من الشروط المناخية والبيئية والعوامل المساعدة، والتي تتطلب تضافر جهود فنية محلياً ودولياً للمساعدة على تطوير الزراعة، والاهتمام الأوسع بالطاقة البديلة، وفقًا لموقع "إندبندنت عربية".

وبرأيه هناك حاجة ماسة لتوفير مياه الري مع تفاقم الجفاف واتساع رقعة الأراضي القاحلة بسبب التغير المناخي، علاوة على نزوح نسبة كبيرة من المزارعين لأراضيهم مع اندلاع المعارك، الأمر الذي يفضي إلى تغير في التربة من دون زراعتها، واستفحال التصحر واتساع رقعته مع مرور الزمن.

الخطر المحدق بالسوريين يتسع وينذر بكوارث متعاظمة، وفق المهندس البيئي شحادة الذي أعلن أن الأمر يزداد سوءاً مع انخفاض منسوب نهر الفرات المتدفق من الأراضي التركية إلى مستويات غير مسبوقة، إذ تصل كمية المياه إلى ما دون النصف 200 متر مكعب في الثانية، بينما الكمية المتفق عليها 500 متر مكعب بالثانية.

"الأمر الذي أخرج معه قسماً كبيراً من المساحات المروية خارج الخدمة ومنها زراعة القمح والقطن والخضروات، مع شح ونضوب الآبار الجوفية في شمال شرقي سوريا".

المناخ وتهديد استقرار الدول

وإن كان فريق محلي يعتقد أن التغيرات المناخية تمثل اليوم التهديد الأول بالاستقرار، فإن دراسة أميركية أفضت إلى ما لحق بسوريا من أزمة تعيش تداعياتها لهذه اللحظة سببها التغير المناخي، ووفقاً لدراسة نشرها جون وتربري عام 2013، أورد فيها أن موجات الجفاف منذ عام 2011 أدت إلى تحويل الأراضي الزراعية في شرق سوريا، حيث ينتفع منها 800 ألف شخص إلى أرض قاحلة، ونفوق ما لا يقل عن 85 في المئة من الثروة الحيوانية.

وأضافت الدراسة أن تلك الكارثة البيئية أدت إلى نزوح كبير من المناطق الريفية بحثاً عن فرص عمل في المدن الكبرى، وشكلت معها عشوائيات أحاطت بتلك المدن مثل حماة وحمص ودرعا ما أسهم بتأجيج الصراع.

ولعل التقييم الأولي من قبل شبكة خبراء معنية بالتغييرات المناخية والبيئية في منطقة البحر الأبيض المتوسط عام 2019، أفضى بأن تفكك الاقتصاد الريفي السوري يعد من العوامل المرجحة في الحرب السورية الأخيرة، إذ تزداد الفجوة بين الريف والحضر، مترافقة مع ارتفاع معدلات البطالة وانتشار الفقر.

وفقًا لموقع "إندبندنت عربية"، شكلت هذه الفرضية التي تربط التغير المناخي بالحرب السورية مثار جدل واسع النطاق بين الخبراء وأصحاب الاختصاص بشكل واسع مع انقسام الآراء في ذلك الجانب، ويعتقد خبراء المناخ في حوض البحر المتوسط في دراسة لهم بأن حالات الجفاف الأخيرة والتي تعد الأطول والأسوأ خلال 900 سنة الماضية، قد لعبت في تحريك الأزمة، بينما اليوم يرى السوريون نتائجها على أرض قاحلة جرداء وظمأى إلى الخضرة والماء.